كتب *د.رعد محمود التل*
تسعى البنوك المركزية إلى تحقيق الاستقرار النقدي المتمثل بالحفاظ على استقرار معدلات التضخم واستقرار اسعار الصرف والقوة الشرائية، بالاضافة الى تعزيز النمو الاقتصادي من خلال سياساتها النقدية وتنظيم السيولة المالية والمراقبة المصرفية. كما تتولى إصدار النقد القانوني وإدارة السياسة النقدية لتحقيق الاستقرار المالي. ويتم تنفيذ ذلك عن طريق أدوات مختلفة مثل تحديد أسعار الفائدة وتنظيم الاحتياطيات البنكية وتقديم القروض للبنوك التجارية.
فعلى سبيل المثال، يمكن للبنك المركزي رفع أو خفض أسعار الفائدة للتأثير في النشاط الاقتصادي سعيا لكبح التضخم أو لتعزيز النمو الاقتصادي. كما تعزز البنوك المركزية أيضًا الاستقرار المالي من خلال مراقبة النظام المصرفي وتنظيمه. حيث تقوم البنوك المركزية بالاشراف على البنوك التجارية وتطبيق القوانين واللوائح المالية لحماية المودعين والمساهمين.
لكن قد يسأل سائل عن دور البنوك المركزية في مكافحة البطالة وتوفير فرص العمل والتشغيل كأحد الأهداف المباشرة، طبعاً هذا الهدف لايدخل في نطاق عمل السياسة النقدية والتي كما أشرنا تستهدف أساساً تحقيق الإستقرار النقدي للاقتصاد وقد يكون الاحتياطي الفدرالي هو البنك المركزي الوحيد في العالم الذي تبنى هذا الهدف قبل ما يقارب الخمسين عاما في حقبة كانت حافلة بالمتغيرات تجاوزت بها أسعار الفائدة 14%، ولأسباب محددة دفعت الكونجرس للمطالبة بذلك وفرضت السياسة على الفدرالي إدارج موضوع البطالة ضمن أهدافه، لكن هذا الهدف ظل بعيداً عن التطبيق الفعلي لمجالات عمل السياسة النقدية في الولايات المتحده.
طبعاً هدف مكافحة البطالة هو هدف غير معلن وغير منصوص عليه صراحةً بالقوانين، لكنه بالتأكيد هدف غير مباشر للسياسات النقدية والتي يتمحور نطاق عملها بتحقيق الاستقرار النقدي الهادف لتحقيق معدلات أعلى من النمو الاقتصادي وما لذلك من آثار إيجابية على سوق العمل والتشغيل والابعاد التنموية الاقتصادية المختلفة.
محليا، تتولى الحكومة المركزية مسؤولية هذا الملف وبالتحديد وزارة العمل والتي تنص المادة (10) منها “تتولى الوزارة، بالتنسيق والتعاون مع الجهات المختصة، مهام تنظيم سوق العمل والتوجيه المهني وتوفير فرص العمل والتشغيل للاردنيين داخل المملكة وخارجها”.
طبعاً في ظل وجود سياسة مالية فاعلة لن يُسأل البنك المركزي عن هذا الدور أبداً. صحيح قد يساهم في تخفيف البطالة بشكل غير مباشر، لكن تلك السياسات غير المباشرة يجب أن يرافقها سياسة مالية فعالة تأخذ على عاتقها تحفيز الاقتصاد وتحقيق معدلات تشغيل متزايدة. هناك أيضًا عوامل أخرى مثل السياسات الحكومية والتنمية الاقتصادية والتغيرات الهيكلية في سوق العمل التي تؤثر على معدلات البطالة. وبالتالي، يجب أن يكون هناك تنسيق وتعاون بين البنوك المركزية والحكومات والجهات المعنية الأخرى لتحقيق تأثير إيجابي على سوق العمل وتقليل البطالة حسب الأدوات والسياسيات التي تمتلكها كل جهة.
في الاردن، يهدف البنك المركزي إلى الحفاظ على الاستقرار النقدي والمساهمة في تحقيق الاستقرار المصرفي والمالي في المملكة والمساهمة في تشجيع النمو الاقتصادي. ولتحقيق تلك الأهداف يتولى البنك المركزي رسم السياسة النقدية وتنفيذها من خلال استخدام منظومة متكاملة من أدوات السياسة النقدية، وسياسة سعر صرف الدينار المناسبة للاقتصاد الأردني، والاحتفاظ باحتياطي المملكة من الذهب والعملات الأجنبية وإدارته.
كما يقوم البنك المركزي بتنظيم الائتمان في الاقتصاد الأردني لتحقيق الاستقرار النقدي والمالي ومتطلبات النمو الاقتصادي الشامل، فضلاً عن الرقابة على البنوك والإشراف عليها، وقد حقق نجاحات على صعيد السياسة النقدية لا يمكن تجاهلها أو إنكارها، ولا داعي لإقحامه بقضايا لا تقع ولا تصب في نطاقات عمله مثل مكافحة البطالة، والأولى ان تقوم بذلك الجهات المسؤولة بالقانون ولو كانت السياسات الاقتصادية الأخرى تعمل بكفاءة وفعالية لفقد السؤال مشروعيته إبتداءً. البنك المركزي درع الدفاع الأول عن الاقتصاد فلا تجعلوه رأس الحربة.