النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
تزدحم الساحة اللبنانية بزيارة الموفدين الدوليين على رغم المراوحة المملة على الصعد السياسة الداخلية، إذ وصل، صباح الأربعاء، إلى مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين.
وكانت سفارة الولايات المتحدة الأميركية أعلنت في بيان أن “كبير مستشاري الرئيس بايدن آموس هوكشتاين يزور لبنان يومي 30 والـ 31 من أغسطس الجاري لمتابعة اتفاق الحدود البحرية التاريخي الذي جرى التوصل إليه في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، وسيبحث هوكشتاين أيضاً في المجالات ذات الاهتمام المشترك والإقليمي”.
وتأتي الزيارة قبيل ساعات من اجتماع مجلس الأمن الدولي للتصويت على مشروع قرار تجديد ولاية قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) لسنة أخرى.
وفي السياق نفسه أعلن السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني في تغريدة عبر منصة “إكس” عن زيارة لوزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان إلى لبنان اليوم الأربعاء أيضاً، وقال إن “على جدول أعماله محادثات ولقاءات مع مسؤولين لبنانيين حول مواضيع ذات اهتمام مشترك”، مؤكداً أن “هذه الزيارة تعكس السياسة الإيرانية ودورها البناء الداعم لاستقرار لبنان وازدهاره”، كما أشارت الصحف اللبنانية إلى أن موعد وصول موفد الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت هو الـ 17 من سبتمبر (أيلول) المقبل.
الغاز والحدود وخفض التوتر
وكان من المفترض وصول الموفد الأميركي إلى لبنان بالتزامن مع إطلاق عمل منصة التنقيب عن الغاز في البلوك رقم (9)، لكن تأجل موعد الزيارة لأسباب لم تتوضح، إذ يحفل جدول هوكشتاين بملفات دقيقة أهمها إطلاق دورة التراخيص للاستثمار في البلوكين (8) و (10) جنوباً المحاذيين لبلوك رقم (9) الذي بدأت أعمال التنقيب فيه.
وفي المعلومات الصحافية أن شركة “توتال” الفرنسية تقدمت بطلب الحصول على الاستثمار بالبلوكين، وهذا ما سيشرف عليه هوكشتاين بنفسه، وسيعرض إدارة وساطة جديدة تستهدف إنهاء ملف الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل.
ونقل موقع “واللا” الإسرائيلي عن مصدر مطلع على تفاصيل الزيارة أن المبعوث الأميركي سيحاول تخفيف التوتر الذي تصاعد بصورة كبيرة منذ إنشاء موقع لـ “حزب الله” على مزارع شبعا قبل بضعة أشهر، مضيفاً أن إدارة بايدن تريد تحقيق الاستقرار في لبنان اقتصادياً وسياسياً، وترى أن بدء التنقيب عن الغاز في المياه الاقتصادية اللبنانية سيكون عاملاً مقيداً لـ “حزب الله”.
ويتفق الجيش الإسرائيلي والـ “موساد” مع هذا التقييم، وقال وزير الدفاع يوآف غالانت خلال لقاء مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الإثنين الماضي إن احتمال التصعيد على الحدود الشمالية يتزايد في أعقاب تصرفات “حزب الله” التي تنتهك “سيادة إسرائيل”.
وكان كبير مستشاري الإدارة الأميركية قد باشر لقاءاته مع المسؤولين اللبنانيين فور وصوله، والتقى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد أن جهود مجلس النواب ستبقى منصبة على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستكمال إنجاز التشريعات المطلوبة في المجال النفطي وفي مقدمها الصندوق السيادي، كما التشريعات المطلوبة لإنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، شاكراً الجهود التي بذلها هوكشتاين وأثمرت البدء بعملية التنقيب في البلوك رقم (9).
وأكد ضرورة وقف الانتهاكات الإسرائيلية للقرار الدولي رقم (1701) وعمق العلاقة مع قوات الطوارئ الدولية الـ “يونيفيل” منذ عام 1978 وحتى الآن، وأن لبنان حريص جداً على المحافظة على الاستقرار كما حرصه على سيادته على كامل التراب اللبناني.
وعُلم أن الخلوة بين هوكشتاين والسفيرة الأميركية وبري على هامش اللقاء خصصت للبحث في نقاط مرتبطة بالترسيم البحري لا يريد هوكشتاين التحدث بها أمام الوفد المرافق، لا سيما موقف “حزب الله” من الترسيم، كما زار الموفد الأميركي السراي الحكومية والتقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي.
