أسابيع قليلة تفصلنا عن عقد قمة الرياض التي تلتئم على أبواب بداية فصل دولي وولادة نظام عالمي جديد ترسم خطوطه وشكله على الساحة العالمية والوطن العربي الكبير في مقدمتها لما يحتله ويملكه من موقع جيوسياسي إستراتيجي وثروات نتائج الحرب الدائرة في أوكرانيا مما يرتب على القادة العرب مسؤوليات جسام لفرض مصالحهم وأمن ونماء اقطارهم كلاعبين فاعلين مما يساهم بالتحرر و التخلص نهائيا من كافة اشكال الهيمنة الخارجية ترغيبا أو ترهيبا على مفاصل القرار بمختلف عناوينه .
لبناء نظام عربي ملفات أمام قمة الرياض :
لتحقيق قمة الرياض أهدافها بالخروج من اللقاءات الشكلية والروتينية بإصدار قرارات أو بيانات ختامية دون أن ترى سبيلا لتنفيذها أو الإلتزام بها كما كان عليه حال معظم القمم السابقة إن لم يكن جلها مما أدى إلى ضعف بل غياب الثقة الشعبية بأهميتها التي سستتعمق إذا لم يتم مغادرة مربع الروتين إلى مربع الفعل وهذا يتطلب إيلاء الملفات والعناوين التالية الأهمية القصوى لما توديه من بناء قوة عربية :
أولا : ضمان مستوى المشاركة على مستوى الملوك والرؤساء والأمراء وما يعنيه من جهود مشتركة ليس للسعودية كدولة مضيفة فحسب وإنما للدول التي يمكن لها المساهمة الفاعلة بالتأثير لتصفية الخلافات البينية القائمة بين بعض الدول أو تجميدها على أقل تقدير حتى يتسنى للجميع التوافق على إستراتيجية موحدة تكفل أمن وإستقرار وإزدهار الوطن العربي باقطاره وصولا إلى تشكيل نظام عربي جديد فاعل بكل ما يحمله المصطلح من معنى .
ثانيا : الإتفاق على تحديد ماذا نريد أمام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب حتى لا يبقى الوطن العربي الكبير أسير ما يخطط له من تقاسم الهيمنة والنفوذ بين مصالح الدول الكبرى كما حصل بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية التي لا زلنا نعيش تداعياتها من ضعف وشرذمة .
ثالثا : التوافق على مواجهة ومعالجة التحديات القطرية والقومية مسلحة بإرادة سياسية حقيقية عليا يتم ترجمتها عمليا على أرض الواقع في رسالة متعددة الوجهات بطي صفحة القرن الماضي والإيذان بولوج مرحلة جديدة قوامها فرض مصالحنا والتعامل مع أقطاب العالم قربا وبعدا وفقا لمصالحنا واهدافنا الإستراتيجية .
رابعا : تحديد معسكر الأعداء والأصدقاء وفقا لأسس ثابتة عنوانها كفالة حرية وإستقلال وإزدهار جميع الدول العربية وعدم السماح بالتدخل الإقليمي والدولي بشؤونها الداخلية وما يترتب على ذلك من المس بصلب الأمن القومي العربي .
خامسا : بناء منظومة متكاملة صناعية وتكنولوجية وعسكرية ذاتية وما تستدعيه من المبادرة بإنشاء مراكز ومؤسسات بحثية في كافة المجالات والعمل على رفع مستوى التعليم وإستقطاب الكفاءات العربية المنتشرة في دول العالم وتوفير البيئة الآمنة للقيام بواجباتهم .
سادسا : تعزيز قوة ومنعة الجبهة الداخلية من خلال تجسيد وإعلاء قيم المواطنة ومبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان .
سابعا : رفع مستوى الحياة للمواطن العربي من خلال توزيع المشاريع الإستثمارية والإقتصادية على إمتداد الأقطار العربية فالفقر والبطالة عوامل ضعف تنخر في الجسد القطري والقومي وثغرة تمكن القوى المعادية من إختراق الجبهات الداخلية وتهديد الأمن والإستقرار القطري والقومي على حد سواء .
ثامنا : نبذ الإزدواجية وخاصة الأمريكية المتبعة في تنفيذ القرارت الدولية المتعلقة بالقضايا العربية عامة بالقضية الفلسطينية خاصة والعمل على إصلاح نظام وميثاق الأمم المتحدة الذي يمس عمليا بمبدأ العدالة والمساواة بين الدول ومنح مجلس الأمن كافة الصلاحيات وتهميش دور الجمعية العامة وخاصة فيما يتعلق بمنح الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن حق الفيتو الذي يشكل بحد ذاته تقويض لأهداف الأمم المتحدة بترسيخ الأمن والسلم الدوليين .
