عروبة الإخباري –
لطالما حذر جلالة الملك عبدالله الثاني منذ سنوات طوال ومن على كل المنابر الدولية وخلال اللقاءات السياسية مع قادة الدول الكبرى، من أن تبعات الظلم وانعدام العدالة الواقعيْن على الشعب الفلسطيني في أرضه المحتلة، سيفجر الأوضاع في أي لحظة وحينها سنخسر كثيرا من الأبرياء، فكانت النتيجة كما توقعها وحذر منها جلالته.. “طوفان” تفجر مع فجر السبت الماضي.
وحين تفجر الظلم الفلسطيني مخترقا كل الفواصل على الارض، عاد جلالة الملك مرة أخرى ليحادث القوى الفاعلة عالميا، مطالبا بوقف ما يحدث من مجازر بحق الفلسطينيين، ومحذرا من أن عدم وقف القتال سيؤدي إلى انفجار المنطقة برمتها، وسيخسر العالم المزيد من الأرواح البريئة.
سياسيون أردنيون أكدوا لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أن رؤية الملك كانت ثاقبة واستشرفت خطرا يترصد بشعوب المنطقة، فكرس جلالته خطابه أمام العالم في الأمم المتحدة في دورتها الثامنة والسبعين على ما يحدث في فلسطين من تطرف الحكومة الاسرائيلية واستفزاز الشعوب المسلمة وليس الشعب الفلسطيني وحده من خلال انتهاك حرمة المقدسات الاسلامية والمسيحية، وانعدام العدالة لشعب فلسطين وهو ما سيدفعهم إلى العنف وصولا إلى حقهم بإقامة دولتهم التي تضمن لهم العيش بحرية وكرامة.
وزير الإعلام الأسبق الدكتور محمد المومني، أشار إلى أن الأردن دائما كان يحذر من أن الوضع الراهن غير مستدام، وأن جوهر الصراع في الشرق الأوسط واللاستقرار، سببه بالأساس القضية الفلسطينية، وانعدام العدالة للشعب الفلسطيني.
وأشار إلى أن من حق الشعب الفلسطيني كباقي الشعوب أن يقرر مصيره، ولا يجوز أن يسمح للشعب الإسرائيلي بالتعبير عن رأيه في الوقت الذي ما يزال الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال، ومحروم من إقامة دولته وتقرير مصيره، وإلا سيستمر مسلسل العنف والدمار الذي نراه يطل علينا كل بضعة أشهر.
ولفت إلى أن إسرائيل دخلت في أزمة سياسية بسبب الإخفاق العسكري والأمني، والآن تتعالى أصوات تنتقد بشدة وزراء عاملين في الحكومة الإسرائيلية دأبوا على استفزاز مئات الملايين من المسلمين، وهو ما انعكس بشكل أعمال عنف تظهر بين الفينة والأخرى.
وبين أن الحل الاستراتيجي لن يتحقق إلا بقيام دولة فلسطينية على أساس حل الدولتين ضمن قرارات الشرعية الدولية، وإعطاء الشعب الفلسطيني كرامته الوطنية ووقف الاستفزازات في القدس الشريف والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وقال: “الأردن مؤمن بالسلام، ومحب له، وملتزم به، ويريد لهذا أن يتحقق، ودعواته دائما تأتي من هذا القبيل”، مبينا في الوقت ذاته أنه عندما يكون هناك سلوكيات استفزازية، وغطرسة وابتعاد وعنجهية إسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين، فإن من شأن هذا كله أن يزرع بذور الكراهية والحقد ويأتي بالعنف.
وزير الإعلام الأسبق سميح المعايطة اكد أن قوة الضربة التي وجهها “طوفان القدس” للمؤسسة العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية، وعلى صعيد الرأي العام فإن صدمة المجتمع الإسرائيلي كبيرة؛ بسبب قوة العملية وضخامة حجم الخسائر التي لم تحدث خلال المراحل السابقة.
وعن خيار عودة عملية السلام، قال: “أعتقد أنه ليس مطروحا الآن لدى حكومة الاحتلال لأنها تعمل في مسار واحد هو رد الاعتبار بسبب قوة العملية وحجم الخسائر، لكن بعد أسابيع ربما سيكون هناك مفاوضات لاتفاق تهدئة أو صفقة تبادل أسرى لأن عدد الأسرى الإسرائيليين كبير وهو ما سيدفع الرأي العام للضغط على نتنياهو لإعادتهم”.
