بشار الأسد: الجميع سيفاجأ بسرعة التزام حسن نصر الله القواعد عند إعلان اتفاق سلام
عروبة الإخباري –
اندبدنت عربية –
تحفل خزائن النظام السوري بكثير من الأسرار، وقد لا تخرج كل أسرار هذا النظام إلى العلن، أبداً. وفي جديد تلك الأسرار المثيرة ما نشرته مجلة “المجلة” من وثائق بعنوان “وثائق سرية سورية تكشف تغير أولويات أميركا… من التطبيع مع إسرائيل إلى ’الطلاق’ مع إيران”، التي تتحدث عن آخر محاولتين أميركيتين لعقد اتفاق سلام وحجم التغييرات في دمشق واختلاف أولويات تل أبيب وواشنطن.
مفاوضات السلام
عام 1977 التقى الرئيس الأميركي جيمي كارتر نظيره السوري حافظ الأسد في جنيف في محاولة لإجراء مفاوضات سلام، لكن تلك المحادثات لم تسفر عن نتائج. وفي عام 1990، التقى جورج بوش الأب حافظ الأسد في جنيف مرة أخرى، حيث كانت الأوضاع متوترة وبعد أسابيع قليلة من ذلك اللقاء، هاجمت الولايات المتحدة العراق بدعم من سوريا التي انضمت إلى تحالف دولي لإخراج الجيش العراقي من الكويت. أعقب ذلك اجتماعان آخران في جنيف بين عامي 1994 و2000، وفي الاجتماع الأخير مع بيل كلينتون، لمح حافظ الأسد إلى إمكان إحلال السلام بين سوريا وإسرائيل، لكن الآمال تبددت، ولم تتبعها أي إجراءات ملموسة. وفي 1993 تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين بالانسحاب الكامل من الجولان مقابل تطبيع العلاقات وترتيبات أمني، مما اعتبر نقطة التحول في المفاوضات. حمل وزير الخارجية الأميركي حينها وارن كريستوفر إلى الأسد ما عرف بـ”وديعة رابين”، التي سلمها له في العام ذاته، وتضمنت “القبول بالانسحاب إلى ما وراء خطوط الرابع من يونيو (حزيران)”. وبعد جمود بسبب اتفاق أوسلو الفلسطيني في 1993 ووادي عربة الأردني 1994، وفي مايو 1996، فاز اليمين الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو وفق برنامج ينص على “أن أي اتفاق مع سوريا يجب أن يرتكز على السيادة الإسرائيلية في الجولان”، ومع هذا لم تنقطع الاتصالات بين الدولتين، وإن انتقلت إلى الكواليس. ومن ثم جرت محاولات أميركية أخرى على المسار السوري، مع تغير الحكومات في تل أبيب. وبحسب مسودتي آخر اتفاقين عرضا على الرئيس حافظ عام 2000 وعلى الرئيس بشار الأسد عام 2011، وحصلت “المجلة” على نصهما، فإن أولوية الرئيس الأميركي كلينتون كانت إقناع الأسد خلال لقائهما في جنيف قبل 23 سنة تحقيق “تطبيع كامل” مع تل أبيب، لكن “الحلم الأميركي” كان عام 2011 تخلي دمشق عن “تحالفها” مع طهران و”حزب الله” في لبنان، قبل انسحاب القوات السورية عام 2005.
“أرجل الطاولة الأربع”
وتضمنت المفاوضات التي اتخذت مساراً تصاعدياً، ووفق إلى ما كان يعرف بـ”أرجل الطاولة الأربع” لعناصر اتفاق السلام، الانسحاب الإسرائيلي من الجولان المحتلة منذ عام 1967، وترتيبات أمنية بين الطرفين، وتطبيع العلاقات بينهما، والجدول الزمني بين العناصر الخاصة باتفاق السلام. واستطاع كل من رئيس الأركان السوري حكمت الشهابي ونظيريه إيهود باراك نهاية 1994، وأمنون شاحاك منتصف 1995، الوصول إلى ورقة مبادئ الترتيبات الأمنية بين البلدين بحيث تكون متوازية ومتساوية، وفقاً لما جاء في “المجلة”. وعاد كلينتون لتفعيل جهود السلام، التي استمرت ما بين أعوام 1996 و1999، تزامناً مع تراجع صحة الرئيس حافظ الأسد، وتصاعد الإعداد لتسلم الحكم لبشار خلفاً له.
