عروبة الإخباري – استذكر سياسيون ورجال دولة سابقون وأكاديميون مواقف وذكريات من تاريخ الراحل الكبير رحمه الله الدكتور عبد السلام المجالي، وما قدمه للوطن في مجالات الطب والجيش والتعليم الجامعي والعمل السياسي.
جاء ذلك خلال الندوة العلمية “لمسة وفاء” التي نظمها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بالتّعاون مع الجمعية الأردنية للعلوم التربوية أمس، وفاءً للراحل الدّكتور عبد السلام المجالي، حيث تناول فيها المتحدّثون، على مدار جلستين، مناقب الفقيد الذي جمع بين العلم والعمل والسياسة وخدمة البلاد.
الدكتور عبد الرؤوف الروابدة
وقال رئيس الوزراء الاسبق الدكتور عبد الرؤوف الروابدة في الجلسة الأولى التي ترأسها مدير مركز الدراسات الاستراتيجية الدكتور زيد عيادات “إن من الصعوبة بمكان الإحاطة بقامة وطنية أبدعت في كل المجالات: في الطب والعسكرية والإدارة والأكاديميا والعلاقات الإنسانية، فعبد السلام المجالي كان شخصية شمولية اخترقت كل الميادين”.
كما بين أنّه عرف الفقيد شخصيّةً عسكريّةً مُهابةً وقورةً جديّةً قليلة الابتسام، يطرح رأيه وتصوراته بجدية ومباشرة لم تعتدها الوزارات آنذاك، كما بيّن دور المجالي التفاوضي والسياسي والقيادي.
وقال الروابدة، إن الراحل عبد السلام المجالي كان يجعل الاجتماع للنهاية ويستمع للكل وفي احدى المرات قال له موفق الفواز موافقين يا باشا على القرارات خلينا نروح على نسوانا.
واضاف الروابدة، وفق ما رصدت مدار الساعة، إن عبدالسلام المجالي كان يستوعب الخلاف والاطالة.
واستذكر الروابدة قولاً مشهورًا للمجالي انه عندما تصبح الساعة 1.30 بعد الظهر بأن يقول “خلص الكاز ” كان لدينا فصل بين محبة عبد السلام والعاطفة وبين اننا نواب، تجاوز حجب الثقة وبقي يتعامل بنفس الأسلوب كان الصديق والمرجع والعمدة.
رئيس الجامعة الأردنية الدكتور نذير عبيدات
وقال عبيدات إنّ عبد السّلام المجالي قائد أكاديميّ، وإنّه لا يمكن لواحد مثله، حين يتحدّث عن شخصيّة بحجم هذه القامة والقيمة الوطنيّة العالية، وفي الشّهر ذاته الذي غاب فيه عن هذه الدّنيا، أن يقول كلّ شيء في إطار رقميّ جامد، فلغة الأرقام باردة باهتة، والحديث عن أمثال هذا الرّجل يجعلك تذهب إلى ما بعد الرّقم وما قبله.
وأضاف أنّ “الراحل كان قائدًا أكاديميًّا وهو يقلّب الأوراق والأفكار باحثًا عن شكل ورونق وجمال ولون وطعم يروق له لهذه الجامعة، وقد عاش الجامعة الأردنية فكرةً وكبر معها واقعًا، وتركها كبيرةً بحجم الأردنّ وأهله، وتوفاه الله وهي غالية عليه كواحدة أو واحد من بناته وأبنائه”.
وبيّن عبيدات أن الفقيد فَرِحَ وهو يؤسّس كلية بعد أخرى، مشدّدًا على أنّه كان قائدًا إذ أسّس تلك الكلّيات، واستحدث أهمّ البرامج في معظم كلّيّات الجامعة الأردنيّة، وبنى كوادرها وبرامجها، وكان قائدًا أكاديميًّا كذلك حين شارك في وضع التّشريعات والقوانين اللازمة لضمان تعليم جامعيّ متين.
