عروبة الإخباري –
من يصدق أنه في عام 2002 وردت المؤسسات والهيئات المستقلة التي كان عددها في ذلك الوقت 35 مؤسسة وهيئة، ما يزيد على 126 مليون دينار، ليتحول هذا الفائض المالي الداعم للاقتصاد إلى عجز مزمن سنوي يناهز الـ500 مليون دينار تقريبًا، بعد أن ارتفع عددها إلى حوالي 65 مؤسسة مستقلة في بعض السنوات الأخيرة، وبمديونية تناهز الملياري دينار.
طبعاً، يجب على الجميع أن يفرق بين كل مؤسسة وهيئة على حدة، فبعضها مهم ومهم جدًا للاقتصاد، ولا يمكن الاستغناء عنه أبدا بسبب دوره الريادي والحاسم في الاقتصاد الوطني، مثل البنك المركزي وهيئة الاتصالات، التي كانت وما تزال تورد للخزينة أكبر التحصيلات المالية، وصلت في بعض السنوات إلى أكثر من 256 مليون دينار.
لكن عمليات “التفريخ” التي أنتجتها السياسات الاقتصادية الرسمية، والتي جاءت من رحم الوزارات والدوائر الرسمية التي كانت تؤدي نفس الغرض والهدف والأداء بكفاءة وجودة أعلى، أصبحت هذه المؤسسات عبئاً ماليًا حقيقيًا على الخزينة، وليس فقط من الناحية المالية، ولكن أيضًا من الناحية الإنتاجية.
حاولت الحكومات السابقة تدارك هذا الخطر الهيكلي على الاقتصاد من خلال مشروع دمج تلك المؤسسات، حيث بدأت العملية فعلًا منذ عام 2018، لكن، للأسف الشديد، كانت جميع عمليات الدمج فاشلة بمعنى الكلمة، إذ أصبح الدمج ليس فقط هيكليًا وإنتاجيًا، ولكنه، في الواقع، أصبح دمجًا “لليافطات” فقط.
واليوم، لدينا مؤسسات مدموجة اسميا، لكنها على أرض الواقع مثقلة بالكوادر البشرية والصلاحيات الإدارية وتضارب في الأهداف والأداء، كما حدث في دمج مؤسسات الاستثمار والمناطق التنموية والحرة، على سبيل المثال لا الحصر.
يجب أن نوضح بعض الأمور المتعلقة بهذا الشأن، وهي أنه لا يمكن القول إن المؤسسات والهيئات المستقلة هي عبء مالي واقتصادي على الاقتصاد بشكل عام، فكما قلنا سابقا، هناك بعض المؤسسات التي تلعب دورًا هامًا في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وتؤثر في عدة قطاعات ومجالات.
بشكل عام، يمكن اعتبار المؤسسات والهيئات المستقلة في الأردن جزءا لا يتجزأ من النظام الاقتصادي والاجتماعي. ويجب التوازن بين أهميتها وتحقيق أهدافها والتكلفة المالية المرتبطة بها، لذلك، لا يمكن إلغاؤها كما يطالب البعض، بل الأمر يحتاج إلى إعادة تقييمها ضمن عملية إصلاح اقتصادي حقيقي.
كذلك، الحكومة مطالبة بإعادة تقييم سياسات الدمج التي تمت سابقًا، والتي فشلت نتيجة عدم وجود تخطيط محكم ودراسات جدوى شاملة للعملية، حيث تم الإعلان عن دمج بعض المؤسسات دون مراعاة التحديات والمشكلات المحتملة التي قد تواجه المؤسسات المستقلة بعد الدمج، ناهيك عن العقبات القانونية، مثل الإجراءات البيروقراطية الكثيرة والتعقيدات القانونية التي تحتاج إلى مراجعة وتعديل.
الفشل الذي أصاب عمليات الدمج المؤسسي الذي واجه في بعض المراحل اعتراضات ومواقف بالاتجاه الآخر نتيجة لمواقف ومصالح شخصية لبعض الشخصيات المؤثرة داخل المؤسسات المستقلة، حيث قد تعارض هذه المصالح مع عملية الدمج وتعرقلها.
ولا ننسى جيدا التحديات مالية التي تواجه المؤسسات المستقلة خلال عملية الدمج، مثل صعوبة توحيد النظم المالية وإدارة التكاليف والتحكم في التكاليف، والأخطر من ذلك كله هو عدم وجود رؤية مشتركة بين المؤسسات المستقلة المندمجة.
لتجنب فشل دمج المؤسسات المستقلة في المستقبل، يجب أن يتم معالجة هذه العوامل وتخطيطها بشكل جيد وتوفير بيئة مشجعة للعملية، وينبغي أيضا أن يكون هناك التزام حقيقي من قبل الجهات المعنية وتوفير الدعم اللازم لتحقيق الدمج بنجاح.