عروبة الإخباري –
بعيدا عن أي أطروحات تضع الأردن على خريطة التكتلات الاقتصادية الدولية، وآخرها “بريكس”، فإن ما يعتمل في العالم من أزمات اقتصادية وسياسية ومناخية، يقودنا إلى التساؤل حول مدى قدرتنا على الاستفادة مما نجم في قمة “بريكس 2023” التي عقدت في عاصمة جنوب أفريقيا جوهانسبرغ، حسب ما نشرته يومية “الغد”
وتنصهر فكرة “بريكس” كتجمع لمجموعة دول خارج مجموعة الدول الصناعية السبع (فرنسا، أميركا، بريطانيا، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا) في كتلة اقتصادية مختلفة في بنيتها ومفاهيمها، عن مجموعة السبع التي تعد المهيمن الأكبر حاليا على التجارة العالمية والنظام المالي الدولي.
وفي هذا النطاق، فإنها تحمل في جيناتها، انقلابا على النظام العالمي الحالي، والذي تتسيّده الولايات المتحدة الأميركية، وتتبعها فيه دول الاتحاد الأوروبي، في مسعى منها لرسم خريطة جديدة للقوة الاقتصادية والسياسية العالمية، بدأ بخطواتها الأولى في العام 2006، في إطار تحالف صيني روسي، لتخفيف الضغوط الأميركية والغربية عليهما، وتوسيع نفوذهما العالمي.
عقدت “بريكس” اجتماعها الأول في اليابان العام 2008، بـ4 دول، هي: البرازيل وروسيا والهند والصين، قبل انضمام جنوب أفريقيا إليها في العام 2010، ثم توسعت عضويتها لتضم: البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، ومؤخرا ضمت: الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات.
وفي ظل غياب دولة كالأردن، عن الدخول في هذه المنطقة التي تحمل في طياتها تجاذبات سياسية واقتصادية، بدأت تطفو بقوة على السطح مؤخرا، فإن المشهد الاقتصادي الأردني على صغر حجمه، يمكنه أن يكون فاعلا في تحديد مصالحه داخل هذه المنطقة، والعمل ببراغماتية تؤهله لأن يكون لوجوده قوة، تخدم اقتصاده واستقلاليته، دون أن يعرّض كينونته للتجاذبات السياسية.
خبراء اقتصاديون تحدثوا لـ”الغد”، أكدوا أن المحافظة على المصالح وإدارة المخاطر السياسية، دفعت بدول عديدة لطلب الانضمام لـ”بريكس”، والبحث عن تنويع فرصها الاقتصادية ومصادر الدخل، لكنهم في الوقت ذاته، بينوا أن الوقت ما يزال طويلا أمامها، لتتمكن من شق طريقها السياسي والاقتصادي الخاص بها، وتغيير معادلة النظام العالمي الحالي لآخر جديد، مستبعدين أيضا تمكنها من اعتماد عملة موحّدة في الوقت القريب.
ولفتوا إلى أن الأردن باقتصاده الصغير، ومصالحه، لن يحقق له ما يصبو إليه، ولن ينعكس ذلك اقتصاديا عليه، لكنهم في الوقت نفسه، يؤكدون ضرورة توجهه نحو شراكات سياسية واقتصادية جديدة، تسهم بتنشيط اقتصاده، وتطوير مساراته وتنويعه.
أستاذ العلوم السياسية د. محمد مصالحة، قال إن نشوء “بريكس”، وانضمام دول عربية لها، دليل على نجاحها، وإقبال دول على أن يكون لديها خيار آخر في النظام الدولي الحالي، مضيفا “أن هذا التكتل يعني خلق اتجاه جديد في العلاقات الدولية، وبنية النظام الدولي، وبالتالي أمامها خيار أن يكون لديها اتصالات مع طرفين، تختلف ربما توجهاتهم الاقتصادية والسياسية والنقدية والمالية”.
ولفت إلى أن الأردن دولة منفتحة على الجميع، وغير منحازة بشكل مطلق لهذا التكتل أو ذاك، مشيرا إلى أنه في السابق أيام الحرب الباردة، كانت هناك كتلتان: شرقية وغربية، واستطاع الأردن، إقامة علاقات طبيعية معهما، وكان لدينا علاقات مع روسيا والصين أو مع الاتحاد السوفييتي سابقا، وفي الوقت نفسه، ارتبطنا بعلاقات مع أميركا ودول غربية.
وأشار إلى أن انضمام دول جديدة لـ”بريكس” لا يعتبر تحديا لسياسات الدول، خصوصا الصغيرة منها، موضحا أن دول العالم الثالث أمامها خيار مهم جدا، وهو وجود تكتل اقتصادي يركز على التنمية تحديدا، بخاصة وأن “بريكس” لديهم بنك للتنمية بإمكانيات ضخمة، ومشاريع كبيرة لمساعدة الدول بشكل حقيقي.
