عروبة الإخباري -– معهد الإعلام الأردني – سوسن أبو السُندس
مع تطور التكنولوجيا الرّقميّة، وما فرضته من تفاعل وتواصل كبيربين الناس، بدأت تلوح في الأفق مخاطر رقميّة لا بد من التعامل معها، أهم تلك القضايا التدفق الكبير للمعلومات إمّا عبر المحتوى الخاص بوسائل الإعلام، أو المعلومات الشّخصيّة التي يقدمها المشترك عن نفسه على منصات التواصل الاجتماعي، لذلك تسعى التربية الإعلاميّة والمعلوماتيّة إلى تمكين المتلقي من التفاعل الموضوعي مع الشبكات الرقميّة بطريقة نقديّة مسؤولة وأخلاقيّة، إضافة إلى توعية المتلقي على ضرورة تأمين المعلومات الخاصة التي يتم تداولها عبر شبكة الانترنت وحمايتها من كل المخاطر المحتملة التي يمكن أن تهددها، إذ أصبح الإنترنت اليوم مركزا لجميع الأنشطة مثل المعاملات المالية والمهام الترفيهية أوحتى التعليمية وغيرها.
في الأردن هناك ما يربو على 9.4 مليون مستخدم للإنترنت، بحسب ما جاء في التقرير السنوي لعام 2019 الصّادرعن هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، بنسبة اختراق بلغت 89% من إجماليّ عدد السكان، مما يعني تزايدًا في الإعتماد على الإنترنت كخدمة أساسية وليس ضربًا من ضروب الرّفاهية، ومع هذا التّطور الرّقمي أصبحت الحاجة مُلحّة إلى تطوير وسائل حماية البيانات والمعلومات الشّخصية، إضافة إلى الحفاظ على الخصوصية الرّقمية وما يتعلق بها من حفظ الملفات والصور الخاصة والحسابات البنكية الّرقمية، وحمايتهم من الإنتهاكات، وهذا ما يعرف بالأمان الرقمي.
وعلى ذلك أصبح مشروع التربية الإعلامية والمعلوماتية يُعنى بـ زيادة الوعي الرقمي ونشر ثقافة الحقوق الرقمية التي باتت جزءًا من حقوق الإنسان، إذ أصبحت الدول مُطالبة باتخاذ إجراءات كفيلة لتحقيق حرية الوصول إلى الإنترنت بيسرٍ وأمان، وتقدم التربية الإعلامية والمعلوماتية طرق حماية المستخدم من مخاطر الإنترنت ومن البرامج الخبيثة والتجسس والتصيد وغيرها من التهديدات الإلكترونية، التي قد يتعرض لها الافراد والمؤسسات، والمتسببة بآثار نفسية علاوة عن خسائر مادية بمليارات الدولارت.
كما تهتم التربية الإعلامية والمعلوماتية بزيادة حذر المستخدمين عند مشاركة المعلومات الخاصة، فالبيانات الشّخصية العادية مثل مكان الإقامة أو الاهتمامات الفردية عند معالجتها وإعادة تبويبها عن طريق خوارزميات معينة، تصبح تلك المعلومات قيّمة جدًا تُباع وتُشترى من قبل الراغبين باستهداف جمهورمعين إما للترويج لـ سلعة ما أو فكرة معينة.
لا تتوقف التربية الإعلامية والمعلوماتية عند نشر التوعية الرقمية فحسب بل تتجاوزه إلى تحديد المخاطر الاجتماعية التي تواجه الأجيال بسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، كالتطرف و خطاب الكراهية والابتزاز والتنمر الالكتروني وغيرها من الممارسات السلبيّة.
ويعتبر التنمر الإكتروني ظاهرة متنامية يقصد به الإساءة أو الإستقواء أو أي تصرف تعسفي ضد شخص آخر، وأظهرت دراسة لـ”هيئة تنظيمية للاتصالات في بريطانيا” Ofcom” أن أربعة من كل 10 أطفال تتراوح أعمارهم بين 8 و 17 عامًا، قد تعرضوا للتنمر بشكل عام، بنسبة تصل إلى 39%.
لذلك تقدم التربية الإعلامية سُبلا لمواجهة التنمر الإلكتروني ابتداءً من إدراك المشكلة وفهمها ووصولًا إلى الإجراءات المتبعة سواء كانت قانونية أوحتى نفسية في حال التعرض إلى هذا النوع من الإساءة، إضافة إلى تأهيل المعلمين وأولياء الأمور للتعامل مع أبنائهم في حال تعرضهم للتنمرالإلكتروني.
وتلقي التربية الإعلامية والمعلوماتية أيضًا الضوء على خطورة الألعاب الإلكترونية عند الأطفال، إذ يشير التقريرالصادر عن اليونسف بعنوان “حالة أطفال العالم لعام 2017 الأطفال في العالم الرقمي” إلى أن المخاطر التي يواجهها الأطفال على الإنترنت – من التنمر إلى إساءة استخدام معلوماتهم الخاصة والإساءة إليهم واستغلالهم جنسيّاً عبر الإنترنت، وعلى ذلك يقدم المساق طرق وقائية ورقابية للحد من انتهاك خصوصية الأطفال وحمايتهم من أي خطاب موجه يُنمي عندهم حسّ الكراهية والتطرف ويجعلهم عرضة لأيدولجيات دخيلة.
ويبقى التساؤل مطروحًا عن العلاقة بين الإعلام والرقمنة، إذ لا يخفى على أحد أن الإعلام الرقمي أصبح واقعًا مفروضًا، حيث تتيح شبكات التواصل الاجتماعي للأفراد الإنغماس في بيئة تفاعلية مع الآخرين، وهذا الأمر يتطلّب من المستخدم تعميق مهارات التربية الإعلامية التي تتمثل في التفكير الناقد لمحتوى الرسائل المتبادلة حتى ولو كانت خاصة، إضافة إلى تكريس ثقافة التحقّق من المعلومات قبل تداولها أو نشرها، وتعزيز الالتزام بأخلاقيات النّشر خصوصاً بما يتعلق بتحليل المعلومات والأخبار والصور ومقاطع الفيديو وطرق التحقّق منها، ومعرفة مصادرها الحقيقية، مما يمكن مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي من تلافي التجاوزات القانونية والأخلاقية، وحماية أنفسهم من الرسائل الإعلامية والأجندات المبطنة.