ترسيم الحدود البرية
وكان نائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب أعلن أن “الهدف الأول من زيارة هوكشتاين هو مواكبة بدء أعمال التنقيب في البلوك رقم (9) واستخراج الغاز، وزيارته تؤكد أهمية الاستقرار جنوباً والذي لا مصلحة لأحد في زعزعته”، مضيفاً في حديث تلفزيوني أن “الهدف الثاني من الزيارة هو العمل على ملف تثبيت النقاط السبع العالقة في الحدود البرية المرسمة بالنسبة إلينا، وسيزور أيضاً الأرضي المحتلة لتسهيل عمل اللجنة التقنية بإشراف الجيش”، مشيراً إلى أن “موقف لبنان واضح بأن النقطة (B1) محسومة منذ عام 1923، ونتمنى أن ينجح في إيجاد حل للنقاط البرية العالقة كما نجح في ترسيم الحدود البحرية”.
وأكد بوصعب ألا علاقة لزيارة هوكشتاين بالملف الرئاسي أو بزيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، بل هي لتأكيد الاستقرار الضروري لنجاح استخراج الغاز.
وعملياً عدت بعض المصادر السياسية اللبنانية أن الاستعدادات الرسمية لبدء المفاوضات الحدودية البرية بدأت منذ زيارة هوكشتاين إلى إسرائيل في يوليو (تموز) الماضي، إذ إن اسمه ارتبط بصورة مباشرة بمفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، ونجاحها إلى حد وصفه بأنه “عراب الاتفاق”، وقالت بعض التقارير إن “قيادة الجيش اللبناني باشرت تحضير ملفات الحدود البرية القديم منها والجديد، مع التدقيق فيها لتكون جاهزة عندما يأتي الوقت المناسب لانطلاق ورشة إعادة الترسيم البرية على الحدود الجنوبية مع إسرائيل”.
وترتبط هذه المعلومات مع ما كان قد أعلنه المدير العام للأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم منذ شهر أبريل (نيسان) الماضي، أي أن فكرة التفاوض على البر جاءت أولاً ثم انتقلت إلى البحر لأن هناك ترابطاً بين الترسيمين، واعتبر إبراهيم أن فكرة التفاوض بالأساس هي اقتراح إسرائيلي نقله له الجنرال مايكل بيري الذي كان قائداً لقوات الطوارئ الدولية عام 2017.
وتابع، “كان هناك عرض من الإسرائيليين وأنهم على استعداد لترسيم الحدود البرية، لأنه بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 بقي الخط الأزرق والخط التقني وخط الحدود الدولية، أي أن هناك ثلاثة خطوط موجودة على طول الحدود البرية”.
وأشار إبراهيم إلى أنه كان لدى الدولة اللبنانية تحفظ على 13 نقطة لم تقبل بها في وقتها، في وقت كان لدى الجانب الإسرائيلي توجه بأن ينهي هذا الترسيم ويرسم حدوداً دولية جديدة.
ويؤكد لبنان الرسمي أن الحدود في الأساس مرسمة منذ عشرينيات القرن الماضي وبخرائط رسمية لدى الأمم المتحدة ولبنان وإسرائيل منذ اتفاق الهدنة عام 1949، لكن هناك بعض النقاط العالقة لا بد من معالجتها وإظهارها.
شمال بلدة الغجر
وهنا لا بد من التوقف عند ما أعلنه الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله في يوليو الماضي ضمن خطوة استباقية احتياطية لأي مسار تفاوضي، حين اعتبر أنه “يجب أن يكون الموقف اللبناني حاسماً في قرية الغجر، فهذه بيوت وأرض لبنانية يجب أن تعود للبنان بلا قيد وبلا شرط، وتحريرها مسؤولية الدولة والشعب والمقاومة، وبالتعاون بين الدولة والمقاومة وإسناد الشعب نستطيع أن نستعيد أرضنا المحتلة في بلدة الغجر، وأرض الغجر لن تترك للإسرائيلي، وكذلك مزارع شبعا وتلال كفرشوبا”، مضيفاً أن “بلدة الغجر أرض لبنانية باعتراف دولي”، مما يعني أنه لا بد من تحريرها.
وكان لافتاً في هذا المجال إطلاق ورشة عمل تعبيد طريق كفرشوبا – بركة بعثائيل – السماقة في تلال كفرشوبا بحضور وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية المنتمي لـ “حزب الله” لإثبات لبنانيتها، وعلى وقع استنفار قوات “يونيفيل” والجيش اللبناني والإسرائيلي، شدد على أن “العمران على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة سيتواصل ولن نأخذ إذناً من أحد”.
ويأتي ذلك وسط مساع لبنانية في الأمم المتحدة هدفها تغيير اسم شمال بلدة الغجر إلى “خراج بلدة الماري” تأكيداً للبنانيتها.
