عروبة الإخباري – مع دخول المعارك في السودان أسبوعها الثالث، تفاقمت الأزمات الإنسانية والصحية والاقتصادية في البلاد، وارتفعت أعداد الفارين من دوامة العنف إلى الدول المجاورة طلبا للأمان إلى أكثر من 100 ألف شخص. وكانت الأمم المتحدة قد حذرت من فرار 800 ألف في حال استمرار المعارك، في حين بدأت دول الجوار بالاستعداد للاحتمالات “الأسوأ”، وسط مخاوف من توسع بؤرة العنف لتشمل بعضها.
أعلنت الأمم المتحدة أن أعداد الفارين من المعارك في السودان إلى دول الجوار تخطت عتبة الـ100 ألف شخص. وكانت المفوضية السامية للاجئين قد حذرت الإثنين في الأول من أيار/مايو من أن تؤدي المعارك المسلحة إلى فرار أكثر من 800 ألف شخص إلى الدول المجاورة. وقالت المفوضية إن أكثر من 75 ألفا نزحوا إلى مناطق أكثر أمنا داخل البلاد، في حين فر أكثر من 100 ألف إلى دول الجوار.
ويشترك السودان بحدود مع كل من جنوب السودان وتشاد ومصر وإثيوبيا وإريتريا وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.
معاناة مزدوجة في دارفور
خلال لقاء صحفي في جنيف، أعرب ممثل المفوضية في السودان أكسل بيسكوب عن قلقه لتدهور الأوضاع في دارفور، التي اعتبرها “التحدي الأكبر” من وجهة نظر إنسانية، “نحن قلقون من ارتفاع حدة العنف الطائفي وتكرار للأحداث التي شهدناها قبل عامين”، بمنطقة شهدت بالفعل صراعا شديدا ونزوحا كثيفا.
بيانات المفوضية تحدثت عن إحراق عدد من المواقع التي تستضيف النازحين في دارفور.
ويشارك مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان مخاوفه بشأن المنطقة، حيث حذر يوم الجمعة الماضي من تصاعد العنف في غرب دارفور. وقالت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان رافينا شمداساني إنه تم الإبلاغ عن “اشتباكات عرقية مميتة” في مدينة الجنينة بغرب دارفور، قتل على إثرها نحو 96 شخصا منذ 24 نيسان/أبريل.
وكانت منظمة “أطباء بلا حدود” قد تحدثت عن ارتفاع بأعمال النهب والتدمير وإحراق مخيمات النازحين، ما اضطرها إلى “وقف كل أعمالها تقريبا في غرب دارفور” بسبب العنف، وفقا لنائب مدير المنظمة في السودان سيلفان بيرون.
سيضيف التدفق الأخير للنازحين إلى تحديات جيران السودان، الذين يستضيفون أعدادا كبيرة من اللاجئين السودانيين من نزاعات سابقة.
إلى تشاد، التي تستقبل أصلا 400 ألف سوداني فروا خلال السنوات الماضية بسبب نزاعات مسلحة، وصل نحو 30 ألفا في الأسابيع الأخيرة. وتتوقع مفوضية اللاجئين أن يرتفع العدد إلى 100 ألف شخص “في أسوأ السيناريوهات”.
وقالت رئيسة بعثة المنظمة الدولية للهجرة في تشاد آن كاثرين شايفر “غالبية الوافدين في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية الأساسية، أي الغذاء والماء والمأوى المناسب”.
لورا لو كاسترو، ممثلة مفوضية اللاجئين في تشاد، قالت عقب زيارتها لمنطقة الحدود الأسبوع الماضي، إن المفوضية تخطط لاستقبال 100 ألف لاجئ من السودان على أسوأ التقديرات، مضيفة أن نحو 20 ألفا وصلوا بالفعل.
محمد، لاجئ سوداني وصل الحدود مع تشاد مع أولاده الستة قبل أيام، تحدث عن معاناة كبيرة في بلاده. كان محمد يعمل في منجرة، “هاجمنا المسلحون فجأة، اقتادوا صاحب المنجرة إلى جهة مجهولة وسرقوا كافة محتويات الورشة”.
ويضيف وهو يغالب غصة البكاء في حنجرته “قتل أصدقاء لي، جيران، معارف… لماذا؟ لا جواب. صحونا في أحد الأيام لنجد أنفسنا وسط حرب لا علاقة لنا بها ولا نعلم خفاياها. صحونا لنجد أنفسنا لاجئين”.
مصر
أما في مصر، حيث قدرت المنظمة الدولية للهجرة إجمالي عدد السودانيين المقيمين فيها بنحو أربعة ملايين شخص (بينهم حوالي 86 ألف لاجئ وطالب لجوء، وفقا لمفوضية اللاجئين)، أعلنت وزارة خارجيتها الخميس الماضي عن عبور أكثر من 16 ألفا للحدود قادمين من السودان.
فرق الهلال الأحمر المصري كانت متواجدة عند المعابر الحدودية لمساعدة الوافدين وتقديم الخدمات الطبية والإنسانية لهم. إلا أن ناشطين ومتطوعين إنسانيين أفادوا بأن الوضع عند المعابر الحدودية أشبه بالكارثة. عبد الله* أحد المتطوعين عند معبر أرقين تحدث عن انعدام تواجد المنظمات الإنسانية الأممية والدولية، وتحمل “الهلال الأحمر عبء الأزمة على الرغم من الإمكانات المتواضعة”. وفقا للمتطوع، فإن غياب الدعم الأممي والدولي أدى إلى اشتداد حدة الأزمة الإنسانية عند الحدود البرية.