ما تقدم قد يرى البعض أنه ضرب من الخيال والأحلام ولكن هذا السبيل الوحيد للنهوض بواقع الوطن العربي الكبير ونقله من حال الضعف والفرقة إلى حال القوة والوحدة وحماية الأمن والإستقرار بإتباع سياسة مشتركة تعزز السيادة على مقدرات والثروات الوطنية في مواجهة كافة اشكال التحديات والأطماع الإقليمية والدولية .
توفر الإرادة السياسية والإيمان الراسخ لدى القيادات العربية بأهمية فرض القوة العربية الكامنة في وحدتها ووحدة مواقفها السياسية والإقتصادية ومنعة جبهاتها الداخلية كفيل بالإنتقال إلى موقع الفاعل على الساحة العالمية فارضة نفسها كقطب رئيس في النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب .
اما العنوان العملي والآني لمخاطبة العالم إيذانا ببدء مرحلة جديدة يتمثل في عزل ومقاطعة اي دولة أو كيان معتدي أو يفكر في الإعتداء على أمن ووحدة وحرية اي بلد عربي أو إستمرار إحتلاله الإستعماري الإرهابي العنصري لأراض اي دولة عربية والإحتلال الإستعماري الإسرائيلي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وللجولان الوجهة والبوصلة .
فدعم صمود الشعب الفلسطيني ونضاله من أجل الحرية والإستقلال والتحرر من نير الإستعمار الإسرائيلي الإحلالي الإرهابي بكافة الوسائل والآليات السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية وغيرها يبقى العنوان والتحدي بما يعنيه أيضا من ممارسة الضغط على أمريكا وأوربا وحثهم لوقف إنحيازهم الظالم للكيان الإستعماري الإسرائيلي وتنكرهم الفعلي لحق الشعب الفلسطيني الأساس بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 .
الإلتزام الرسمي العربي بالضغط على الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن لإلزامها الإضطلاع بواجباتها المناطة بها وفق نظام وميثاق الأمم المتحدة بإرغام ” إسرائيل ” على تنفيذ كافة القرارت الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وفي مقدمتها قرار مجلس الأمن 2334 وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي طليعتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 273 الذي إشترط على الكيان الإستعماري الإسرائيلي المصطنع تنفيذ قراريها 181 و194 لقبولها عضوا في الأمم المتحدة… آن الأوان لإثبات القوة العربية على الساحة الدولية من خلال تبني نهج تخفيض مستوى العلاقة السياسية والاقتصادية مع الدول النافذة التي تمكن ” إسرائيل ” من الإفلات من المساءلة والعقاب وبالتالي مضيها في تحد لإرادة المجتمع الدولي وبإرتكاب جرائمها اللامتناهية بحق الشعب الفلسطيني وحرمانه من الحرية والإستقلال .
الشعب العربي يتطلع إلى قمة الرياض بقيادة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي يقود السياسة السعودية على قاعدة التوازن في العلاقات الدولية بتفاؤل عل وعسى أن تخرج قمة الرياض من مربع الروتين والبيانات النظرية إلى مربع التنفيذ الفوري لقراراتها السابقة واللاحقة وترجمة شعاراتها بمركزية القضية الفلسطينية عبر رفع الضغوط عن الشعب الفلسطيني وذلك بالإلتزام بقرارات القمم العربية السابقة بتأمين الدعم المالي والسياسي والإقتصادي للشعب الفلسطيني ولحكومته التي تمثل الذراع التنفيذي لمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وبالعمل على مقاطعة الكيان الإستعماري الإسرائيلي ووقف كافة اشكال التعاون والإتصالات السرية والعلنية مهما بلغت الضغوطات الأمريكية عليها فالعلاقة مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي قبل إنهاء إنسحابه من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة يشكل مكافأة لرموز التطرف والإرهاب ودعما لسياسته التوسعية العدوانية وتابيد إستعماره الإحلالي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا ومسا بالأمن العربي القطري والقومي ….؟
قمة الرياض… هل تؤسس لبناء نظام عربي موحد؟ د فوزي علي السمهوري
10
المقالة السابقة