الوضع الفلسطيني كارثي بكل المعاني، هذا ألطف وصف للواقع الذي نعيشه جميعا، وأعني هنا واقع الشعب الفلسطيني ليس فقط في الأرض المحتلة عام 1967، وإنما على مستوى فلسطين التاريخية والشتات، وسبب كل هذا الوضع نحن صنعناه بأيدينا وقتما انفضضنا عن منظمة التحرير الفلسطينية التي شكلت الهوية المعنوية والسياسية للكل الفلسطيني بعد نكبة العام 1948، وقيام “دولة إسرائيل” بمؤامرة عالمية تجسدت بإعلان بلفور الغير أخلاقي والغير قانوني عام 1917.
وبعيداً عن مؤثرات الاحتلال، وبعيداً أيضاً عما حيك ويُحاك ضدنا من مؤامرات على أيدي عربية وإقليمية ودولية، إرضاءً لدولة الاحتلال والحركة الصهيونية ونُصرائها من الصهيونية المسيحية، – التي لا تمت للدين المسيحي بصلة -، إلا أنه وللأسف، عن وعي أو بغير وعي، تم استخدامنا لدك قلاعنا من الداخل، وتجلى سوء الوضع الفلسطيني بظهور الانقسام في حزيران من العام 2007، الذي كسر ظهر القضية، وها هو استمراره يدمر ما تبقى من مشروعنا الوطني. وما نتجه عنه من تغييب مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وتعزيز دور “السلطة الفلسطينية” بديلاً للمنظمة .
إذا لم يكن لدينا جميعاً القدرة في الوقت الحالي للاتفاق على برنامج وطني تحرري يفضي إلى إنهاء الاحتلال وصولاً إلى حقنا في تقرير مصيرنا كحق طبيعي وقانوني، فمن العار علينا أن نهرب إلى الخلف ونستجدي “حل سياسي” يقطع الطريق أمام الأجيال القادمة في الوصول إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال.
الكل يعلم بأن اتفاق أوسلو اتفق عليه كاتفاق مرحلي في ظروف معقدة الا انه أحدث شرخا داخليا فلسطينيا، وأدخلنا في دوامة لم نستطع لغاية الآن الخروج منها، ولا أحد الآن يستطيع الإنكار بأن هناك من هو مستفيد من استمرار هذا الوضع، وإلا لماذا فشلت كل محاولات ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، وأتحدث هنا فقط عن إنهاء الانقسام، بل أيضاً عن الحالة الفلسطينية بشكل عام.
الضعف الفلسطيني ظهر جلياً في الآونة الأخيرة في حالة المقاومة التي ظهرت في مناطق متفرقة من الضفة الغربية، لم تجد لها حاضنة من الأحزاب والتنظيمات ومن “السلطة الفلسطينية” ، بل تُركت هذه الحالة لتواجه مصيرها لوحدها، فلو أرادت هذه الجهات أن تعيد الزخم للعمل الوطني المقاوم، وأن تعيد الالتفاف الشعبي حولها، وأن تنال بعضاً من ثقة الجماهير التي خسرتها، نتيجة حساباتها الضيقة، لاستطعنا جميعاً خلق حالة تكامل فلسطيني – فلسطيني تُشكل قاعدة انطلاق مهمة لإنهاء خلافاتنا وتوجيه كل تناقضاتنا الداخلية باتجاه التناقض الرئيسي مع الاحتلال، ولكننا للأسف في طريقنا إلى الفشل إذا لم نتدارك الأمر.
تخيلوا معي لو أننا، رسمياً وعلى مستوى المنظمة والسلطة والأحزاب، استطعنا احتضان ظاهرة المقاومة لهؤلاء الشباب الانقياء وطنياً، وفي ذات الآن استطعنا أن ننجز اتفاق جدي في الجزائر لإنهاء الانقسام، وترتيب وضعنا الداخلي بإتجاه دمقرطة الحياة الفلسطينية بكل مكوناتها، وقلنا لأبناء الشعب الفلسطيني أولا، وللعالم أجمع ثانياً نحن ذاهبون نحو انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني، وانتخابات لكل النقابات والاتحادات والهيئات، لإعادة تجديد الشرعيات المتآكلة، والنهوض من جديد، والدخول إلى معترك الوصول إلى حقوقنا أقوياء متماسكين متفقين.
لقاء الجزائر فرصة تاريخية للخروج ليس فقط من حالة الانقسام بل أيضاً للخروج من كل هذا الوضع الفلسطيني المزري، فالجزائر التي احتضنت بدايات الثروة الفلسطينية في أوائل ستينيات القرن الماضي، ومنها أعلن القائد الرمز الشهيد ياسر عرفات “قيام دولة فلسطين” وفيها ومنها انطلقت وثيقة إعلان الاستقلال عام 1988، وهي ليست وثيقة سياسية أو قانونية بل هي أيضا تمثل العقد الاجتماعي والسياسي والأخلاقي بين الكل الفلسطيني، وبين الفلسطينيين والعالم، فليس من الاخلاق أن نُفشل الجزائر، التي بقيت وفيةً للشعب الفلسطيني، وليس من قيم الشعب الفلسطيني أن يقطع اليد التي تمتد لإنقاذه وإخراجه من هذا الضياع الوطني.
بعد ساعات ستبدأ القمة العربية في الجزائر العاصمة، ونحن متفائلون من قمة الجزائر لإنها على أرض الجزائر التي جعلت من القمة قمة فلسطين وهنا أقول، إذا ما عملنا نحن الفلسطينيون على “تقليع شوكنا بأيدنا، وإذا ما زودنا أصحاب القمة العربية “بسكين جيد” حتماً سيكون هناك ما ينفع الشعب الفلسطيني ونضالاته من نتائج هذه القمة.
المسؤولية أولاً وأخيراً تقع على عاتقنا، وعلينا أن نتدارك الأمور، ونعطي أنفسنا أولاً والجزائر ثانياً ما يمكنها أن تحارب به أمام القمة العربية لصالح المشروع الوطني الفلسطيني، وإذا لم نفعل ذلك، وأعني هنا إذا لم تفعل التنظيمات والأحزاب والمستقلين الذين اجتمعوا في الجزائر ذلك، فعلينا جميعاً أن نتنحى جانباً، لأنه من غير المعقول ومن غير المقبول أن يتم رهن مستقبل الشعب الفلسطيني بأيدي لا تستطيع أن تتجاوز خلافاتها، ولا تريد تغليب المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني على مصالحها الشخصية والحزبية الضيقة.
وأخيراً أقول بأن مستقبل الشعب الفلسطيني، على الأقل على المدى القريب والمتوسط، مرهون بأدائنا خلال الساعات القادمة، وإن لم نفعل سنواصل السقوط في بئر ليس له قاع، وسيواصل الاحتلال سياساته الاستيطانية الاحلالية، حتى نصل نحن إلى مكان ليس فيه شيء نبني عليه دولتنا، لذلك أقول إذا لم نكن على قدر المسؤولية فلنتنحى جانباً، ولا نغلق الطريق أمام الأجيال القادمة في الوصول إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة والحرية والاستقلال وبناء الدولة على كامل التراب الفلسطيني. وكلي امل باستثمار فرصة الجزائر في عهد السيد الرئيس عبد المجيد تبون المخلص للقضية الفلسطينية والاخ الرئيس ابو. مازن الذي حافظ على ثوابت الشعب الفلسطيني .
مستقبل المشروع الوطني مرهون بأدائنا خلال الساعات القادمة وقمة الجزائر محطة تاريخية منيب رشيد المصري
11
المقالة السابقة