فاطمة، لاجئة سودانية من الخرطوم وصلت إلى القاهرة مع أطفالها الأربعة قبل أربعة أيام، تحدثت عن سوء الأوضاع في بلادها والمشقات التي تعرضت لها من أجل الوصول إلى مصر.
“قررت الهرب مع عائلتي بعد أن باتت الحياة في الخرطوم صعبة للغاية. انقطعت الكهرباء والمياه والمواد الغذائية باتت شحيحة للغاية”. وتضيف “بتنا نخشى البقاء هناك ليس فقط من المعارك، بل من الفوضى وانتشار المسلحين وعمليات النهب والسطو”.
وأعربت فاطمة عن امتنانها للمتطوعين عند معبر أرقين، “لولاهم لما تمكنت من الوصول للقاهرة ولقاء أقاربي هنا. الآن أشعر بالأمان”.
الصحافي المصري عبد الله السناوي اعتبر أن تدفق اللاجئين من السودان إلى مصر “أمر حتمي”، ليس فقط بسبب تجاور البلدين جغرافيا، “بل نتيجة العلاقات التاريخية التي جمعت كلا من مصر والسودان”.
وأوضح السناوي أن مصر “تتعامل مع الأزمة انطلاقا من مسؤوليتها التاريخية تجاه السودان، لم لها (الأزمة) من آثار مباشرة على الداخل المصري، تحديدا فيما يتعلق بالأمن القومي والأضرار الاقتصادية”.
جنوب السودان
أفاد مسؤولون محليون في منطقة الرنك الحدودية (شمال جنوب السودان) إن نحو 10 آلاف لاجئ دخلوا بالفعل إلى البلاد منذ اندلاع المعارك في الجارة الشمالية.
وحسب مفوض المنطقة كاك باديت، عبر نحو 6500 الحدود يوم السبت الماضي، لحق بهم حوالي 3 آلاف آخرين الأحد، ووصل المزيد الإثنين. ووفقا للإحصاءات الرسمية، فإن معظم الوافدين هم من مواطني جنوب السودان (من اللاجئين الذين كانوا يقيمون في السودان)، والباقون من مواطني السودان وإريتريا وكينيا وأوغندا والصومال.
وكانت ماري هيلين فيرني، ممثلة مفوضية اللاجئين في جنوب السودان، قد صرحت في وقت سابق (الثلاثاء 25 نيسان/أبريل) إن “السيناريو الأكثر احتمالا هو عودة 125 ألف لاجئ من جنوب السودان إلى بلادهم، وعبور نحو 45 ألف لاجئ سوداني جديد إلى جنوب السودان…”.
وتعتبر جنوب السودان من أكثر دول المنطقة تضررا من الأحداث الدائرة في السودان، والآثار السلبية لن تقتصر فقط على تداعيات الهجرة العكسية لمواطنيها (يستقبل السودان أكثر من 700 ألف جنوبي)، بل ستتعداها لتشمل توقف خط أنابيب النفط الذي يربط الحقول الرئيسة بجنوب السودان بميناء بورتسودان في السودان.
الأستاذ الجامعي والمتخصص بالشأن السوداني رامي صالح اعتبر أن “كابوس جنوب السودان (إحدى أفقر دول العالم) فعليا هو كيفية استيعاب المزيد من اللاجئين والعائدين. هناك 12 مليون شخص يعيشون في جنوب السودان، والغالبية العظمى من هؤلاء يعتمدون على المساعدات الإنسانية”.
واعتبر صالح أن “تدفقات اللاجئين إلى جنوب السودان تهدد بإعادة إشعال الصراعات والنزاعات المسلحة في تلك الدولة، نتيجة التنافس على الموارد الشحيحة أصلا”.
الأوضاع الصحية والإنسانية على شفير الكارثة
ونتيجة الأوضاع الحالية، يعاني السودانيون من نقص بالمواد الغذائية وإمدادات الكهرباء والماء. إضافة إلى ذلك، أطلقت منظمة الصحة العالمية تحذيرا من انهيار المنظومة الصحية ككل في البلاد، مع توقف أكثر من 60% من المستشفيات عن العمل.
وتطال الاشتباكات 12 من الولايات الـ18 في السودان الذي يبلغ عدد سكانه 45 مليون نسمة.
وقال المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية كريستيان ليندماير يوم الجمعة الماضي، خلال حديث لوسائل الإعلام في جنيف، إن المنظمة تحققت من 25 هجوما على مؤسسات الرعاية الصحية منذ بدء القتال.
بدورها، حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” في وقت سابق من أن استمرار أعمال العنف يؤثر على الرعاية الضرورية والطارئة لحوالي 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد.
في الإطار نفسه، قالت بريندا كاريوكي، مسؤولة الاتصالات الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي في شرق أفريقيا، لوكالة الأنباء الفرنسية إنه نتيجة الأزمة القائمة، يمكن أن يعاني الملايين في جميع أنحاء المنطقة من الجوع. وكانت الأمم المتحدة قد نبهت من أن التهديدات الأمنية للعمليات الإنسانية في السودان، فضلا عن نهب إمدادات برنامج الأغذية العالمي من المستودعات وسرقة المركبات المستخدمة في نقل المساعدات، تحرم الفئات الأكثر ضعفا.