الحدود بين الدولتين
وفي ديسمبر (كانون الأول) 1999 لاقى الإعلان عن استئناف المفاوضات ترحيباً عربياً ودولياً، ووصفته وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت بـ”الخطوة التاريخية”. ونهار 15 من ذلك الشهر، استضاف كلينتون محادثات بين باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع وكان اللقاء الأول وجهاً لوجه بحضور أولبرايت في أرفع لقاء سوري– إسرائيلي سياسي. وخرج الجميع راضين “عن سير المفاوضات في واشنطن برعاية الولايات المتحدة الأميركية”، ومؤكدين “الرغبة العميقة” في تحقيق السلام، غير أن الشرع أراد أن يكون جدول الانسحاب قصيراً، فيما فضل باراك سنتين للتنفيذ. الأجواء الإيجابية التي رافقت ذلك اللقاء شجعت كلينتون على استئناف المفاوضات في الثالث من يناير (كانون الثاني) في بلدة شيبرد تاون في ولاية فرجينيا الغربية، وتقدم باقتراح لتشكيل مجموعات عمل حول القضايا الرئيسة موقع الخلاف على أن تجتمع بشكل متزامن، وشكلت أربع لجان لترسيم حدود خط الرابع من يونيو عام 1967، والترتيبات الأمنية المتكافئة، والعلاقات السلمية، والمياه، لكن فيما نشأت أزمة بسبب تخلف أعضاء الوفد الإسرائيلي في لجنة رسم الحدود عن حضور اجتماع اللجان، ومع أن الاجتماعات استؤنفت لكن لم تدخل بشكل جدي في المواضيع. ومع هذا قدم الوفد الأميركي ورقة تلخص موقفي الطرفين، وفيها، وبهدف الوصول إلى سلام عادل دائم وشامل في الشرق الأوسط على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، وفي إطار مسيرة السلام التي بدأت في مدريد في 31 أكتوبر 1991، أن الدولتين إسرائيل وسوريا عقدتا العزم على إقامة سلام دائم بينهما بمقتضى هذا الاتفاق، واتفقتا على ما يلي، إقامة سلام وأمن في نطاق الحدود المعترف بها. وتتوقف حالة الحرب بين الدولتين ويقام سلام بينهما، على أساس الحدود الدولية الدائمة الآمنة والمعترف بها بينهما، وترتكز على خطوط الرابع من يونيو 1967، على أن تحترم الأطراف هذه الحدود وسلامة ووحدة مناطق الأرض والمياه الإقليمية والمجال الجوي لكل طرف. وبناء عليه يمارس كل طرف سيادته الكاملة في جهته من الحدود الدولية، على أن يحدد الإطار الزمني البند وباقي بنود هذا الاتفاق.
علاقات سلام طبيعية
في يناير عام 2021 نشر الصحافي الإسرائيلي شمعون آران صوراً نادرة لمباحثات السلام بين سوريا وإسرائيل، التي جرت عام 2000. وكتب آران، في تغريدة عبر منصة “إكس”، أنه غطى مباحثات السلام “الفاشلة” بين بلاده وسوريا، في ذلك العام والمعروفة باسم “كامب ديفيد2”. ونشر آران في تغريدة باللغتين، العربية والعبرية، صوراً نادرة للمباحثات، جمعت الشرع بباراك، مع الرئيس كلينتون وأولبرايت، ومسؤولين آخرين، في منتجع كامب ديفيد. وختم بأن “المفاوضات انتهت بلا شيء ولا نرى أي مؤشر لإحلال السلام بين سوريا وإسرائيل.. ما رأيكم؟”، لكن في ذلك الوقت نصت ورقة العمل الأميركية، أن يطبق الطرفان في ما بينهما شروط ميثاق “شرعة” الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات بين الدول في عهد السلام، بما يحترم ويقر بالسيادة والوحدة الجغرافية والاستقلال السياسي للطرف الآخر وبحق العيش بسلام داخل حدود آمنة ومعترف بها كذلك. على أن يقيم الطرفان وينميان علاقات حسن جوار وينأيان عن التهديد بالقوة أو استخدام القوة بشكل مباشر أو غير مباشر الواحد ضد الآخر ويتعاونان في إحلال السلم والاستقرار والتطور في منطقتهما ويسويان أي خلاف ينشأ بالوسائل السلمية، إضافة إلى علاقات دبلوماسية وقنصلية كاملة في ما بينهما بما في ذلك تبادل سفراء