غور الأردن أو وادي الأردن سهل خصيب تبلغ مساحته 400 كم مربع يقع على امتداد نهر الأردن ينخفض عن سطح البحر بين 200 – 400م يتألف من ثلاثة أجزاء: غور شمالي وأوسط وجنوبي، ويتألف إدارياً من ثلاثة ألوية، تحول الغور في الثلث الأخير من القرن العشرين إلى ورشة عمل كبيرة امتدت حتى نهاية الثمانينيات شهدت تلك المرحلة مشاريع إستراتيجية كبيرة أهمها بناء المدارس بكافة أشكالها مما أدى إلى توطين التعليم ورفعه إلى مستويات ممتازة، أنشئت الطرق وبني سد الملك طلال ومشروع مدّ أنابيب بدل الأقنية المفتوحة والتي كانت تؤدي إلى تبخر المياه بشكل كبير، أنشئ مصنع رب البندورة وغيره الكثير من المشاريع الكبيرة، لقد شهد الغور بكل مدنه وقراه نهضة بكل نواحي الحياة.
وفجأة في التسعينيات وكأن العجلة توقفت وتم الاكتفاء بما تم إنجازه، توقفت عملية التحديث ولم تُنجز عملية المراكمة على هذه المشاريع منذ ذلك الحين، بل واتجهت بوصلة التنمية إلى مسارات أخرجت الزراعة والمزارعين من سياقها حتى نسبة مساهمة الزراعة من الدخل الكلي للدولة تم احتسابها بطريقة غير منصفة مما قلل الاهتمام بها إلى حد الكفاف، بنتيجة ذلك توقف الدعم للمزارعين وبسببه تدحرج القطاع الزراعي الى أدنى المستويات بالذات أن الدولة لم تقم بتشجيع القطاع الخاص ببناء مصانع تزيد القيمة المضافة على المنتج الزراعي فبقي مادةً خاما تصدر كما هي مما أفقدها القدرة على رفع مستوى الدخل للمنتجين وبقي حجم الصادرات الزراعية في حدود 400 مليون دينار بينما على بعد بضعة كيلومترات تصدر دولة الاحتلال ما يزيد على 13 مليار دولار، علماً بأن المساحة المزروعة لديهم أقل بكثير، لكنهم يستخدمون وسائل وطرق علمية تمكنهم من فعل ذلك وتدعمهم دولة الاحتلال بكل ما أُوتيت من قوة، أما نحن فلم نتمكن من التعلم والله وحده أعلم لماذا لم نفعل ذلك، ومع تداعيات الربيع العربي فقد القطاع الزراعي كل منافذه التي يتنفس منها، فتحول الوضع العام الى حالة من البؤس حيث الفقر والملاحقات القضائية بسبب الديون، وفقد الناس أي أمل بالخلاص بالذات أن الإهمال الحكومي أصبح سمة بارزة تطبع علاقة الحكومات بهذه المنطقة، وبقي أهل المنطقة على أمل دائم بأن تلتفت الدولة إليهم وتنصفهم بإعادتهم إلى مسار التنمية الحقيقي لا المُتخيل.
ويبدو أن الوقت قد حان لتتحقق هذه الأمنية، إذ قبيل أسبوع دُعيت إلى منزل المرحوم الشيخ زيدان المصالحة في منطقة دامية بدعوة من الدكتور محمد المصالحة للقاء سمو ولي العهد الأمير حسين بن عبدالله الثاني وكانت المرة الأولى التي تتاح لي فرصة اللقاء مع شخصية ملكية، وأصدقكم أنني في البداية اعتبرتها مجرد زيارة روتينية للتعرف على المنطقة وبعض شخصياتها لكسب تأييدهم وولائهم، لكن عندما دخل الأمير وبدأ بمصافحة الناس بهدوء ورزانة تثير الانتباه حيث كان يعطي لكل من يصافحه فسحة جيدة من الوقت، وعندما وصل السلام لي شعرت أني أعرفه ليس منذ الآن فقد استطاع بذكاء اجتماعي نادر إشعاري بأنه مهتم جداً بي فقد صافحني بحرارة وكان ينظر بعمق إلى وجه مصافحه، لم أستطع أن أقفز فوق حدسي السياسي في تقييمه فقد أظهر رغم حداثة سنه مقدرة ممتازة على جذب اهتمام الجميع إليه، وعندما جلس في مكانه المخصص تحدث بضع جمل باختصار شديد طلب من الحضور التحدث بمنتهى الصراحة وبدون مجاملات.
وما أن انطلق المتحدثون خُيل إلى أن أحداً ما سيوقفهم فقد كان مستوى الحديث مرتفعاً متجاوزاً للمديح التقليدي حيث دخل المتحدثون مباشرة في صُلب الموضوع وهو في أغلبه شكاوى
وتذمر من الحكومات، لكن لم يوقف أحد الحديث واستمر الأمير بالإصغاء بشكل يلفت الانتباه ويدلل على أن زيارته ليست لكسب الولاء بل لاستكشاف المنطقة من خلال ما يقوله أهلها عنها لا ما يقوله الآخرون، لقد تحدث كل من أراد الحديث وكنت أنا منهم، لقد قلت تماماً ما يجول بخاطري واستمع الأمير بكل إصغاء، كان ذلك بالنسبة لي وللجميع بادرة ممتازة تدلل على أنه يريد أن يكوّن فكرة ربما تمهيداً لشيء ما لا أعرفه، لكني أصبحت واثقاً أن الأمير عندما قرر الجلوس مع الناس كان في جعبته ما سيقدمه مستقبلاً، ولا أتصور أن الأمر سيقتصر على مشروع هنا أو هنا بل إن حدسي يقول إن الأمير سيتبنى مشروعاً تنموياً شاملاً يحول المنطقة من الاعتماد على موارد الدولة إلى رافد لها، من بؤرة للفقر والعوز إلى منطلق للتنمية البشرية، من نقطة انطلاق للتصحر بسبب البناء الجائر إلى عودة ميمونة إلى الخضرة اليانعة، وربما من الـ 400 مليون إلى أربعة مليارات، ولم لا فالإمكانات البشرية متاحة والأرض متوفرة يكفي أن تتوفر النية والإرادة لذلك وإخالها موجودة لدى الأمير.
أنا كلي ثقة بأن الأمير قادر على أن يمُد طوق النجاة لهذه المنطقة التي أبتُليت بالإهمال واللامبالاة ليرفعها الى مركز الاهتمام على كافة المستويات، وأنا واثق أن أيادي جميع أهالي المنطقة ستعضده في مسعاه النبيل، لكن ما لفت انتباهي هو غياب لقاء الأمير عن كل وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، هل لأن الأمير ترك فسحة واسعة من الحرية للمواطنين عبروا فيها عن أنفسهم بدون مواربة فمارست جهات ما لا أعرفها الرقابة على اللقاء ومنعته من الظهور إعلامياً؟ لا أدري، لكن بدون شك أن جهات كثيرة يسوؤها أن يقول الناس ما يريدون، لكني واثق أن الجميع كان سعيداً بالأمير وأنهم أمام مشروع لقائد بمواصفات مميزة وفريدة.
هل يمد ولي العهد طوق النجاة للأغوار؟ د. منذر الحوارات
10
المقالة السابقة