عروبة الإخباري –
تتبددت آمال الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة المنشودة بعد ثلاثين عاما على توقيع اتفاق “أوسلو”، الفلسطيني الإسرائيلي، في ظل إغراق الاحتلال للضفة الغربية بالمستوطنات وقضم المساحة الأكبر من أراضيها مع ترك أقل من 20 % منها مقسمة.
إدارة الاحتلال لظهره وتملصه من بنود “أوسلو” دفع بمطالب فلسطينية حثيثة لإلغائه والتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع الكيان المحتل، في ظل غياب أفق تحريك المسار السياسي قريبا، حسب تقرير للزميلة الدكتورة نادية سعد الدين في يومية الغد..
ويرى مراقبون أن مسار “أوسلو”، في الذكرى السنوية الثلاثين لتوقيعه عام 1993، أوجد مأزقا ناجما عن تأجيل قضايا الوضع النهائي إلى مرحلة المفاوضات، المتعثرة حينا والمجمدة غالبا، ليس لأن الاتفاق يحمل بذور فشله أو لاختلال موازين القوى لصالح الاحتلال الإسرائيلي، فحسب، وإنما، أيضا، لإصرار الأخير على تحكيم هذا الخلل في عملية فرض تسوية لا تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية المشروعة.
ويبدو أن مصير السلطة الفلسطينية، بوصفها أحد إفرازات “أوسلو” عام 1994، بات حاليا موضع نقاش فلسطيني داخلي جدي، بعدما كان، حتى وقت قريب عصي على الحوار، ليس من جانب الفلسطينيين فحسب، وإنما من قبل الكيان الإسرائيلي نفسه، والأوساط الدولية، بسبب حجم الخسائر التي قد تفوق منسوب المكاسب عند “حلها” أو إنهيارها.
ويعود تغيير هذا الحال إلى تطرف حكومة الاحتلال اليمينية بقيادة “بنيامين نتنياهو” وغلاة المتطرفين وعنف المستوطنين غير المسبوق، بالتزامن مع مراجعة فلسطينية داخلية لمسار “أوسلو” الخالي من تحقيق أية انجازات وازنة على صعيد الحقوق الوطنية الفلسطينية، بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة وفق حدود عام 1967 وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
ويرى عضو المجلس الوطني الفلسطيني، اللواء الدكتور خالد مسمار في حديثه لـ”الغد”، أن “أوسلو”، على مدار 30 عاما من توقيعه، لم يحقق أي انجاز يذكر على صعيد الحقوق الوطنية الفلسطينية، ولكنه في نفس الوقت، أسفر عن تأسيس السلطة، ودخول الشعب الفلسطيني، بعشرات الآلاف، إلى الوطن المحتل، وحصولهم على الهوية الفلسطينية، فضلا عن رفع العلم الفلسطيني، لأول مرة، فوق أرض فلسطين، بما يعد ذلك من أهم إنجازات أوسلو.
وأضاف مسمار لـ”الغد”، إن العالم أجمع بات، عقب “أوسلو”، يعترف بالشعب الفلسطيني وبحقوقه الوطنية المشروعة، مثلما أضحى جاهزا للاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ألأمر الذي سيطرحه الرئيس محمود عباس، مجددا، أمام المؤتمر الأممي القادم لمطالبة المجتمع الدولي بذلك.
وأوضح بأن الكيان الإسرائيلي أنهى اتفاق “أوسلو” عمليا، بينما قام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خليفة سلفه المتطرف “إسحق شامير”، بإنهائه ووقف كل البنود المتفق عليها سابقا بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفي هذا السياق، بين بأن الكيان الإسرائيلي تضرر من اتفاق “أوسلو” إلى درجة أن أحد أفراده قتل رئيسه، “إسحق رابين”، الذي وقع الاتفاق لأنه “أدخل المخربين إلى عقر دارهم”، بحسب مزاعمهم اليمينية المتشددة.
