عروبة الإخباري –
الرأي – غدير السعدي
رأى خبراء مختصون أن القضايا التي طرحها جلالة الملك عبدالله الثاني في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعلق بشكل مباشر بالأمن والاقتصاد الوطنيين وقضايا اللجوء السوري والقضية الفلسطينية، وثبات الأردن على مبادئه الراسخة تجاه القضية الفلسطينية وحماية المقدسات الإسلامية والمسيحية.
وزيرا الدولة لشؤون الإعلام والناطقان السابقان باسم الحكومة العين الدكتور محمد المومني والكاتب سميح المعايطة، قدّما قراءة وتحليلا لأبرز ما جاء في خطاب جلالته، ويؤشران إلى أن القضايا التي طرحها جلالته من إقليمية ودولية لها آثار كبيرة على الأردن وأمنه واقتصاده.
اللاجئون السوريون.. أزمة إنسانية
يقول الدكتور محمد المومني إن جلالة الملك عبدالله الثاني وجه رسالة مهمة لسوريا وللعالم أجمع، بأننا بدأنا باستخدام أدواتنا السياسية والدبلوماسية بأسلوب الخطوة مقابل خطوة، مع سوريا، ولكن إلى حين استقرار الأوضاع في سوريا وعودة الأمن والاستقرار سوف نستمر بالدفاع حدودنا.
وأن الأردن كان من أوائل الدول التي تبنت سياسة الانفتاح الدبلوماسي خطوة مقابل خطوة، لكنه لن يسمح بالمساس بالأمن الوطني الأردني وسيدافع الحدود بكل الأدوات العسكرية والأمنية المتاحة لديه.
ولفت إلى أن جلالته تحدث عن أرقام مهمة وهي أن ثلث عدد السكان في الأردن البالغين 11 مليونا هم من اللاجئين، وبالتالي نحن أكبر الدول في العالم في اللاجئين أي 1.4 مليون لاجئ سوري في الأردن وهذا أمر مهم، وأن تراجع الدعم عنهم يعني انهم سوف يقدمون أولوية العمل لأبنائهم بدل التعليم وسيرسلونهم للعمل بسبب ضيق حالهم الاقتصادي، وهذا سببه تراجع التمويل الدولي للاجئين الموجودين في الأردن.
وتحدث جلالته عن ضرورة أن يكون هنالك عودة طوعية للاجئين السوريين وضرورة أن يكون هنالك إسناد دولي لجهود الدول المستضيفة، وبغير ذلك فسيذهبون للفقر والعوز، وسيشكلون عبئاً على المجتمعات المستضيفة.
ويتفق المعايطة مع المومني، بأن القضايا التي طرحها جلالة الملك هي قضايا إقليمية ودولية لها آثار كبيرة على الأردن وأمنه واقتصاده، أولها الملف السوري الذي لم يجد طريقاً للحل رغم المبادرة العربية، لكن تعامل النظام السوري ومماطلته وسلبيته أبقت الأمور في المربع الصعب وبخاصة في ملفي اللاجئين السوريين وحرب المخدرات التي يتعرض لها الأردن من سوريا وتقوم عليها جهات تتبع لإيران وجهات من النظام السوري.
ويشير المعايطة إلى أن جلالته تحدث بوضوح عن ضرورة دعم اللاجئين وعدم ترك الأعباء على الدول المستضيفة ومنها الأردن، وأكد أن الأردن لايمكنه احتمال أي موجات جديدة، وكانت الرسالة واضحة في تأكيد جلالة الملك على حزم الأردن في مواجهة أي تهديد لأمنه واستقراره. لافتا إلى الأعباء الكبيرة على الأردن نتيجة أزمات الإقليم المالية والاقتصادية والأمنية التي لا تجد حلولاً، والأردن يبقى يتحرك لتخفيف آثارها وأيضاً محاولة إيجاد حلول لها.
فلسطين.. في وجدان الهاشميين
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فيتفق المومني والمعايطة على قدسيتها بالنسبة للهاشميين، مؤكدين على حق الفلسطينيين في دولتهم على أرضهم.
ويقول المومني إن جلالة الملك تحدث عن ضرورة استدامة دعم «الأونروا» وهي منظمة إغاثة اللاجئين الفلسطينيين، وتحدث بقوة أن المدارس التي تمولها الأمم المتحدة إذا ما أغلقت فإن التعليم سوف يتم من قبل جهات غير أممية ومتطرفة وإرهابية وهذا أمر في غاية الخطورة، وهذه من أقوى لحظات خطاب جلالة الملك.
أما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فكان كلام جلالة الملك قويا ومليئا بمنظومة القيم الدولية تجاه الشعب الفلسطيني، وتحدث عن غياب العدالة وأن من حق الإسرائيليين أن يعبروا عن هويتهم الوطنية في حين أن الشعب الفلسطيني يحرم من التعبير عن هويته الوطنية، وهذا كلام قوي ومقنع للمجتمع الدولي.
