عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
هل نحن في بقعة جغرافية حضارية مميزة حملت سمات وقدمت نشاطات ودلالات انسحبت في التاريخ طويلاً..
اهل هذه الديار تاريخيا قدموا البتراء كنص حضاري مذهل ما زال يثير العالم ويحتفظ بمكانة مميزة تدلل على عراقة هذا المكان وابداع الانسان.. نعم لقد انجز اهل هذه البلاد البتراء فكان الانباط اجدادنا قد قدموا انفسهم للعالم بالطريقة التي احبّوا بما فيها من صبر وجلد وتضحية وانتصار واختراع وابداع، فعرفوا كيف يحصنون انفسهم ويحمون حضارتهم وكيف يصلون الى مدينتهم في الصخر بالماء والطعام ليصمدوا، حتى غدا نموذج البتراء الذي لم يدرس بما يكفي لجهة الاعتبار نموذجاً عالمياً افضل لابداع الانسان في سبيل البقاء..
واذا كان اهل هذه البلاد قد قدموا البتراء في فجر تاريخهم فإن امتدادهم الذي اصبح الاردن واسمهم الذي اصبح الاردنيين العرب قد ارتبط بانجاز اخر يليق بهم وهم انجازهم لمستشفى الحسين للسرطان كنموذج على التقدم وعلو المكانة والاتقان..
الاردنيون قدموا من عرقهم وجهدهم وتعاضدهم فكرتهم التي انطلقت من التبرع لتصبح البذرة ثمرة والشجرة حقلاً والزرع وفير.. وها نحن نعيش مرحلة أننا نملك واحداً من احدث واكثر المستشفيات تطورا على المستوى العالمي، حتى ان الذين يغادروا للعلاج في الخارج لا يلبثوا ان يعودوا بنصائح ودوافع من الاطباء الاجانب والمستشفيات التي يصلونها حين يقال لهم ان لديكم مستشفى يفوق ما لدينا، وليس لدينا ما هو جديد عما فيه..
وبالمعاينة والتجربة فإن مستشفى الحسين في صيغته المتطورة الحالية وما اتيح له من امكانيات وتنظيم وادارة، وما قام عليه التأسيس من رسوخ وتطور حين ينفتح المستشفى الان على ابرز المستشفيات الشهيرة في العالم ويتواصل وحيث عالم المعرفة مشتركا فإن التجربة الاردنية اصبحت رائدة وقادرة على المبادرة والتطور ..
لا توجد فكرة او تطبيقا او خطة في مجال مكافحة السرطان بكل اشكاله في العالم إلّا وقد تبناها مركز الحسين وعمل عليها ونجح فيها حتى غدا محط آمال وموقع اعتزاز للعاملين فيه من اطباء اختصاص ومن طواقم طبية مساعدة وتمريض وادارة..
الصيغه التي يعمل بها مركز الحسين مميزة لجهة الادارة وسلاستها، وكأن الناس الذين يعملون من عالم اجتماعي اخر في استجابتهم السريعة واحساسهم الدافق بمرضاهم وسهرهم عليهم واستعمالهم للغة في التعامل قد تفتقر اليها جهات طبية اخرى عديدة..
لقد استطاعت الادارة الحالية للمركز ان تراكم عملا طويلا متصلا لتصل به الى الصيغة الحالية المميزة، وكأن حسن المعاملة تخصصا لابد من دراسته والنجاح فيه امتياز..
اذا يمكن للاردنيين ان يعتزوا بهذا الانجاز وان يقدموه كهوية ابداعية على قدرة الانسان على المشاركة فيما توصل اليه العلم من تطور..
اذن استطيع الآن ان اقول ان اعظم محطتين يمكن الوقوف فيهما على هذه الارض هما محطة تاريخية هي “مدينة البتراء” والمحطة الثانية هي “مركز الحسين للسرطان” ، وقد لا يكون الربط بينهما سهلا ولكن الربط جاء من جهة الابداع والقدرة على الاسهام في التميز والرغبة في البقاء في المقدمة بما يحتاج ذلك من جهد ابداع وكلفة..
في المحطتين جهد مشترك واسع اعتقد الفكرة وبنى عليها وانجز من خلالها..
لم تكن هذه التجارب تمضي بسهولة، فقد واجهت شأن اي ابداع اخر كثير من العقبات والاحباطات والتدخلات ولكن حلاوة الابداع والنجاح دفع كثير من المخلصين وما زال يدفع الى المضي في الحفاظ عليه والتقدم به..
حين يدخل احد الى مركز الحسين ويستعرض الاسماء المذكورة على اللوحات فإنه يذهل لكثرتها، فهذا الانجاز ساهم فيه الكثيرون من الاردنيين وحتى غير الاردنيين من العرب وعلى مستويات مختلفة من افراد وشركات ومؤسسات ودول، ولذا فإن الاسماء المتداولة على الالسنة وفي العناوين تدلل على ذلك، فالقاعات والعيادات وحتى بعض المقاعد والمعدات تحمل اسماء المتبرعين من رجال ونساء، وهذا يضع امانه في اعناق الجميع وأولهم هذه الادارة المخلصة للحفاظ على منسوب العمل والتبرع والتضحية، فقد وصلنا حد الاعتزاز بما انجزنا وعلينا المواصلة وتقديم النموذج وسحبه على مواقع اخرى بعدما تميز مركز الحسين للسرطان..
البتراء ومركز الحسين للسرطان..
19
المقالة السابقة