كلما يزداد المرء علماً بحياة المرأة المثقّفة والعالمة-طبيبة العيون الكبيرة، التي اجتمعت فيها صفات الأم الحسنة والحنونة والعطوفة والزوجة الصادقة والمخلصة والوفية والخصوصيات الفكرية والذهنية الفريدة، والتي قدمت إسهامات منقطعة النظير للعلم الطبي العالمي، وبنشاطها العلمي والإبداعي، وكلما يطّلع على مذكرات عنها، تأتي في مخيلته صورة شخصية كبرى لها خصائص معنوية وأخلاقية سامية.
لقد كانت السيدة ظريفة علييفا بإنسانيتها وصفاء قلبها إنسانةً تترك آثاراً لا تنمحي طوار الحياة منذ لحظة لقاءها و الحديث معها، حيث كان حبها واهتمامها بالناس بلا حدود.
يصادف 28 أبريل من العام الحالي مرور مئوية ظريفا علييفا وهي من الشخصيات المرموقة في تاريخ أذربيجان على امتداد القرن العشرين، التي وُلدت في ذات اليوم عامَ 1923 في قرية شاختاختي بجمهورية ناختشيوان ذات الحكم الذاتي لعائلة عزيز علييف، شصخية عامة ورجل الدولة، إبن بارز للشعب الأذربيجاني، الذي تحوّل دربه الحياتي إلى مدرسة الحياة الحقيقية لها.
سبق وكانت ظريفة علييفا زوجةً وفية وصديقة مخلصة ورفيقة موثوق فيها لمهندس وباني دولة أذربيجان الحديثة والمستقلة، والشخص الفحل الذي كرّس حياته ذات المعنى لتقدم وطنه وشعبه ألا وهو الزعيم الوطني حيدر علييف. وكانت بمثابة دعامة وركيزة معنوية وسنداً متيناً لقائدنا العظيم.
تشكّل الإنجازات الكبيرة التي حقّقتها الأكاديمية ظريفة علييفا بصفتها عالمةً مرحلة منفصلة في تاريخ العلم الطبي في أذربيجان، حيث كان نشاطها العلمي ثرياً وشاملاً للغاية، وقامت بأبحاث متعددة التخصصات اهتمّت بمواضيع هامة في مجال طب العيون، وألّفت الأعمال العلمية البحثية ذات القيمة.
لقد أفردت السيدة ظريفا علييفا، التي كانت تنكبّ على وضع الإجراءات العلاجية والوقائية لأمراض العيون، أعمالها البحثية للأمور المتصلة بعلاج الرمد الحُبَيْبي (التراخوما)، بل ودراسة الاستفادة المُجدية من قدرات المضادات الحيوية الجديدة آنذاك أثناء معالجة الرمد الحبيبي وتبعاته البالغة. وكوّنت نتائج هذه الأبحاث أساس أطروحة الدكتوراه تحت العنوان “توليفات أخرى من طرق العلاج بسينْثوميسين في علاج الرمد الحبيبي”، والتي تقدمت بها ظريفا علييفا في عام 1960 ونجحت فيها.
بدءً من عام 1968، انهكمت السيدة ظريفا علييفا في قضايا طب العيون الاحترافي، بحيث كانت لم تفقد اهتمامها العميق والمتعدد الأوجه بقضية أمراض العيون المهنية طوال حياتها على الرغم من اتّساع نطاق هذا المجال. فقد أنشأت أول مختبر علمي بحثي في العالم يختص بدراسة الأمراض المهنية، وبالتالي، أسست في الواقع لمسار علمي جديد في العالم العلمي وهو طب العيون المهني. وقامت بنشر عشرات المقالات والأفاريد العلمية حول “فيسيولوجيا ذرف الدموع” و”التحولات بالعين والطريق العصبي للبصر” و”الطبيعة الفيسيوليجية التشريحية للنظام الهيدروديناميكي للعين”.
كما شكّلت نتائج المراقبة والأبحاث الطويلة الأمد التي أنجزتها الطبيبة المرموقة أساس أطروحة الدكتوراه في الموضوع حول “حالة العضو البصري لعمال بعض المؤسسات المعنية بالصناعات الكيميائية في أذربيجان”. وقد أشاد كبار العلماء لدى معهد أمراض العيون بموسكو أثناء طرح أطروحة الدكتورة المذكورة في عم 1976 بأعمال علمية للسيدة ظريفة. ومُنحت للسيدة ظريفا علييفا عامَ 1977 درجة علمية وهي دكتوراه العلوم الطبية.
سبق ونالت الأكاديمية طريفة علييفا بفضل نتائج أعمالها العلمية البحثية في مجال الأمراض المهنية للعضو البصري، جائزة م.إ.أفيرباخ لأكاديمية العلوم الطبية السوفييتية التي كانت أبرز جائزة في مجال طب العيون لدى الاتحاد السوفييتي، حيث دخل إسمها في تأريخ علم طب العيون كأول مرأة عالمة حصلت على هذه الجائزة في الاتحاد السوفييتي السابق.