مقيمين. وتحقيقاً للسلام الدائم والمستقر بين الدولتين وجب أن يكون هناك ترتيبات أمنية منها، مناطق تحديد حجم القوات وقدراتها وتشمل تحديد القدرة على الاستعداد والعمل والتسلح، ومنظمات السلاح والبنية العسكرية، بحيث يقام داخل هذه المناطق منطقة منزوعة السلاح، تشمل المناطق التي ستنسحب منها القوات الإسرائيلية ومنطقة التماس القائمة التي حددت في إطار اتفاقات وقف إطلاق النار بين الجيشين الإسرائيلي والسوري في 31 مايو (أيار) 1974، والتي كان قد توصل إليها وزير الخارجية هنري كيسنجر بعد حرب عام 1973، كما أنه لا يجوز نشر قوات عسكرية أو ذخائر أو منظومات أسلحة أو قدرات عسكرية أو بنية عسكرية في منطقة نزع السلاح من قبل أي جانب من الجانبين، ويسمح فقط بوجود محدود للشرطة المدنية في المنطقة. واتفق الطرفان على عدم التحليق بطائرات فوق منطقة نزع السلاح من دون ترتيبات خاصة.
المياه
أما في ما خص بند المياه فاتفق الجانبان على وضع ترتيبات تضمن استمرار إسرائيل في استعمال كميات المياه من خزانات المياه، ومن المياه الجوفية الموجودة في المناطق، التي سيتم تسليمها أو ستنسحب منها القوات الإسرائيلية، على أن تشمل الترتيبات جميع الوسائل لمنع التلوث البيولوجي أو الكيماوي أو تجفيف بحيرة طبريا ونهر الأردن ومنابعهما.
“الرواية المفقودة”
في كتاب مذكرات فاروق الشرع “الرواية المفقودة” يتحدث عن أسباب فشل اجتماعات شيبرد تاون الأميركية، بعد أيام قليلة على انتهائها، وعلى رغم المرونة التي أظهرها الجانب السوري في جميع اللجان الثلاث التي أخذت معظم وقت المفاوضين السوريين والإسرائيليين، وبإشراف الأميركيين ومساعدتهم لإنجاز أعمالها. أما اللجنة الرابعة المتعلقة برسم حدود الرابع من يونيو 1967 فظلت تراوح مكانها لأن باراك رئيس الجانب الإسرائيلي في تلك المفاوضات لم يكن على استعداد للاعتراف بمضمون “وديعة رابين”، ومن ثم لم يكن موافقاً على رسم الحدود بحسب خط الرابع من يونيو، وأن كلامه الذي كان يردده خلال المفاوضات بأنه لن يمحو أو يشطب ما كان قد وافق عليه أسلافه، وخصوصاً رابين ووديعته الشهيرة، لم يكن له أي معنى على أرض الواقع. ويشير الشرع في كتابه هذا إلى أن كلينتون كان ضحية تلاعب وتضليل من باراك، عبر عنها “بصراحة لي شخصياً في لقائنا الثنائي القصير قبل مغادرة شيبرد تاون، والأهم أنه عبر عنها أيضاً في اتصال هاتفي طويل أجراه مع الرئيس حافظ الأسد بتاريخ 18 يناير 2000. قال الرئيس كلينتون خلال الاتصال مع الرئيس حافظ الأسد، “لقد فكرت كثيراً حول آخر محادثاتنا، وبملخص الوزيرة أولبرايت عن محادثاتها مع الوزير الشرع. وكما تعلم يا سيادة الرئيس، فقد أصبت بعد الأسبوع الأول لمحادثات شيبرد تاون بخيبة أمل، لأن الإسرائيليين لم يستجيبوا للمسائل التي أظهرتم فيها مرونة. لقد أوضحت لرئيس الحكومة باراك أننا في حاجة للتحرك إذا أردنا النجاح، وأن على إسرائيل وسوريا اتخاذ قرارات صعبة. وقد حصلت الآن من باراك على إعادة تأكيد وديعة رابين، مع البدء بعملية رسم حدود الرابع من يونيو إلى جانب المسائل الأخرى”. قاطعه الرئيس الأسد قائلاً “هذا جيد”. وتابع الرئيس كلينتون كلامه الذي يبدو أنه كان مدوناً، قائلاً، “آمل أن يشكل هذا استجابة لحاجاتكم التي عبرتم لي عنها، وكما لخصها لي فاروق الشرع عندما اجتمعت به وهي البدء بترسيم الحدود. وإذا كان هذا يستجيب لمطالبكم، فإن لباراك أيضاً مطالب لا بد أن يحصل عليها مع موضوع الحدود وتأكيد وديعة رابين، وهي بدء المحادثات على الجهة اللبنانية بعد عدة أيام من لقاء سوريا ولبنان مرة ثانية”.