ولفت إلى أنّنا سنبقى ننظر إلى الجامعة، لا في أعين أبنائها اليوم وحسب، بل أيضًا في نظرات أبنائها الأوائل الكبار، مشيرًا إلى أنّ ذهاب عبد السّلام المجاليّ، بوصفه واحدًا من مؤسّسي التّعليم العالي، لا يعني أنّ دوره انتهى حتّى وإن توفاه الله، بل إنّنا نؤمن، ونحن نسلك الطّريق إلى الأمام في هذا العالم الجديد، العالم الشّجاع المُصطبغ بصبغة الذّكاء الاصطناعيّ، بأنّ الطّريق إلى الأمام لا بدّ أن يبدأ بالنّظر إلى الوراء.
وقال عبيدات ان عبد السلام القائد والمعلم، لقد اتعب رؤساء الجامعة من بعده كان يريد منظومة صحية عادلة للجميع ولكن هناك من أجهض الفكرة، وكان قامة وقيمة عالية وبقي قلبه نابضاً بالأردن.
الدكتور منذر حدادين:
وعاين الدكتور منذر حدادين الأدوار التي أدّاها المغفور له خدمةً لوطنه، إذ إنّه ينتمي الى عشيرة يألفها الوطن، ومنها يُنتخب شيخُ مشايخ الكرك.
وقال حدادين إنّه تعرّف على الفقيد أوّل مرة عام 1971، عندما كان وزيرا للدولة في حكومة وصفي التل الأخيرة، والتقى به مرات بصفته عضوا في مجلس إدارة الجمعية العلمية الملكية حين انتقل ليخدم البلاد رئيسا للجامعة الأردنية.
واستذكر حدادين مهارات الدكتور عبد السلام المجالي التفاوضية، واصفًا إيّاه بأنّه كان مُدافعًا صلبًا عن مصالح البلاد وخادمًا مُخلصًا للملك والوطن.
وتحدث الدكتور منذر حدادين عن شرائهم اول كمبيوتر رقمي بعهد المجالي وكان المشتري الجامعة الأردنية لكي نحصل على خصم.
وعلى صعيدٍ آخر اضاف حدادين وافق الأردن على اشراك فلسطين بنصف حصته بالمؤتمر الدولي للسلام، وكان يمتاز المجالي بالصبر الطويل بمفاوضات السلام، وعندما بُلِّغَ المجالي بتشكيل الحكومة كنا باجتماع معه بعد افطار الجمعة وقال له نايف القاضي سمعنا يا باشا من الوفد الإسرائيلي انك بلغت بتشكيل حكومة فرددت قائلا لا ترد عليهم شو بعرفهم فرد المجالي بالقول لا لا بعرفوا
واستكمل: كان المجالي يترأس وفداً اردنياً فلسطينياً مشتركاً للمفاوضات مع الاسرائيليين بالولايات المتحدة وجالس حينها بالطائرة حيدر عبد الشافي ووضع الوفدان يمينا وشمالا.
واستذكر حدادين أنه وفي احد مواقف الاختلاف الكبير مع الجانب الإسرائيلي، وعند الوصول طلب منهم الانتقال للطابق السادس من مبنى وزارة الخارجية الأمريكية لحل الهلاف والاتفاق لكنهم رفضوا.
الدكتور محي الدين توق
وأكد الدكتور محيي الدين توق، في الجلسة الثانية التي ترأسها أمين عام وزارة الاتصال الحكومي الدكتور زيد النوايسة، أنّه رغم رحيل دولة الدكتور عبد السلام المجالي، إلا أن روحه ستبقى حائمةً حول الجامعة الأردنية، وإنجازاته فيها ستظلّ حية إلى الأبد.
وأشار إلى أن اسمه ارتبط بالجامعة مُذ كانت فكرة إلى أن تجسدت على أرض الواقع، وأصبح رئيسا لها على فترتين، لافتًا إلى أنّه حظي بشرف العمل مع المجالي عن قرب في الجامعة الأردنية لمدة أربع سنوات مستشارًا له وعميدًا لشؤون الطلبة، مؤكّدًا أنّه لا يُبالغ إذ يقول إن رئاسة الجامعة الأردنية كانت أحبّ وظيفة إلى قلبه، وأنّه فضلها عن أي وظيفة سواها.
وقال توق: كان المجالي بشكل شبه يومي يتناول طعام الغداء مع الطلبة بمطعم الجامعة وقدم برنامج القيادات الواعدة والمنتدى الشبابي كبرامج بعمادة شؤون الطلبة واول مرة يشارك بالاولمبياد الجامعي بكندا.