وكانت السيدة ظريفا تعتقد عن حق بأن موقعاً احترافياً لطبيب عاملٌ رئيسي يحدد تعامله مع المريض؛ إذ قالت ب”أن طبيباً حقيقياً هو الشخص الذي يعتبر آلام وأوجاع المريض من آلام وأوجاع نفسه بالذات. وبالنسبة لمثل هذا الطبيب، فإن قبول المريض والحديث مع إنسان مصاب بمرض ما في كل مرة يعني المسؤولية أمام المجتمع والمريض، وبدرجة أولى أمام ضميره”.
وبناءً على خبرتها الطبية الغنية وحكمتها الحياتية، فكانت السيدة ظريفة علييفا تقدّم توصيات حول كيفية معالجة الطبيب للمريض. في هذا الصدد، شددت على قدرة الطبيب على علاج “بالكلمات”. ووفقاً لها، فإن أسس أخلاق العامل الصحي هي الإخلاص، والقدرة على فهم المريض، واللطف، والتواضع، والتعامل بلا مقابل. وقد كانت الأكاديمية ظريفة علييفا أيضًا شخصية عامة بارزة. كانت عضوًا سابقًا في لجنة الدفاع عن السلام في الاتحاد السوفييتي ، ونائب رئيس لجنة الدفاع عن السلام في أذربيجان، وعضو مجلس إدارة جمعية “المعرفة” الاتحادية العامة، وعضو هيئة رئاسة الجمعية العلمية الاتحادية العامة لأطباء العيون، وحصل على اللقب الفخري “شخصية علمية فخرية”.
تتمتع السيدة ظريفة بالعديد من الألقاب الفخرية والعلمية والجوائز. كل من هذه الأسماء مصدر فخر. ومع ذلك، من بين هذه الأسماء، أكثرها شرفًا هو اسم الأم. السيدة ظريفة من أتباع الخط السياسي لزعيمنا الوطني حيدر علييف ، والدة رئيسنا إلهام علييف. ووصفت الأستاذة ن. شولبينا السيدة ظريفة علييفا بالقول: “لقد أحببناها، ونحبها وسنحبها حتى نهاية حياتنا. لقد كان الحس الفني للسيدة ظريفة وموهبتها الفنية فريدة من نوعها. وكم غنّت السيدة ظريفة بمهارة. ولمست أصابعها الرقيقة ألسنة البيانو بشكل سريع، وكانت الغرفة التي اجتمعنا فيها مليئة أحيانًا بألحان موسيقى صاخبة وأحيانًا حزينة.
إن الطبيعة قد منحتها سحرًا أنثويًا غير عادي. وما كان يمكناً لمظهرها وشعرها الكثيف وملامح وجهها المقوّسة وجبهتها المفتوحة وعيناها السوداوان اللتان تُذيبان قلوب الناس أن تفشل في إثارة الإعجاب والحيرة. وكان الوجود الكامل لظريفة عزيز قيزي يُقرأ من أفعالها وتعبيرات وجهها. وكانت دوما مبتسمة ولطيفة. وكانت يدا السيدة ظريفة رائعتان بشكل خاص. ويبدو أن اليديّن الصغيرتين للمرأة الجرّاحة كانتا تعطيان الدفء لكل ما كان على اتصال بهما. وفي الوقت نفسه، منحتا الشعور بآثار رعاية الأسرة وعمل المرأة. على الرغم من أن السيدة ظريفة كانت تنتمي إلى الطبقة العليا، فإنها كانت لن تتخلى عن الأعمال المنزلية”.
كما أعربت شخصيات معروفة أخرى في علم طب العيون في العالم عن آراء تاريخية حول السيدة ظريفة علييفا؛ إذ قال طبيب العيون المتميز، الأكاديمي أ. نيستيروف: “إن ظريفة علييفا كانت إنسانة في منتهى الذكاء وإمرأة احترافية كبيرة. أنا أعتبرها عالمة مشهورة في مجالها. وكانت الأولى في طب العيون”. وقالت الأكاديمية ن. بوتشكوفسكايا “إن اللطف هو أسلوب حياة السيدة ظريفة التي تتمتع بصفات إنسانية عالية. أما البروفيسور أ. بروفكينا فوصفتها بأنها رمز النبالة والطهارة المعنوية”.
لقد عاشت السيدة ظريفة علييفا حياة قصيرة. وكانت بموهبتها وطاقتها الحياتية سوف تستطيع أن تفعل الكثير في المستقبل. وكانت تعيش بحياتها وخططها المستقبلية حتى آخر لحظة من حياتها. قد توفيت السيدة ظريفة علييفا في 15 أبريل من عام 1985 في موسكو.
ستبقى الصورة المضيئة للسيدة ظريفة معنا دائمًا كرمز للوطنية العالية والإنسانية، وستظل ذكراها المشرقة دائمًا في الذاكرة، وستعيش إلى الأبد في قلوب شعبنا المقدِّر.