وبحسب مصالحة، فإن الأردن حصيف في سياسته الخارجية، ويستطيع فعلا المواءمة في صياغة خريطة علاقاته، وبناء علاقات طبيعية مع التكتل الغربي أو “بريكس”.
ويقول الباحث والمحلل الإستراتيجي عامر السبايلة، إن العالم اليوم يعيد صياغة علاقاته على أسس مصالحية، أي البحث عن فكرة المصلحة المشتركة.
وأضاف، أن دول العالم لم تعد تنقاد لتحالفات أيديولوجية، بل تعمل كل منها ببراغماتية باتجاه مصالحها، وتعظيم مكاسبها، وهذا ما يمكن للأردن أن يركز عليه، بعيدا عن المحاذير السياسية، والمواجهات التي تتوضح بين أميركا والصين، وأميركا وروسيا، وعليه استغلال انعكاساتها، بعيدا عن السياسة، وقريبا من البحث عن المنافع الاقتصادية.
أستاذ إدارة الأعمال د. عماد المعلا، لفت إلى أن الأرقام الأخيرة كشفت عن تفوق “بريكس” لأول مرة على دول مجموعة السبع الأكثر تقدما في العالم، بعد أن وصلت مساهمتها إلى 31.5 % في الاقتصاد العالمي، مقابل 30.7 % لمجموعة السبع.
وأعرب المعلا، عن أمله بأن تكون “بريكس” قادرة على وضع الخطوط العريضة لمسار طويل، وصولا لتوحيد العملة بين دولها، بما يؤدي لوجود عملة منافسة للدولار، ما يخلق تعدداً في العملات العالمية القوية، بحيث تكبح جماح الدولار الذي تحول إلى ابتزاز عالمي، وبالتالي تخفيف الأعباء على دول صغيرة كالأردن، مبينا أن الاحتياطي من العملات الأجنبية في الأردن يرتفع وينخفض أحياناً لأسباب مختلفة.
وأضاف إن العالم اليوم أشد استقطابا مما كان عليه قبيل الصراع الروسي الأوكراني، والعقوبات ضد روسيا والقيود التجارية على الصين؛ ما يدفع لتشكيل نظامين اقتصاديين متوازيين ومتداخلين: الأول تسيطر عليه الدول السبع والثاني تسيطر عليه مجموعة “بريكس”، ما يوفر خيارات جديدة للدول النامية والصاعدة والراغبة بالتحرر من القيود الموجودة في النظام الذي تفردت أميركا بقيادته عقب انتهاء الحرب الباردة، فبات مثقلاً بالعقوبات والقيود التي أفرطت أميركا في استخدامها.
وزير الدولة للشؤون الاقتصادية السابق والخبير الاقتصادي يوسف منصور أشار إلى أن انخراط دول في المنطقة مع “بريكس”، سيزيد من قيمة هذه الكتلة وإمكاناتها، مبينا بأن معرفة توجهها، مرتبط بمدى توافق سياسات الدول في داخل تكتلها، ومعرفة الدولة التي ستكون ذات هيمنة وقدرة في السيطرة على الجميع داخلها.
وأضاف منصور، أن توجه كثير من الدول نحو “بريكس”، يؤكد أنها تتحرك في هذا الاتجاه للمحافظة على مصالحها، فبالرغم من أن الصين في حالة حرب اقتصادية مع أميركا، وروسيا تتعرض لعقوبات أميركية، لكن دولا فيها، تسعى لتوسيع تبادلها التجاري، وترويج سلعها مع أميركا، بخاصة الهند والبرازيل.
وأوضح بأنه ما يزال من المبكر على هذه الدول، النجاح بإعادة تشكيل نظام عالمي مغاير للحالي، واعتماد عملة موحدة خاصة بها، مؤكدا أن التكتلات الجديدة في “بريكس”، لا انعكاس لها على الأردن، ولن يكون هناك أي أثر اقتصادي على استقراره النقدي والاستثمارات في المديين القريب والمتوسط، وأنه في حال اعتمدت “بريكس” عملة موحدة، فقد يؤثر ذلك على تعاملاتها التجارية فقط.
وشدد منصور على أن الدينار الأردني واستقرارنا النقدي مأمون ومضمون، لن يتأثر عند اعتماد عملة لـ”بريكس”، نتيجة لتنويع البنك المركزي لاحتياطاته من العملات.
الخبير الاقتصادي مازن ارشيد رأى، أن العصر الذي نعيشه يمكن وصفه بعصر التحالفات، إذ لا يمكن لأي دولة أن تنجح اقتصاديا وتمضي على طريق النمو والازدهار من دون الانضواء في حلف اقتصادي لديه مشاريع ورؤى اقتصادية واضحة.