وقال إن “الأمم المتحدة مدعوة لتنفيذ قراراتها الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية، لا سيما القرار 181 لعام 1947، الذي أنشأ دولتين، فيما اشترط لقيام “دولة إسرائيل” أن يكون هناك أيضا دولة فلسطينية، بما يتوجب على المنظمة الدولية تنفيذ القرار، وإنهاء الاحتلال، والاعتراف بدولة فلسطين كعضو كامل العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة”.
في نظر المراقبين؛ فإن “أوسلو” أنتج سلطة مقيدة ومكبلة بالتزامات أحادية، بما فرضه من التزامات وقيود على أدائها وساحة تحركها، بما تشمل الالتزامات الأمنية، حيث لم يسمح الاتفاق بتشكيل أي قوات مسلحة أخرى غير قوة شرطة، وقيدها أمنيا بتنسيق أمني بين الأجهزة الأمنية التابعة لها وسلطات الاحتلال الإسرائيلي، بدون اشتراط ربط ذلك بالتوصل إلى تسوية متفق عليها للصراع.
ولمنظمة التحرير، وفيما بعد مؤسسة الرئاسة الفلسطينية، الحصة الأكبر من المسؤولية، إن لم يكن جلها، إزاء القبول بتجزئة قضايا الوضع النهائي إلى ست مجالات أساسية (اللاجئين والقدس والاستيطان والحدود والأمن والمياه) وتأجيل بحثها للمرحلة النهائية من المفاوضات، ضمن فترة انتقالية كان من المفترض بلوغها عام 1999، والمضي في ذات النهج بدل مراجعة المسار السياسي غداة فشله.
وتسبب هذا الوضع في تكرار جلسات التفاوض، والانغماس في مناقشة تفاصيل جزئية صغيرة على حساب القضايا الجوهرية للصراع، وتحرير الاحتلال الإسرائيلي من أي التزامات أو مساءلة تجاه انتهاكاته في الأراضي المحتلة طالما تلك القضايا خاضعة للبحث لاحقا.
كما أدى “أوسلو” إلى تفكيك مختلف مكونات السيادة الفلسطينية، وتقسيم الأراضي إلى ثلاث مناطق جغرافية مما سهل على الاحتلال السيطرة عليها؛ وهي: “أ” و “ب” و “ج”، مما حصر السيادة الفلسطينية “الاسمية” ضمن مساحة تقل عن 40 %، وهي مساحة المدن والقرى والمخيمات، مقابل سيطرة الاحتلال على 61 % من مساحتها في المناطق “ج”، الغنية بالموارد الطبيعية والاقتصادية والإمكانيات الاستثمارية.
وبعد “أوسلو” تضاعف عدد المستوطنين لسبعة أضعاف في الضفة الغربية المحتلة وبحسب أحدث المعطيات التي نشرتها دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإن عدد المستوطنين بلغ قبل عدة أشهر، بما فيها شرقي القدس 726 ألفا و427 مستوطنا، بينما كان عددهم عشية التوقيع على اتفاق أوسلو 110066 مستوطنا، مع طموحات بوصولهم لما يزيد عن المليون وفق تصريحات المتطرف وزير المالية بتسلئيل سموتريتش.
ويتوزع المستوطنون بالضفة على 176 مستوطنة، و186 بؤرة استيطانية (نواة مستوطنة)، أقيمت 10 منها خلال عام 2022، بالإضافة إلى بؤرتين تمت شرعنتهما، وخلال العام الماضي صادقت حكومة الاحتلال على 83 مخططا لبناء وحدات استيطانية جديدة بالضفة الغربية، والقدس المحتلة.
وصادرت سلطات الاحتلال قرابة 26 ألفا و500 دونم تحت مسميات مختلفة مثل إعلان محميات طبيعية، وأوامر استملاك ووضع يد، واعتبارها “أراضي دولة”، مع مخططات كثيرة للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية تحت مسميات مختلفة، وتكفي بضعة عنزات مع مستوطن للاستيلاء على الأراضي.