وذكر ان المجالي ابلغه وابراهيم العواملة باخراج اول فيلم عن الجامعة الأردنية ببريطانيا.
الدكتور إبراهيم بدران
وقال الدكتور إبراهيم بدران إن عبد السلام المجالي كان نموذجًا للقيادي المُوجِّه الذي يجعل رفاقه يقتدون به، إذ كان في المقدمة على الدّوام، من حيث المبادرة والعمل وتحمل المشقة بصبر ودون تململ، كما كان الأمل والروح الإنسانية عنوانه الكبير حتى اللحظة الأخيرة من حياته.
وإلى جانب سماته الطيبة الكثيرة التي أشار إليها كثيرون، أضاف بأنّ الراحل كان نموذجًا للقيادي الذي يعمل مع الفريق بتواضع ومحبة باعتباره فردًا من أفراد الفريق، حيث كان يبدأ بنفسه، ويؤمن بنظرية “التوجيه غير المباشر”، ووصف بدران حياة الراحل بأنّها كانت تتسم بالريادة من الطراز الأول، فكان له دوره في إنشاء وتطوير الخدمات الطبية الملكية، وكليات الجامعة الأردنية، والعديد من المؤسسات الأخرى، كما كان له دور ريادي واجتماعي وأكاديمي متميز، و كان قدوة لمئات مِمّن عملوا معه.
وقال الدكتور ابراهيم بدران : ان المجالي هو اول الوزراء الذي اهتم بنظافة المدرسة وقام باحدى المرات بتنظيف مدرسة بيديه، وكان يستخدم تعابير لطيفة مع الاخرين لدفعهم للعمل، ولا يتصدر مكان الجلوس ويتحدث آخر المتحدثين.
الدكتور يوسف باشا القسوس
واختتم الدكتور يوسف باشا القسوس الندوة بحديثه عن عبد السلام المجالي طبيبًا، ودوره في قطاع الخدمات الطبية الملكية.
ووصف الراحل المجالي بالطبيب المستشرف، الذي عمل بكل شغف وإخلاص للتطوير والتحديث، وبناء المستشفيات العسكرية، والصروح العلمية الطبية، مشيرا الى دوره في عهد جلالة المغفور له الملك الحسين بن طلال- طيب الله ثراه- في إنشاء مدينة الحسين الطبية، واستحداث مركز متخصص لجراحة القلب فيها، وإيجاد التامين الصحي لعائلات العاملين في القوات المسلحة الأردنية- الجيش العربي، وادخال دراسة التمريض للاناث في كلية الأميرة منى، وغيرها من الانجازات والمبادرات العديدة والكبيرة.
وأكد الدكتور يوسف القسوس ان أجمل أيام حياته هو يوم مقابلته عبد السلام المجالي وكان يوم الأحد الرابع من كانون الاول 1966 وقد أمر بتعيينه بالخدمات الطبية الملكية
واضاف القسوس ان المجالي عمل على مشروع التأمين الصحي لأفراد القوات المسلحة تحت مسمى مشروع “معالجة العائلات”، وكان الطبيب القدوة وبرز ذلك بتصويره لزوجته من أجل اصدار بطاقات التأمين الصحي بعد رفض عدد من الضباط وامتناعهم عن ذلك.
واشار الى انه كان هناك صعوبات مالية لتطبيق نظام التأمين الصحي بشكل مكتمل وفي احد الاجتماعات التي ترأسها الملك الحسين وكان هناك وفر مالي 160 ألف دينار جراء استخدام اللحوم المجمدة بدلاً من الطازجة انذاك ويومها طلب المجالي ان يخصص المبلغ لمشروع التأمين الصحي وكان المبلغ نواة للمشروع عام 1962 وتم إقراره بعد عام.
وقال رئيس الجمعية الدكتور راتب السعود، خلال افتتاح الندوة التي حضرها عائلة الفقيد إن الندوة تأتي تكريما لشخصية وطنية أردنية، ومربيا فاضلا، عربي الإنتماء وأردني الهوى وإنساني النزعة والخلق، نال احترام الصغير قبل الكبير، وعاصر تحولات مهمة شهدتها الدولة الأردنية في مئويتها الأولى.