بحيرة طبريا
وبعد تسريب الاتفاق الذي قوبل بضجة كبيرة في إسرائيل وفي سوريا، أدى إلى تأجيل استئناف المفاوضات كما كان مقرراً، وعقد اجتماع في 19 يناير وفقاً لوثيقة رسمية سورية، حصلت “المجلة” على نصها، لمناقشة نتائج المفاوضات مع الإسرائيليين، حيث تحدث الشرع مشيراً إلى أن كلينتون وأولبرايت يؤيدان الموقف السوري، وأنه حمل رسالة إلى الأسد، مضيفاً أن باراك يريد السلام، ولكنه طلب فرصة ثلاثة أشهر ليرتب أوضاعه، وأن باراك وصف الأسد بأهم رئيس عرفته بلاد الشام منذ ظهور الإسلام. وفي ذلك الاجتماع شرح الشرع أسباب الخلاف مع الإسرائيليين، حيث إن سوريا تريد بحث الانسحاب إلى ما وراء خط الرابع من يونيو، وإسرائيل تريد بحث قضايا الأمن والمياه والعلاقات السلمية. وتضيف “المجلة” أن كلينتون طلب من الجانب السوري حل مشكلة المياه وعندئذ تحل مشكلة الرابع من يونيو لأن ما يقلق إسرائيل هو موضوع المياه. وأضاف أن الولايات المتحدة جاهزة لشراء مياه لسوريا من تركيا، فرد عليه الوزير الشرع بأن الأتراك لا يقبلون، فأجابه كلينتون: ندفع لهم قيمة المياه، وعندئذ لن يعترض أحد. فرد الوزير السوري: لا أستطيع إعطاءك جواباً الآن. وأشارت تقارير صحافية في حينه إلى أن النقطة التي فجرت المفاوضات تمحورت حول ترسيم الخط الحدودي بين الجانبين: باراك وافق على الانسحاب حتى خط الحدود الدولية لعام 1923 مع إزاحة هذا الخط غرباً ليمر على بعد 10 أمتار من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبريا، بيد أن دمشق رفضت العرض. حاول كلينتون تدوير الزوايا السورية فاجتمع في جنيف إلى الرئيس حافظ الأسد في 26 مارس، لكن محاولته فشلت في إعادة دمشق، المصرة على تعهد بالانسحاب حتى خط الرابع من حزيران 1967، إلى طاولة المفاوضات. وبحسب مسؤول أميركي، فإن المرض كان واضحاً على الأسد، بل إن المنسق الأميركي دينس روس حاول اختبار ذلك بأنه لمس الأسد في كتفيه كي يتأكد من ضعف صحته. ويعرض موقع “المجلة” إلى وثيقة سورية أخرى، تقول “تحدث كلينتون عن عملية السلام ودور الأسد بإطلاقها في مؤتمر مدريد، وتحدث عن الإنجازات الكبرى للأمن والاستقرار في المنطقة في حال تحقق السلام بين سوريا وإسرائيل، ثم عرض خرائط على الأسد”. يقول الجانب السوري إنها تتضمن شريطاً بعرض 200 متر من البحيرة. “نظر الأسد إلى الخرائط فوجد خطاً للحدود في منطقة البطيحة على شواطئ طبريا تتجاوز خط الرابع من يونيو، كما وجد انحرافاً في الخط في منطقة بانياس. التفت إلى الرئيس كلينتون وقال له: ما هذا؟ هذه خريطة إسرائيلية وليست أميركية، إذا كان هذا ما أردت إبلاغي عنه فليس لدي ما أقوله وليس لدي ما نتناقش به. أجابه كلينتون: إن وزير خارجيتك وافق على هذه الخريطة، وكان الوزير الشرع واقفاً لم يرد بكلمة واحدة. رد الأسد: ليس لدي ما أقوله أو أناقشه، هذه خريطة إسرائيلية ولن أوافق على التنازل عن حبة تراب. ووفقاً لنائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، في وثيقة رسمية “كان الأميركيون يتابعون صحة الرئيس الأسد، ويراهنون عليها معتقدين أن الرئيس سيكون مستعداً لتقديم التنازلات المطلوبة، ولكن الرجل رحل وكانت مصلحة البلاد هي الأسمى، رحل من دون أن يفرط أو يتنازل أو يفتح الطريق للتفريط والتنازل”.
انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان في مايو (أيار) 2000، وتوفي الأسد في 10 يونيو من العام نفسه، وتسلم ابنه الحكم بعده.
علاقة سوريا مع إيران
في السابع من فبراير (شباط) 2001، أعلن الرئيس السوري الجديد، بشار الأسد، استعداد دمشق لاستئناف المفاوضات مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، إلا أن العرض السوري، الذي تكرر في ديسمبر 2004، لم يلق أي تجاوب من جانب تل أبيب، لكن وفقاً لمجلة “المجلة” جرت محاولات لإنجاز اتفاق مع إسرائيل، كانت أبرزها خلال فترة العزلة بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، حيث توسطت تركيا بين عامي 2007 و2008، واقترحت ترتيب لقاء مباشر بين الأسد ورئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت الذي شن الهجوم على غزة بعد انهيار الاقتراح. وخلال عهد باراك أوباما عادت إدارته للاهتمام بالتسوية وعينت السيناتور جورج ميتشل مبعوثاً، وفريد هوف نائباً له. وبين أبريل (نيسان) 2009، ومنتصف مارس 2011، كان الدبلوماسي هوف، الذي عرف بأنه رسم خط الرابع من يونيو، يركز على المسار. سافر ميتشل وهوف إلى دمشق في سبتمبر (أيلول) في محاولة للحصول على موافقة الأسد على مقاربة جديدة لتنفيذ “وديعة رابين” تضمنت بوضوح الحديث عن “الجوانب الإقليمية”، أي علاقة سوريا بإيران و”حزب الله”. قبل ذلك، وفي 22 مايو 2010، حصل رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي جون كيري، من الأسد على “انفتاح الأسد على اتفاق سلام يلبي جميع المتطلبات الإسرائيلية في مقابل الانسحاب الإسرائيلي الكامل إلى خط الرابع من يونيو”. وتنقل “المجلة” أن واشنطن كانت قلقة من وصول “صواريخ سكود إلى حزب الله”، وتسعى لفك الارتباط السوري-الإيراني، لكن اللافت، أن كيري حمل معه مسودة رسالة معدة لتوقيع الأسد، كان جهزها هوف بعد لقاءات مع الإسرائيليين، تنقل إلى الرئيس أوباما، وهذا نصها: معاهدة السلام بين سوريا وإسرائيل، بما في ذلك الحدود التي تعكس استعادة سوريا الكاملة للأراضي التي فقدتها في يونيو 1967، من شأنها أن تنهي كل دعم سوري للأعمال، والسياسات، والتعاون الذي يهدد أمن إسرائيل من جانب الدول وغير الدول على حد سواء. ومن شأن معاهدة السلام أن تنهي الصراع بين إسرائيل وسوريا، وأن تشتمل على تسوية جميع المطالبات الناشئة عن الأحداث قبل إبرام الاتفاق.