وتحدث جلالته عن انعدام حرية التنقل والحق في الحياة الآمنة للشعب الفلسطيني وأنه يوجد خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال، هذه جميعها مؤشرات وكلام قوي وعميق يفهمه العالم و يستطيع التعامل معه، متسائلاً جلالة الملك إلى أين نذهب ونحن نتجاهل هذه القضية الكبيرة والجوهرية بعد سبعة عقود ونصف العقد من التعامل الدولي غير المنصف معها وتجاهل لقرارات الشرعية الدولية، وهو يحث العالم على ضرورة أن يكون هناك عدالة للشعب الفلسطيني من خلال إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على خط الرابع من حزيران.
بالنسبة للممارسات الإسرائيلية وانعكاساتها على زعزعة الثقة بالعدالة العالمية، أشار جلالته إلى تجاهل قرارات الشرعية الدولية منذ سبعة عقود ونصف العقد، وهو ما أدخل حالة وشعورا بانعدام العدالة عند الفلسطينين وسكان الشرق الأوسط، وهذا أمر من شأنه أن يُفقد شعوب العالم الإيمان بالممارسات العالمية العادلة، وهو أمر خطير على الأمن والسلم الدوليين.
وأكد على الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس وأن الأردن ماض في دوره لتكون القدس والمقدسات في أمان وأن تكون مدينة للوئام والسلام، وهذا دور الأردن يقوم به بكل شرف وبكل ما من شأنه أن يجعلنا جميعاً في موقع لجعل هذه المدينة للسلام والوئام وليس للاقتتال.
ونبه جلالته إلى أن الشعب الفلسطيني والشباب الفلسطيني عندما يفقد الأمل سيكون عرضة للتطرف والتشدد؛ لأن فقدان الأمل وعدم توافر الإنصاف والعدالة الدولية من شأنه أن يدفعه نحو التطرف.
وتحدث جلالة الملك عن العدالة العالمية وضرورة تكاتف القيم الإنسانية العالمية حيث أن هناك 350 مليون إنسان في العالم يتعرضون لانعدام الأمن الغذائي وعدم توافر الغذاء، وهذا يركّب أعباءً كبيرة على المجتمع الدولي لكي نقوم بإسنادهم، مشدداً جلالته على أنهم ليسوا مجرد أرقام وإحصائيات وإنما بشر مثلنا وأخوة ويجب مناصرتهم ومساعدتهم.
وبين المعايطة أن القدس كانت على رأس الأولويات في حماية هويتها، وكذلك تأكيد حق الفلسطينيين في دولتهم على أرضهم ودعم الأونروا التي تقدم الخدمات لملايين اللاجئين الفلسطينيين كما أنها من عناوين القضية الفلسطينية وإدانة للاحتلال.
الجانب الحقوقي للاجئين السوريين
وحول الجانب الحقوقي لوجود اللاجئين السوريين يؤكد الخبير في حقوق الإنسان رياض الصبح، أن الأردن بلد رحب باللاجئين، ومستضيف للاجئين السوريين بشكل كبير ويقدم الخدمات ضمن إمكانياته، لكن استمرار وبقاء الأمر إلى ما لا نهاية لا يمكن، وبالقانون الدولي هنالك حلول بديلة تتشكل من ثلاثة خيارات أفضلها العودة الطوعية في حال كانت آمنة وممكنة، والخيار الثاني يكمن في الاندماج في بلد اللجوء وهذا غير ممكن بموجب مذكره التفاهم المبرمة بين الحكومة الأردنية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي لم تذكر إمكانية الاندماج، والخيار الأخير وهو التوطين في بلد ثالث، الذي أصبح محدوداً جداً قياساً بالأعداد الكبيرة في الأردن.
ويؤشر الصبح إلى أننا اليوم أمام خيار بقائهم بالأردن إلى حين العودة الطوعية، وبعد مرور أكثر من 12 سنة على الأزمة السورية وبداية تدفق اللاجئين التي شكلت عبئاً ولكن الأردن ملتزم بمعايير العودة الطوعية الآمنة، بالرغم أن الوضع في سوريا لم يتغير ويتطلب عفوا صريحا بموجب قانون لكل الناس، والسماح بعودة اللاجئين، وهذا يتطلب ما يسمى خطة واتفاقية للعودة بين الحكومتين الأردنية والسورية والمفوضية، لكن للأسف لا يوجد مؤشرات إيجابية وكافية من الجانب السوري.
وينبه الصبح إلى شح التمويل الدولي والتغير في السياسة الدولية بسبب الحرب الأوكرانية الروسية، الذي يضع الأردن واللاجئين أمام الأصعب، ويعتقد الصبح بأن المجتمع الدولي عليه التفكير بحلول ناجعة لتصويب الأوضاع في سوريا بحيث تكون هناك إمكانية عودة آمنة وطوعية، ونؤكد على طوعية وليس أي خيار آخر، والحكومة الأردنية متفهمة لهذا الأمر وتسعى إلى إيجاد حل حقيقي.
ودعا الصبح المجتمع الدولي إلى تولي مسؤولياته، والدول العربية التي بادرت إلى استراتيجية الخطوة بخطوة، ولكن يبدو عدم وجود نتائج إيجابية، منوهاً إلى أن اللجوء هي حالة مؤقتة.