عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
كنت في رام الله وقد التقيت الكثير من الاصدقاء والمعارف ممن لهم دور اجتماعي او عام، وقد مكنتني اقامتي القصيرة من الحديث مع العاملين في المطاعم والتاكسي والفنادق وحتى مع طلاب في جامعة بيرزيت واخرين ممن يقيمون داخل المدينة او ممن يأتون من الاطراف.. كنت اتعمد ان اسأل عن اخر التطورات السياسية والامنية خاصة وانني شهدت الاضراب الشامل الذي ساد كل الضفة الغربية بما في ذلك رام الله..
ما لاحظته خلاف زيارتي السابقة هو ازدياد شعبية الرئيس محمود عباس وتعاظم الاجماع على قيادته، خاصة بعد خطابه في الامم المتحدة وهو الخطاب الذي صاغ رؤيته القائمة ونهجه المستقبلي الذي فتح عليه باب النقد والهجوم الاسرائيلي الارهابي الذي ادرك ان الرئيس يعكس مطالب شعبه وينحاز الى انطلاقته الوطنية الجديدة التي يجري التعبير عنها الان على الارض الفلسطينية في الاشكال المتجددة من المقاومة على مختلف الأصعدة..
يجري الان اعادة صياغة الشارع الفلسطيني وفهم اعمق لمفهوم المقاومة الشعبية بمعناها الواسع، والرئيس لم يقل بغيرها حين واصل الدعوة اليها باعتبارها المخرج ونقطة الارتكاز والتوازن، وقد لفت احد من حدثتهم وهو سفير سابق ان الرئيس لم يصف المقاومة الشعبية الواسعة بالسلمية، وان لم يقل في وصفها خلاف ذلك ، بل ان مفهوم المقاومة الشعبية وهو حق مطلق للشعب الفلسطيني جرى التعبير عنه باشكال من البطولات التي ترجمها الشعب الفلسطيني في اكثر من موقع وتخت اكثر من تسمية..
الجديد ان الفلسطينيين الذين خبروا الاحتلال وجنوده المدججين بالسلاح لم يعودوا يخشونهم او يترددون في الصدام معهم باشكال مختلفة مما يتاح لهم، فهم يقاومون بأيديهم وبالحجر والحاجز، وقد رأيت كيف توجه النساء لكماتهن لوجوه الجنود والمجندات الذين يتراجعون ويخافون..
الفلسطيني لم يعد يعبأ كثيرا بهذه الاشكال المدججة من الجنود والحشود، بل انه راح يصادم على نقاط التماس والحواجز وبوابات المستوطنات، وهناك نماذج عديدة مما قدمه الشهداء في هذا المجال، ولست بصدد ذكر الاسماء المتكررة يوميا والتي لم تعد استثناء..
ان فشل اسرائيل في استيعاب ضرورات المقاومة الشعبية الفلسطينية ونضجها لدى قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني دفعها لمواصلة الاتهامية وكيل التهم للرئيس أبو مازن ومحاولة تحميله المسؤولية عما يحدث، وهي تدرك ان ذلك من صنيع الشعب الفلسطيني ومن ابداعاته النضالية، وان السلطة ما زالت ملتزمة بالكثير من المواقف التي هدد الرئيس عباس بالانفكاك عنها، وهذا ما ورد في قرارات القيادة الفلسطينية التي اتخذت على مستوى اللجنة التنفيذية ومركزية فتح وعلى مستوى القيادات التي التقت في الجزائر لتؤذن ان عهد جديدا قد يبدأ..
ما زال أبو مازن هو الشخصية الوحيدة من القيادات التاريخية القائمة الذي (يمون) ويستطيع ان يجمع الخيوط كلها بيده.. وهو حريص على ذلك ويدرك اهميته ذلك..
وهناك تقدير كبير لنهج الرئيس محمود عباس تعكسه الدبلوماسية الفلسطينية التي يقودها من خلال لقاءاته مع زعماء العالم وزياراته الموصولة للكثير من العواصم، واخرها كانت لكازخستان ولقاء الرئيس بوتين في القمة هناك، وزيارات سبقتها لرومانيا وفرنسا واسبانيا وتركيا وعديد من العواصم وكلها اكدت قبل زيارته للامم المتحدة وبعدها حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس، وأكثر هذه الدول في الجمعية العامة داعمة للاعتراف بالدولة الفلسطينية ومؤيدة الرئيس عباس وحتى دول الاتحاد الاوروبي التي تحاول الخروج من الضغط الامريكي لتفي بالتزاماتها المالية في مساعدة السلطة الوطنية الفلسطينية وتأسيس موازنتها بعدما حاولت الضغط على السلطة بخصوص المناهج التعليمية، ورغبة الادارة الامريكية التي تبدو في كل يوم اكثر ارتهاناً للسياسة الاسرائيلية واكثر تماه فيها رغم ان رئيس الادارة الامريكية وعد بغير ذلك بعد نجاحه..
العالم يتغير والرئيس عباس يدرك ذلك ويلتقط ذلك، وهو يعلم بحكم خبرته ودراساته وتخصصه ان اسرائيل ولدت بصيغة دولية وفي مفاصل تاريخية بعد الحرب العالمية، وان العالم الآن يعيد موضعة كثير من مكوناته السياسية، وعلى الفلسطينيين ان يستفيدوا من ذلك وان يجهزوا انفسهم وفي مقدمة ذلك المصالحة ووقف الانقسام وتشديد المقاومة الشعبية التي تتصاعد مع الجهد السياسي والدبلوماسي..