في تجاوز على الترتيب فيما كتبته من مقالات حول (رانيا العبدالله وأنسنة السلوك) هنا أرتئيت أن أجد مقاربة بين النظرية والتطبيق وذلك من خلال هذه المقاربة وترجمتها على الواقع لذلك تابعت جلالتها وحضورها المباشر في فلك الدورة السابعة والسبعون لجمعية الأمم المتحدة وأعني المؤسسات المدنية والمجتمعية والأهلية المساندة فيما يخفف على الرأي العام العالمي من وطأة الحرارة المطلقة السياسية لهذه الدورة لذلك عندما تابعت نشاطات جلالتها وخاصة في قمة الأبتكار الأولى لجائزة إيرث شوت بصفتها عضواً في مجلس الجائزة
عندها فوجئت بحقيقة أن جلالتها منذ زمن تنبهت إلى ضرورة محاربة ظاهرة الأحتباس الحراري ومستويات ثاني اكسيد الكربون التي تضاعفت بشكل ملحوظ والتي بدئنا نلمس نتائجها من خلال التحولات المناخية التي نسمعها كل يوم من فياضانات وجفاف وفوضى الفصول
ليست عضواً نشيطاً أو مشاركاً فقط بل أنها عضوة في مجلس جائزة إيرث شوت العالمية وهذا يعني أن جلالتها مرجعية في إختيار صاحب الجائزة سواءً كانت مؤسسات ام أفرادًا
وهذا الجزء يرسخ مع ما كنت قد ذكرته في مقالاتي السابقة حول إنسانية التوجه والنهج لدى جلالة الملكة ليس فقط على الصعيد المحلي إنما مع دعم كل مؤسسة دولية تنتهج أنسنة السلوك في مخرجاتها والتي هي حريصة كل الحرص على التخفيف من وطأة الكوارث التي يسببها التحول المناخي والذي نحن الجزء الأصيل في التطور السريع لآثار هذه الظاهرة فالأنسان هو العامل الحاسم في هذا الأتجاه وخاصة الدول الصناعية الكبرى والتي تتخذ إجراءات متواضعة قياسا لحجم المشكلة العالمية فهي ايضا عابرة للطبقات والقارات والنوع الاجتماعي فهي شبيهة بحجم تأثيرها كجائحة كورونا ولكنها أكثر خطورة على العالم
هذا الوعي لدى جلالة الملكة يأتي من خلال فلسفة تكوينها الفكري التي تنطلق منه ابتداءاً من البعد الأنساني العاطفي ولكنها في نفس الوقت قادرة على طرح مبادرات ترتكز على بناء ادراكي حقيقي للتحولات في الأطار المجتمعي والتي هي نتيجة طبيعية للتحولات الطبيعية وتغييب البعد البيئي والأنساني في سياق اتخاذ القرارات ذات الابعاد الدولية
هذا المزج ما بين البعد العاطفي والروحي والقدرة العقلية على إستشفاف إطار ظواهر اجتماعية قادمة ستنعكس إنعكاسا كليا على المجتمعات الأقل نمواً والتي هي مع كل هذه الاثار ستكون كبش فداء لشعوب العالم الثالث حسب التعبيرات الدولية هذه هي جلالة الملكة
فمحورية الانسان هي عنوان قائم في إي مكان وليس فقط في البعد الوطني او الاقليمي فهي ركيزة من ركائز حكماء المجتمع المدني فرغم هذا البعد العاطفي والأنساني لكنها عندما تشخص مشكلة محددة لا تتردد ابدا في الاشادة مباشرة الى من تسبب في هذه المشكلة ولذلك فقد قالت جلالتها وبكل حزم (أنه من خلال هذا الوقت من التقلبات المتزايدة لا يمكن لأحد أن يبقى على الهامش أو ان يدعي أن تغير المناخ هو مشكلة الآخرين أو أن يتجاهلها ويتركها للأجيال القادمة لمعالجتها )
أن هذه الكلمة تظهر أن جلالتها على إضطلاع مباشر على الاقتراحات الدولية لمعالجة الظاهرة وأن هناك ما يتداول في الظل حول ان على الأجيال القادمة معالجة مشكلاتها فيجب ان تترك مشاكل المستقبل للأجيال القادمة وهنا أكدت جلالتها رفض هذا المفهوم رفضاً مطلقاً برسالة واضحة المعالم في عنوانها
علاوة على ذلك فقد تطرقت جلالة الملكة الى الأمن الغذائي العالمي كمعضلة تتطلب حلاً مستداماً واشارت الى من يعنيه الأمر أن كلفة التقاعص عن العمل أسوء من أي كابوس داعية الى ان يجعل الأمل يقودنا بدلاً من الخوف ويدفعنا الى التفاؤل لا لليأس
أن التشاؤم أو اليأس على الصعيد الوطني قد محاه جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين من قاموس الوعي الجمعي عندما كان يقول فلنحول كل أزمة الى فرصة وهنا جلالة الملكة رغم قساوة كلمتها على المعنيين بالأمر إنما ربطت ذلك بأن التفاؤل هو المحرك الحقيقي عندما قالت
(يجب أن نجعل الأمل يقودنا من الخوف ويدفعنا للتفاؤل لا لليأس لأن الأمل ليس خامداً بل هو المصدر الأساسي للطاقة المتجددة)
كل ذلك ورغم متابعتي الحثيثة للانشطة الدولية والمحلية لجلالتها إنما كان غائباً عني (البعد المناخي) فكيف على مستوى الوعي الجمعي الاردني والذي يعتز بمستوى الاحترام غير المسبوق والتقدير لجلالة الملك والملكة والذي ينعكس مباشرة على مستوى الأحترام والتقدير للمواطن الاردني
إنما وجد ان المضمون الفلسفي والركيزة الفكرية التي اذهلتني تلك المقولة والتي عنونت بها مقالتي هي جدلية الخامد والمتجدد والتي تعني بجوهرها أن الأضضاد تعني الحركة وكل متحرك لا بد أن يبدع لأنه منغمس في ذلك الحراك وليس خاملاً يتكأ الى أولائك دون أن يقدم المشورة والنصيحة
أن من يلاحظ مدى الاهتمام ومدى قوة كلمات جلالتها على مستوى المؤتمرات الدولية تترسخ له قناعة مطلقة بأن جلالتها منغمسة في الهم الوطني وفي الهم الانساني الدولي لانها ومن باب المرجعية الأسرية هي أم حريصة على أن أبنائها سيكونون قادرين على العيش في هذا الكوكب من خلال ما ساهمت البشرية كلها في إنجازه عندما تصدرت وبشكل مسؤول لظاهرة الاحتباس الحراري فالوقت لم يفت بعد
جلالة الملكة رانيا العبدالله الأمل ليس خامداً هو مصدر الطاقة المتجددة د. ردينه العطي
13