وأوضح ارشيد، أن انضمام دول من المنطقة: السعودية والإمارات ومصر لـ”بريكس” دافعه الأساسي، إدارة المخاطر السياسية أولا، وتنويع تحالفاتها تاليا، بالإضافة للبحث عن الفرص والتنويع الاقتصادي، كما نلحظ في السعودية التي تتجه لتنويع مصادر دخلها وتخفيف اعتمادها على النفط.
وبين أنه برغم انضمام السعودية والإمارات لـ”بريكس”، إلا أنه ما تزال تجمعهما علاقات اقتصادية قوية مع أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، عدا عن وجود استثمارات سعودية وإماراتية كبيرة في أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا، وغيرها من الدول الغربية.
وأشار إرشيد، إلى أن انضمام مصر لـ”بريكس”، يهدف لحماية عملتها التي تعرضت لضرر كبير في السنوات الماضية، آملة بأن تعتمد “بريكس” عملة موحدة بشكل سريع، وتوسيع وصولها للأسواق.
وأكد أرشيد أن ما يشهده العالم والمنطقة العربية من تحولات، وفي ظل تحديات يواجهها الاقتصاد الوطني، بات ضروريا أن يكون هناك تحرك أردني لتأطير علاقته الاقتصادية مع دول المنطقة وتطويرها، والبحث عن شراكات اقتصادية فاعلة، بخاصة مع العراق وسورية، وتوسيع الشراكة الاقتصادية مع تركيا، ودخول شراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي، والبناء على ما جرى التوصيل إليه من تحالفات مؤخرا مع: مصر والعراق من جهة، ومصر والعراق والإمارات والبحرين من جهة أخرى.
وقال المختص الاقتصادي، زيان زوانة إن العالم يمرّ بمرحلة إعادة بناء دولية ومفاهيمية عميقة، ستستغرق وقتا وجهدا كبيرين لتصل إلى حالة استقرار، موضحا أن هذه الحالة شهدها العالم سابقا، في حركة عدم الانحياز والكتلة الشرقية، لكن المرحلة الحالية، قد تكون مختلفة نوعا ما عمّا سبق من حيث قوة الأطراف المتصارعة وتأثيرها على العالم، عدا عن أنها تشكلت بعد أن تذوق العالم طعم العولمة “اللذيذ”، وما نتج عن تداخل الدول والاقتصادات، ومحاولة أميركا حرمان العالم من منافعها.
إلى جانب ذلك، بين زوانة، أن هذه التكتلات تأتي بعد وضوح نتائج أزمات اقتصادية ونقدية كبرى كالأزمة المالية العالمية في العام 2008، وأزمة انهيار أسواق النفط في العام 2014، وأزمة المد التضخمي التي يعيشها العالم منذ العام 2022، إذ ترى دول في “بريكس”، بأن هذه الأزمات نجمت نتيجة للهيمنة الأميركية على العالم.
ولفت إلى أن “بريكس” تحاول حماية مصالحها، وعندما اقتنعت بأنه لا يمكن تحقيق ذلك إلا عبر تكتلات مشتركة، اتجهت للتحالف، فروسيا تعتقد بأن قدرتها العسكرية مهددة غربيا، وكذلك الصين والهند مهددتان في تقدمهما الصناعي والكنولوجي من الغرب، وأيضا إيران، أما بالنسبة للسعودية والإمارات، فالاستقطاب السياسي في العالم وتحصين ثرواتها، كان الدافع وراء توجهها إلى “بريكس”.
وأكد زوانة، أن الطريق أمام “بريكس” يحتاج لسنوات طويلة جدا لتحقيق هدفها الأكبر المتمثل بإعادة تشكيل العالم، أو حتى أن تشق لنفسها طريقا خاصا سياسيا واقتصاديا، لتتمكن من تغيير موازين القوى الاقتصادية.
وبين أن الأردن بلد ذو اقتصاد صغير ومصالحه مرتبطة بشكل وثيق مع الدول الغربية، ولا يمكنه في المرحلة الحالية تغيير تحالفاته بشكل واضح ، إذ لا بد من أن يكون لدينا مزيد من المرونة.
يشار إلى إنه بعد انضمام الدول الست الجديدة للمجموعة، سيبلغ حجم اقتصادها نحو 29 تريليون دولار، ما يمثل قرابة 29 % من حجم الاقتصاد العالمي، بعد أن كان حجمه قبل انضمامها نحو 26 تريليون دولار، أي بما يشكل 25.6 % من حجم الاقتصاد العالمي، ومع ارتفاع عدد دول “بريكس” إلى 11 دولة، سيزداد عدد سكانها ليصبح نحو 3.670 مليار نسمة، أي نحو نصف سكان العالم.