عروبة الإخباري –
بترا – بشرى نيروخ –
أكثر من مئة عام كاملة ظل الأردن خلالها على العهد يحمي الأمانة المتمثلة بالآثار التي يضمها أحد أهم المتاحف الإسلامية في مدينة القدس المتموضع في القلب من المسجد الأقصى المبارك.
إنه المتحف الإسلامي الذي يحكي قصة الوعي الجمعي لتاريخ القدس بما يحويه من وثائق تاريخية يبلغ عددها ألف وثيقة توثق لتاريخ كل من مرَّ واستقر على أرض مدينة الأنبياء تحميها بعزيمة لا تفتر القيادة الهاشمية الوصية على المقدسات في القدس ليظل هذا المتحف صرحا ثقافيا تاريخيا وحارسا أمينا على الإرث الحضاري العريق المنغرس في الوعي الجمعي والوجدان والفكر العربي، وعصيًا على كل محاولات طمس الحقيقة.
تأسس المتحف الإسلامي عام 1923 بإيعاز من المجلس الإسلامي الأعلى في مقر الرباط المنصوري بالقرب من باب الناظر وهو أحد أبواب المسجد الأقصى، ثم نُق لَ مقره عام 1929 إلى مكانه الحالي، بحسب ما يقول مديره عرفات عمرو الذي اكد أنَّ القدس أقدم مدينة في العالم، وحافظت على مدار آلاف السنين على الكثير من تراثها وتاريخها الأصيل وحضارتها العريقة رغم انف محاولات المارقين على ترابها وآخرهم المحتل الإسرائيلي.
وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، التقت عمرو الذي يعد أطروحة دكتوراة بعنوان: «الرواية التوراتيّة في ظل الحفريات أسفل ومحيط المسجد الأقصى المبارك والرواية الفكريّة البديلة».
يقول، إنه يسعى الى تأسيس وتكريس الرواية العربية والفكريّة الواعية وترسيخها إقليميّا ودوليّاً، وهي الرواية المبنيّة على الحقائق العلمية والتاريخية والأثرية سواء في القدس أو المسجد الأقصى المبارك، أو في فلسطين عامة.
وأضاف، أنّ المتحف صرح حضاري وثقافي أثري وتاريخي وديني عريق، ويعتبر جزءاً من مساحة المسجد الأقصى، ويتفرّد بأصالة موقعه ومقرّه ومقتنياته وكنوزه الأثريّة والتاريخيّة النفيسة.
ويتكون المتحف من قاعتين رئيسيتين، الأولى تسمى مسجد المغاربة نسبة إلى أهل المغرب العربي وشمال أفريقيا الذين مكثوا في مدينة القدس وهم من حجاج بيت الله الحرام، وذلك أثناء المرور بها أو أولئك الذين ساروا في ركاب جيش القائد صلاح الدين الأيوبي لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى من يد الاحتلال الصليبي وقبضته، فأوقف عليهم حارة المغاربة التي تم تدميرها تدميرا كاملا عام 1967 وتهجير أهلها، وما زال بعضهم ثابتا في مكانه إلى اليوم.
أما القاعة الثانية فكانت تستخدم مصلى للنساء، ويعود بناؤها للفترة الفاطميّة، أما الزاوية الفخريّة وتعود للفترة المملوكية، وكان أهل المغرب من أتباع الطريقة الصوفيّة يستخدمونها لحفظ القرآن الكريم وتفسيره، بحسب عمرو الذي أشار الى المئذنة الفخرية الرابعة التي تعلو البناء وهي ما ميز المتحف الإسلامي بهذا المكان المقدس.
وأكد أن مقتنيات المتحف تشكّل كنوزا معرفية وثقافية تاريخية تعود إلى أكثر من عشر فترات من تاريخ القدس، ومن أبرز هذه المقتنيات، مخطوطات، ومصاحف سلطانيّة مخطوطة باليد من أبرزها المصحف الكوفي غير المنقط والذي خطه الحسن بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مشيرا إلى أن هذا المصحف مخطوط على صفائح ورقائق صنعت من جلد الغزال، ويعد من أقدم عشرة مصاحف موجودة في العالم، ومن ضمن المقتنيات وثيقة يبلغ طولها ثلاثة أمتار، بحسب عمرو، تتحدث عن حياة أهل القدس في فترات زمنية متعاقبة، وكيفية معيشتهم في المدينة بما فيها المعاملات والعقود والتجارة والأملاك، وهذا يدلّ على أن مدينة القدس كانت تعجّ بالحياة والتسامح الديني والثقافي.
ويحتوي المتحف على زخارف ورقوم حجرية، وعدد من النقوش الحجريّة التي تعود إلى أكثر من ألف سنة»، مشيرا الى أن رسالة ماجستير أعدها أحد الطلبة الأردنيين عن النقوش الحجرية البارزة في المتحف الإسلامي تحمل في طياتها أهمية كبرى في توثيق وجمع هذه النقوش، وسهلت على طاقم المتحف مهمة التعرف على أبرزها لإحصائها وتوثيقها.