ويقول مصدر سياسي لبناني متابع أن “أولى النقاط التي يطلبها ’حزب الله‘ في هذا المجال هو شمال بلدة الغجر، ولو أعطي تلال كفرشوبا ومزارع شبعا فإن مطلبه الأساس هو شمال الغجر”.
ويتابع المصدر “أنه ليس من مصلحة الحزب حسم كل النقاط العالقة، إذ إنه يشتري وقتاً لحساب إيران التي تجري بينها وبين الولايات المتحدة مفاوضات حول الملف النووي”، ويؤكد المصدر ذاته أن هناك قنوات تواصل بين الحزب والجانب الأميركي حول ملف الترسيم تجري في العاصمة العمانية مسقط، وتتقاطع هذه المعلومات مع ما قاله وزير “حزب الله” السابق محمد فنيش على قناة “المنار” في يوليو الماضي حين أكد أن السبب الرئيس للعداوة بين الحزب والولايات المتحدة يرتبط بالدعم الذي تقدمه “للعدو الإسرائيلي، وأنه خارج هذه النقطة لا توجد عداوة معها”.
الغجر قرية سورية احتلتها إسرائيل
ويقول العميد الركن في الجيش اللبناني خالد حمادة لـ “اندبندنت عربية” في حديث سابق “إن الضبابية التي أحاطت بموقف الدولة اللبنانية مما سمي الجزء اللبناني من قرية الغجر كثيراً ما طرحت تساؤلات عدة منذ الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، والذي تلاه ترسيم للحدود تكرر بعد عام 2006 مع وضع القرار الدولي (1701) موضع التنفيذ، وبقيت التساؤلات جميعها من دون إجابات”.
ويوضح حمادة أن “قرية الغجر سورية احتلتها إسرائيل عام 1967، وما يسمى بالجزء اللبناني منها ليس مرده إلى شراكة عقارية لبنانية – سورية أوجدتها معاهدة ’بوليه نيوكومب‘ بين فرنسا وبريطانيا عام 1923 أو اتفاق الهدنة عام 1949، بل سببه التمدد العمراني لسكان هذه القرية من التابعية السورية إلى الداخل اللبناني في ظل الاحتلال الإسرائيلي، حتى أصبح أكثر من نصف منازلها ضمن أراض تتبع عقارياً قرية الماري اللبنانية”.
ويضيف، “ما من تحفظ لبناني أو إسرائيلي على ذلك الجزء من الحدود، وليس الوضع القائم هناك سوى احتلال سافر لأراض لبنانية من دون وجه حق، كما أن سكان قرية الغجر السورية المحتلة، بخلاف كل الغجر المنتشرين في العالم لا يعانون الاضطهاد، وهم اختاروا جهاراً البقاء تحت الاحتلال عام 2000، وهم ليسوا مضطرين إلى الانتقال والترحال عن الأراضي اللبنانية التي لن تجرؤ سلطة مترددة على المطالبة بها، بل جل ما قامت به هو تحويل لبنان إلى جمهورية الغجر”.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن جميع سكان القرية في الشقين اللبناني والإسرائيلي يحملون الجنسية الإسرائيلية، والقرية محاطة بسياج عسكري من جميع جهاتها، وعند عملية إظهار الحدود بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 تبين أن أهالي الغجر كانوا بدأوا بالعمران على الأرض اللبنانية التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1978 حتى عام 2000، ورفضوا رفضاً قاطعاً أن يكونوا تحت السيادة اللبنانية أو أن يخلوا منازلهم المبنية من غير وجه حق، وقد أدى هذا الواقع إلى بقاء خراج بلدة الماري المحتل والمسكون من أهالي الغجر تحت السيطرة الإسرائيلية، ومنذ ذلك التاريخ ازداد سكان بلدة الغجر السورية وتوسع نطاق سكنهم فبدأوا ببناء مساكن في البقعة اللبنانية المحتلة المجاورة لبلدتهم.
ويعتبر العميد خالد حمادة أن “المقاربة اللبنانية لمسألة الغجر أدت إلى تقديم أكثر من ذريعة للعدو الإسرائيلي لجعلها حالاً مماثلة لمزارع شبعا، فقرية الغجر ومزارع شبعا منطقتان سوريتان احتلتهما إسرائيل عام 1967، ثم تمددت قرية الغجر السورية المحتلة إلى الداخل اللبناني وتمدد معها الاحتلال الإسرائيلي إلى جزء من لبنان، وبالمثل أدخلت مزارع شبعا عنوة إلى الخرائط اللبنانية الجديدة بعد عام 2000 بقرار من دمشق لتحميل لبنان وزر احتلال إسرائيلي وتمديد صلاحية السلاح، باعتبار أنه لا تزال هناك أراض محتلة، وما يجمع الاحتلالين هو إخضاع التعامل معهما لأجندة إيرانية”.