وأضاف، إن عملية السلام ليس لها فرصة خلال الأسابيع القادمة، وفي حال كان هناك قناعات بهذا فسيكون الأمر بعد انتهاء العمليات العسكرية وتبادل الأسرى.
رئيس لجنة السياحة والتراث في مجلس الأعيان العين عبد الحكيم الهندي، قال، إن هناك قراءة عميقة للاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأميركي جو بايدن مع أول زعيم عربي جلالة الملك عبدالله الثاني مع اندلاع عملية “طوفان الأقصى” ودخول المنطقة في حالة توتر غير مسبوقة، وما صاحبها من تحول كبير في مشهد الصراع العربي الإسرائيلي، والخطر الداهم الذي بات يحيق بعملية السلام برمتها.
وأوضح أن الرئيس بايدن يعلم تماما بأن المفاتيح أساسا بيد صوت الاعتدال والحق معا الذي يمثله جلالة الملك عبدالله الثاني والأردن، وهو ذات الصوت الذي لطالما حذر مرارا وتكرارا، من انزلاق المنطقة الى العنف إذا لم يتم الزام كل الأطراف، وإسرائيل تحديدا، بأسس ومبادئ عملية السلام، وعلى رأس ذلك عدم المساس بالوضع القائم في القدس والأماكن الدينية فيها وعلى رأسها المسجد الأقصى، وعدم المساس بمشاعر الفلسطينيين والمسلمين الدينية، وهو الأمر الذي يقوم عليه جلالة الملك انطلاقا من الوصاية الهاشمية على المقدسات في المدينة المقدسة.
وأشار الهندي إلى أن بايدن سمع خلال هذا الاتصال المواقف والثوابت ذاتها في السياسة الأردنية الواضحة وضوح الشمس إزاء فلسطين، وأولها العمل، وسريعا، على البحث عن حل سياسي يجنب المنطقة مزيدا من العنف، والعودة الى الالتزام بالمسار السلمي الذي لا بد وأن يفضي إلى قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، فهذا هو المخرج الوحيد لحل الأزمة برمتها، والأمل الوحيد في مستقبل خال من العنف، والصورة الوحيدة للعدالة المرجوة.
وتطرق الهندي إلى تحذيرات جلالته من أن استمرار التصعيد ستكون له انعكاسات سلبية على المنطقة، لافتا إلى أن جلالته شدد على ضرورة ضبط النفس وحماية المدنيين واحترام القانون الدولي الإنساني، وفي هذا تأكيد على ما طرحه الملك من على منصة الأمم المتحدة قبل نحو أسبوع، فجلالته رسم للعالم خريطة إنسانية هدفها عالم تسوده العدالة وحقوق الإنسان.
وأكد أن الأردن يبقى صوت الاعتدال، والباحث دائما عن السلام بشرط تحقيق العدالة، ويبقى الملك عبدالله الثاني السند للشعب الفلسطيني وحامل لواء الحق الفلسطيني في كل المحافل الدولية كما كان الهاشميون عبر كل مراحل الصراع العربي الإسرائيلي، ولن تغفو لعمان عين حتى إحقاق الحق، وتحقيق السلام القائم على هذا الحق.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعات الأردنية، والخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور غازي الربابعة وصف ما يحدث في هذه الأيام بأنه “زلزال بكل معنى الكلمة” ترك آثارا كبيرة في الداخل الإسرائيلي، مشيرا الى أنه ولأول مرة ينتقل القتال الى ما وراء الحدود في غلاف غزة وعلى مساحة جغرافية واسعة. ورأى الربابعة أن هذه الحرب كسرت هيبة الجيش الذي لا يقهر ليعترف الجيش الاسرائيلي بأن مقاتلين فلسطينيين اقتحموا وسيطروا على سبع أو ثماني مستعمرات ومراكز قيادة للجيش، بالإضافة إلى قصف تل أبيب وعسقلان والمدن الإسرائيلية في العمق.
وأشار الى الخدعة التي وقعت إسرائيل في شركها حين تم إشاعة أن “حماس” غدت “معتدلة” بالمفهوم الاسرائيلي ولم تعد كما كانت سابقا، لكن المفاجأة كانت يوم السبت حين صدمت إسرائيل بذاك الهجوم الصاعق والكاسح.
انهارت سمعة الجيش الإسرائيلي إلى الحضيض، وتوقعات زلزال في الداخل الإسرائيلي، مشيرا إلى أن ذلك سيعيد البوصلة ثانية باتجاه القضية الفلسطينية والبحث عن حل خشية امتداد الصراع الى ما هو أبعد من ذلك.