عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب
يستحق السيد محمود ملحس لقب “المحسن” بامتياز نظير ما قدم ويقدم، فلقد تسرب اليّ خبر ظل صاحبه يتردد في نشره لأنه لا يميل الى ان يذكر ماذا تقدم يده اليمنى ويحب دائما ان يظل عمله خالصا لوجه الله والخير..
ويبدو ان وزير التنمية قد شجعه على اعلان مبادرته الخيرة والتي اراد السيد محمود ملحس ربطها بالمناسبة الجميلة الوطنية وهي زواج سمو ولي العهد الامير الحسين حيث يعلن الاردنيون عن فرحهم..
السيد محمود ملحس قرر بهذه المناسبة الجليلة وتعظيما لها ادخال الفرح والسرور الى نفس مجموعة كبيرة من الايتام بلغت (44) يتيما استقى معظم اسمائهم من وزارة التنمية ليقدم لهم حفل زواج مشترك يتعهد بكلفة هذا العرس الكبير ويوفر له الرعاية والنفقة..
كان السيد ملحس قد عمل شيئا كهذا في زواج ابنته واراد ذلك ان يكون نموذجا في المسؤولية الاجتماعية لدى القادرين لتأكيد تعاون وتعاضد المجتمع الاردني..
مبادرة ملحس اصابت مكانها واحسن صاحبها الاختيار في مثل هذه الظروف، وهو رجل مبادرات خيرة اعرف الكثير منها ولكنه ظل دائما يتحفظ على النشر ويرى ان لا ضرورة له، ولكني اخالفه الرأي حين يكون القصد صناعة نموذج نريده ان يحتذي لدى القادرين ولعل تزويج الايتام من اروع وافضل الخطوات واكثرها برا..
فقد قال الرسول (ص) “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فالصيام” ولكن هؤلاء لا يستطيعون دفع الكلف الباهظة بالنسبة لهم، كما ان للصوم مدى قد لا يستطيعون مواصلته، وقد يحين وقد ان يتزوجوا ويبنوا بيوتا عامر بالحياة والحب..
تعرفت على الرجل المحسن “ابو باسم” محمود ملحس في وفاة والدته واقامة العزاء لها، فقد تقاطر الى بيت العزاء المئات من عليّة القوم واميزهم، رغم ان محمود ملحس كان من قبل يعمل خارج الاردن، ولكنه استطاع وفي فترة قصيرة ان تكون له شبكة علاقات واسعة وكبيرة ومؤثرة، وان يفتح مشاريع عديدة.. واذكر انني تأثرت من اريحية الناس الذين قدموا للعزاء وكتبت رثاء في الراحلة.
ومحمود ملحس عصامي كما عرفت من سيرته، فقد كان عاش حياة متوسطة وفيها صعوبات لدرجة انه لم يستطع ان يدفع قسط الجامعة الاخير في الجامعة الامريكية في بيروت حيث كان يدرس، ولما اقتربت نهاية الفصل واستدعته الادارة كان امامه خيارا صعبا.. ولم تشفع له حالته، وقيل انه كان رجل اجنبي يجلس لدى العميد الذي استدعى محمود ملحس لاخباره ان الجامعة لا تستطيع ابقائه دون دفع، ولما شرح حالته تقدم الرجل الجالس وقرر التبرع له بالقسط، وهكذا اكمل دراسته وتخرج وانتقل الى المملكه العربية السعودية حيث عمل هناك وتطور عمله، وهو خريج ادارة ويتقن الانجليزية فعمل في الديوان الملكي السعودي وفي مكتب الامير فهد على ما علمت ، ومن هناك بدأ حياه عملية ناجحة ساعد من خلالها الكثيرين وخاصة الاردنيين الذين حصلوا على جوازات سفر سعودية..
لم ينس محمود ملحس الايام الصعبة ولم ينس فضل احد عليه، واذكر انني تلقيت اتصالا من المرحوم عقل بلتاجي قال لي يرغب السيد ملحس ان ترافقنا في طائرته الى بيروت لحضور مناسبة، فرحبت بذلك وكان على الطائرة مجموعة من اصدقائه، فتوجهنا الى بيروت ثم الى الجامعة الامريكية وحين سألته عرفت انه جاء يسدد معروفا.. فقد ظل في باله ان يتبرع للطلاب غير القادرين نظير ان احدهم تبرع له وهو طالب لاكمال دراسته ، وهناك قررت الجامعة ان تتلقى تبرعه بمليون دينار نظير ان تسمى قاعة باسمه وقد حضرنا التسمية والاحتفال قبل ان نتوجه الى الغداء في مطعم برج الحمام على البحر ونعود..
كان والد محمود ملحس تاجرا بسيطا بالكاد يتدبر امر العائلة، وكان يورد الخضار والفواكة الى معهد المعلمين في الحسين ويبيع بالمفرق لزبائن ما زالت اسمائهم في سجلات ودفاتر محفوظة على ارفف فندق الفور سيزن في اللوبي، وقد ادمنت القراءة في تلك السجلات لاعرف الاسماء ومشترياتها والاسعار، ومن كان يسدد او يتأخر عن السداد، وفي تلك الدفاتر التي اعتقد انها ما زالت مؤشرات هامة على الاسعار والوضع الاقتصادي وفي الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي..
لا تتسع المقالة للكتابة عن الرجل الذي اعطى الكثير وما زال واذكر انه اتصل لمساعدة صاحب عربة كعك جرى مصادرتها منه فارسل له البديل، وساعد طفلة مشلولة لمجرد مناشدته وغيره الكثير..
هذا رجل محسن فقد استحق اللقب بجدارة ، وها هو يعبر عما جال في وجدانه مرة اخرى وبمناسبة هامة وهي زواج الامير الحسين لتعم الفرحة وتتسع ويبارك الله له في عمله.