المتابع لسياسة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لم يفاجئ بتوقيع الإتفاق الثلاثي السعودي الإيراني الصيني حيث بنيت إستراتيجية خادم الحرمين وولي العهد على إيلاء ترسيخ وتجسيد امن ومصالح المملكة العربية السعودية قمة الأوليات وذلك:
— عبر إنتهاج سياسة تصفير المشاكل عبر الحوار المباشر مع الأطراف ذات العلاقة بغض النظر عن سياسة ومصالح دول كبرى لعبت دورا في تأجيج الخلافات البينية الإقليمية خدمة لمصالحها ولمصلحة اداتها إسرائيل العدوانية وتعزيزا لهيمنتها على الساحة العالمية
— وعبر العمل على وضع السعودية على قمة سجل العالمي في تحقيق النمو والإنماء والإزدهار والمنعة الإقتصادية .
للإتفاق السعودي الإيراني الذي جاء في خضم ولادة نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب معان ودلالات منها :
اولا : إنتصار الجغرافيا وتجسيد أمنها القومي والإقليمي على ما عداها من إعتبارات كإختلال موازين القوى بينها وبين قائدة النظام العالمي الآخذ بالتآكل والتراجع الذي تميز على مدار عقود سابقة بالظلم والإضطهاد لشعوب العالم سياسيا وإقتصاديا وثقافيا والذي يمثل إضطهاد الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه بالحرية وتقرير المصير رمزا لذلك .
ثانيا : تجسيد التوازن في العلاقات الدولية ما بين أقطاب النظام العالمي الجديد وفقا للمصالح المشتركة بعيدا عن الهيمنة أو التبعية أو الإبتزاز .
ثالثا : مقدمة للوصول إلى تشكيل محور إقليمي يتبنى سياسة أمنية وعسكرية وإقتصادية مشتركة كفيلة بمواجهة التحديات والتهديدات مهما كان مصدرها إقليميا الوكالة أو دوليا مباشرا .
رابعا : تعزيز دور عائدات النفط في إحداث نهضة إقتصادية وتنموية شاملة في الدول العربية والإسلامية والصديقة عبر إعتماد سياسة إستثمارية تعود بالفائدة لصالح الدول المنتجة وشعوبها بعيدا عن مخاطر التجميد أو المصادرة للودائع المالية او للإستثمارات في الدول الغربية في حال حدوث تضارب مصالح أو خلافات سياسية في قضايا امن قومي وفقا لتصنيف تلك الدول النافذة والتي من شأنها أن تساهم في رفع مستويات النمو الاقتصادي في الدول المستهلكة محققة بذلك العمق الأمني والدفاعي لحدودها وإستقرارها .
اليوم الأسود لنتنياهو :
بهذا الإتفاق يكون قد سقط رهان نتنياهو بنجاح مخططه الإستعماري التوسعي مما يعني له ولمعسكره يوما أسودا لفشل في :
— توقيع إتفاق تطبيعي جديد مع المملكة العربية السعودية لما تمثله وتحتله من مكانة ودور ريادي جيوسياسي بضغط من إدارة الرئيس الامريكي بايدن على الرغم من إمعانه بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وشنه حرب إبادة وتطهير عرقي بحق الشعب الفلسطيني .
— تشكيل حلف عسكري ” إسرائيلي”‘ خليجي في مواجهة ما يسمى الخطر الإيراني بقيادة إسرائيلية .
— الفشل الإسروامريكي بنهب ثروات الخليج بقيادة السعودية تحت عنوان الدفاع عن أمن السعودية ودفعها ودول الخليج لتوقيع صفقات سلاح بمئات المليارات ذلك الهدف الذي أعلنه صراحة ووقاحة الرئيس ترامب في خلال مقابلة تلفزيونية إبان عهده .
تحديات أمام الإتفاق :
الإتفاق أزعج كلا من الكيان الإستعماري الإسرائيلي الولايات المتحدة الأمريكية لذا من المتوقع أن يواجه تحديات تهدف إلى إفشاله عبر ممارسة ضغوط مباشرة وغير مباشرة لعوامل عديدة منها :
اولا : تراجع النفوذ الأمريكي في السعودية والذي يعني إنعكاسه على دول مجلس التعاون الخليجي أو معظمها
ثانيا : إمتداد النفوذ الصيني إلى إقليم كانت ترى فيه أمريكا انه حصرا دون شريك آخر لنفوذها وهيمنتها
ثالثا : فشل إدارة بايدن في مرحلة الصراع على تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب بالحفاظ على التحكم بمنطقة إستراتيجية حيوية على الأصعدة السياسية والاقتصادية والجغرافية
رابعا : الفشل الإسروامريكي بترسيخ إيران كعدو بديلا عن العدو الإسرائيلي العنصري الإرهابي المحتل لدولة فلسطين وللجولان السورية
خامسا : إزالة الذريعة أمام مساع وضغوط أمريكا الهادفة لإدماج الكيان الإستعماري الإسرائيلي العدواني عبر الإعتراف “بإسرائيل ” وتوقيع إتفاقيات تبادل دبلوماسي وإقامة علاقات إقتصادية وسياسية وغيرها دون إنهاء إحتلالها الإستعماري للأراضي الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس تنفيذا للقرارات الدولية
سادسا : فقدان أمريكا الثقة بمصداقيتها مع شركاء وحلفاء لتخليها عن الإلتزام بواجباتها وفق التفاهمات المبرمة .
عوامل نجاح الإتفاق :
لتجاوز التحديات ولتحقيق الأهداف الآنية وبعيدة المدى المبينة أعلاه يرتب مسؤوليات على أطرافه :
أولا : تعزيز الثقة عبر إجراءات عملية على الأرض وهنا أرى أن إيران معنية بإتخاذ خطوات فورية تعمل على إزالة أسباب الخلافات وأولها بالتعامل مع تلك الأسباب التي هددت أو قد تهدد الأمن والإستقرار في المملكة العربية السعوديه مركز دول الخليج العربي
ثانيا : التوقف بشكل تام عن إستخدام أساليب قد تفهم على أنها إستفزازية لدول المنطقة في مواجهة أمريكا
ثالثا : العمل المشترك من أجل نزع السلاح النووي الإسرائيلي إعمالا للقاعدة الدولية بخلو المنطقة والعالم من أسلحة الدمار الشامل دون إزدواجية .
الإتفاق السعودي الإيراني الصيني الذي ولد في بكين بعد خمس ايام من النقاشات الأمنية يعني أن الإتفاق شمل كافة الملفات العالقة والشائكة وإن لم يتضمنها إعلان بكين…
مصلحة إيران بتنفيذ الإتفاق تكمن أيضا بإبعاد الخطر الإسرائيلي عن حدودها بإقامة القواعد العسكرية الإسرائيلية برا وبحرا وجوا في حال تعثر الإتفاق لا سمح الله….
الشعب العربي عامةً والفلسطيني خاصة على ثقة بأن يشكل الإتفاق محطة هامة في بناء إقليم قوي آمن مستقر مزدهر وفي دعم نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني…؟
الإتفاق السعودي الإيراني. .. يوم اسود لنتنياهو. .. وخطوة نحو وقف إدماج إسرائيل ؟ د فوزي علي السمهوري
8
المقالة السابقة