استمرت الجهود الأميركية بين دمشق وتل أبيب. وفي 27 فبراير 2011، أي بعد اندلاع الاحتجاجات و”الربيع العربي”، وصل هوف إلى دمشق والتقى الأسد في اليوم التالي. عرض المبعوث الأميركي مسودة الاتفاق السوري- الإسرائيلي. سلم هوف الورقة إلى الأسد مع حواش، أهم ما جاء فيها، امتناع الطرفان عن ممارسة أي تهديد أو استخدام للقوة بشكل مباشر أو غير مباشر ضد بعضهما بعضاً، وسيعملان على تسوية كافة الخلافات والنزاعات بينهما بالطرق السلمية. لن يقوم أي طرف بنقل أسلحة أو معدات عسكرية إلى لبنان، أو السماح بأن تتم مثل تلك العمليات عبر أراضيه، باستثناء تلك المرسلة إلى قوات الأمن الرسمية للحكومة اللبنانية، وينبغي على سوريا الامتناع عن تقديم المساعدة العسكرية والمالية، بما فيها الأسلحة والمواد ذات الاستخدام المزدوج والتدريب والمعلومات الاستخباراتية، إلى “حزب الله”، سواء في سوريا أو لبنان و”حماس” وغيرها من الجماعات الفلسطينية التي تخطط وتدعم وتشارك في أعمال عنف ضد إسرائيل والإسرائيليين، وتطرد من سوريا كل الأفراد التابعين لتلك الجماعات أو أي جماعة أخرى تستخدم الأراضي السورية في تنفيذ الأنشطة المحظورة إلى دول أخرى غير لبنان، كما ينبغي على سوريا إنهاء علاقتها مع الحرس الثوري الإيراني، بما في ذلك “فيلق القدس”، ومنع عبور أفراده ومعداته عبر الأراضي السورية أو المجال الجوي السوري. كذلك، سيتعين على سوريا إنهاء أي اتفاقات تتيح وجود تهديد أو استخدام للقوة ضد إسرائيل والمواطنين الإسرائيليين إن وجدت. يتشارك الطرفان هدف تحقيق سلام عربي- إسرائيلي شامل، ويدركان أن هذا سيتطلب إبرام اتفاقات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولبنان وإسرائيل، وتطبيع العلاقات بين الدول الأعضاء كافة في جامعة الدول العربية وإسرائيل. وسوف يبذل الطرفان قصارى جهديهما لتحقيق هذا الهدف.
“السلام مع إسرائيل شأن سوري”
وينقل هوف في كتابه عن الأسد تساؤله عما إذا كان من الملائم ذكر لبنان في نص معاهدة سلام سورية- إسرائيلية، ويشير إلى أن الأسد قال له إن “الجميع سيفاجأون بالسرعة التي سيلتزم بها حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، بالقواعد، بمجرد إعلان كل من سوريا وإسرائيل التوصل إلى اتفاق سلام”. وزاد هوف: “أجبته: إنني سأكون من بين الأشخاص الأكثر تفاجأوا، وسألت الرئيس كيف ستكون لديه تلك القناعة بالنظر إلى ولاء نصر الله لإيران وللثورة الإسلامية الإيرانية. بدأ الأسد بإيضاح أن نصر الله عربي وليس فارسياً. وأشار إلى ضرورة أن تكون سوريا ولبنان ضمن مسار عملية السلام العربي- الإسرائيلي، إذ يعتمد المسار اللبناني على سوريا”. ويضيف هوف أنه “سأل الأسد ما إذا كانت رؤيته في شأن خروج نصر الله من عالم المقاومة سيتطلب من سوريا إعادة مزارع شبعا إلى لبنان بمجرد جلاء إسرائيل عن قطاع هضبة الجولان. ومع ذلك، في ظل عدم حديث الأسد الآن عن الحق في مزارع شبعا، أكد لي أن الخرائط توضح أن مزارع شبعا هي أراض سورية، وربما يكون إجراء تعديلات مستقبلية مع لبنان أمراً ممكناً، لكن الأرض محل التساؤل كانت سورية”. ويلفت هوف إلى تأكيد الأسد أن سوريا لم تكن دولة عميلة لإيران، حيث كان اتفاق سلام مع إسرائيل شأناً سورياً لا إيرانياً. وأضاف أنه “لم يخطر إيران حين بدأت جهود الوساطة التركية في اتفاق السلام”. وبحسب المحضر، أكد الأسد لهوف “سوريا أيضاً لديها رأي عام، وعلى السوريين الاقتناع بأنه قد تمت استعادة أرضهم بالكامل”. اندلعت الاحتجاجات السورية في منتصف مارس 2011 وعلقت الوساطة “بسبب الفوضى الرسمية” في سوريا. وفي 13 مارس، استقال ميتشل من منصبه كمبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط، وفي 19 من الشهر ذاته، قال أوباما، في خطاب لوزارة الخارجية، إن “الأسد يجب أن يقود انتقال سوريا إلى الديمقراطية أو يتنحى عن الحكم”. وفي 18 أغسطس (آب)، أعلن أوباما أن “الوقت قد حان لتنحي الأسد”. أما هوف، فانتقل من فريق السلام في الشرق الأوسط إلى تقديم المشورة إلى وزير الخارجية ومكتب الشرق الأدنى في شأن تفاقم الأزمة السورية.