ولفت عمرو إلى أنّ طاقم المتحف الإسلامي أحصى جميع مقتنيات المتحف الإسلامي سواء المعروض منها أو المخزن، وتم تصويرها وأخذ قياساتها وأبعادها بمواصفات عالميّة قبل إدراجها وتخزينها في حواسيب المتحف ومديريّة السياحة والآثار في إدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك، بمشاركة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، مشيرا إلى تنفيذ مشروع لإعادة تأهيل المتحف وبما يتفق مع حفظ المخطوطات والمقتنيات.
وأضاف، أنَّ المتحف يحتوي مقتنيات معدنية منها المجموعات الفولاذية والنحاسية مثل: أبواب قبة الصخرة الرئيسية، وقدور تكية خاصكي سلطان، وقد أوقفتها قبل 500 عام زوجة السلطان يعقوب باشا، وكذلك يوجد (قاشاني) قبة الصخرة المشرفة الأصلية والمكتوب عليها سورة يس، والتي كانت موجودة على المثمن الخارجي لقبة الصخرة المشرفة، وتحف من كسوة الكعبة التي كانت تهدى إلى المسجد الأقصى المبارك كل سنة كرابط بين المكانين المقدسين عند المسلمين، بحسب عمرو، إضافة الى مقتنيات خشبية، كالجسور الخشبية التي يعود تاريخها إلى الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي بنى المسجد القبلي، والتي تهاوت أثناء الحريق الآثم الذي تعرّض له المسجد الأقصى في 21 آب 1969 على يد المتطرف دينيس مايكل روهان، بالإضافة إلى بقايا منبر صلاح الدين الذي تم استهدافه أثناء إحراق المسجد.
وقال، نحن في المسجد الأقصى- ولله الحمد- تحت الرعاية والوصاية الهاشمية، نتلقى الدعم المادي والمعنوي من الأردن بقيادة صاحب الولاية والوصاية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وذلك من خلال وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية وإدارة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك.
وتحدّث عمرو عن رسالة المتحف التي تتمثل بتعريف العالم بتاريخ المسجد الأقصى المبارك، وتاريخ القدس العتيقة، وتراث المسلمين وحضارتهم التي هي حضارة العرب وثقافتهم جميعا وبما يفوح به المتحف من عبق التاريخ، وهو ما يحاول إيصالها لزوار المتحف الإسلامي الذين يتشكلون من زوار المسجد الأقصى المبارك، والباحثين والعلماء الذين يتواصلون معنا من أنحاء العالم جميعها.
ولفت إلى أنَّ عدد زوار المتحف الإسلامي يوميا في الوضع الطبيعي وبدون مضايقات الاحتلال التي تتمثل بالحواجز حول المدينة أو الحواجز داخل مدينة القدس والقدس العتيقة يبلغ نحو 500 ألف شخص يوميا، مشيرا إلى أن هذا العدد يضم طلاب العلم والباحثين وعامة الناس والوفود التي تأتي إلى الأوقاف الإسلامية.
وفي إشارة الى أهمية المتحف العلمية قال عمرو، إنه تم إنجاز ثلاث رسائل دكتوراة وأكثر من عشرين رسالة ماجستير من داخل وخارج فلسطين عن المتحف ومحتوياته، بالإضافة إلى العلوم الإسلامية والفن الإسلامي الرائع الذي يمتاز به المتحف الإسلامي على مدار عشر فترات إسلامية وعربية، عدا عن البحوث المحلية والخارجية.
وأكد أن المتحف مفتوح أمام العرب والمسلمين، وكذلك الوفود الأجنبية التي تأتي بعد التنسيق مع إدارة الأوقاف الإسلامية وبإشرافها، حيث يتم تقديم شرح لهم من موظفي قسم الترجمة باللغة الإيطالية والإنجليزية والألمانية، لافتا الى أن طاقما من ذوي الكفاءة باللغات الأجنبية يسعون لإيصال رسالة المتحف الإسلامي.
وعن التحديات التي يواجهها المتحف في ظل الاحتلال الإسرائيلي، أشار عمرو إلى منع الاحتلال للعاملين بالمتحف من أداء عملهم بحرية فمثلا لا يمكننا تغيير أي صناديق أو تعديل وتغيير الإضاءة أو وضع شروحات، وتعرض بعض الموظفين أو العاملين في إعمار المتحف للاعتقال.
وأشار عمرو الى تعرضه كثيرا للتهديد من قبل قوات الاحتلال و»نعيش تحت ظلم الاحتلال الشديد بما يمثله من انتهاكات يومية للمتحف»، مبينا أنَّ هناك مجازر يرتكبها الاحتلال بحق التاريخ في حي المغاربة ويزيل بالجرافات الآثار العربية والإسلامية التي تعتبر شواهد حضارية وعربية وإسلامية، ويتم وضعها بحاويات ضخمة ونقلها إلى جهات غير معلومة لتزويرها وإعادتها إلى أماكنها.