عروبة الاخباري – كتب سلطان الحطاب
قضى الصديق سعد المجالي في حادث مفجع اثناء مروره في الشارع، وقد حط الخبر المفجع علينا كالصاعقة، سيما وانني رأيته صباحا ليأتيني خبر وفاته في المساء..
كان مملوءاً بالحيوية والتفاؤل وهو كالشجرة المثمرة لكثرة اصدقائه من الاردن وفلسطين، فقد أحب فلسطين واهلها وعاش فيها اكثر مما عاش في الربّة في الكرك مسقط رأسه، وقد ناضل في صفوف المناضلين من أبنائها وخدم محافظاً في الداخلية وتولى محافظة “ابو ديس”.. ويقول عنه من عرفوه وتعاملوا معه انه كان يحل مشاكلهم بسرعة وان لم تكن عنده انتقل بهم ليساعدهم في حلها..
تقاعد برتبة وزير ولم ينقطع عن فلسطين ابداً، فما ان تسأله حتى يقول لك ذاهب او عائد، فقد ادمن على حب اصدقاءه الذين كانوا يأتون لزيارته باستمرار، فيصحبهم الى الكرك ..
يرحل سعد المجالي فقيرا لا يلوي على شيء فراتبه التقاعدي لا يكفي حاجاته خاصة حين كانت الرواتب تصل بالتقسيط لعجز موازنة السلطة بسبب مصادرة الاموال على يد الاحتلال وتحويلها الى ورقة ضغط..
لم تنل الظروف القاسية التي عاشها من مواقفه ولم تجعله ينقلب على الثوابت التي اعتقدها، فقد كانت القضية الفلسطينية قضيته، وهو لا يميز بين الكرك ورام الله .. لقد ظل ينحاز الى عدالة القضية ويدافع في وجه ظلم اهلها ومعاناة الكثيرين منهم ..
عاش سعد يتيما منذ استشهد والده في مبنى رئاسة الوزراء الأردنية، حين جرى اغتيال الشهيد هزاع المجالي في الرئاسة بالنسف، فقد كان والده جمال في زيارة قريبه هزاع المجالي حيث استشهد، ولما اصبح شابا درس الطيران في باكستان وعمل مع الرئيس الراحل ياسر عرفات الذي انزله منزلة ابناء الشهداء، وتنقل في صفوف الثورة الفلسطينية .. واستقر اخيرا في عمان، وقد خلف اولاده الثلاثة الذين ما زالوا في صف البطالة وعدم العمل لعدم توفر الوظائف او فرص العمل لهم بعد دراستهم الجامعية..
ظل سعد عفيف النفس مثابرا عصاميا، وقد سار على دربه شقيقه سعود الذي درس في موسكو وعمل فيها قبل ان يعود الى الأردن، كما ان شقيقه الثالث هو سامح الذي كان محافظا في الداخلية…
كنا على موعد ان نسافر معا الى رام الله، وقد أجلنا السفر يوم استشهاد المناضلة شيرين ابو عاقلة ،وعدنا نحدد الموعد.. امس الاول التقينا في الجوازات العامة حيث كان في صحبته صديقه حافظ البرغوثي الذي جاء لاستخراج جواز سفر اردني، وتواعدنا ان نلتقي في المساء فلم يأت وانما جاء خبره ونحن ننتظر.. فقد اتصل احد اصدقائه لينقل لنا الخبر المفجع..
يمضي سعد جمال المجالي وقد ترك سيرة طيبة حسنة التزم فيها باخلاق المناضلين، وظل الى اخر لحظة يدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ويتصدى للمتسكعين والشعاريين والمزايدين والذين في نفوسهم مرض، وكثيرا ما كنا نقول له دع الاخرين يعتقدون ما يعتقدون وامض في سبيل حالك وبقناعاتك، ولكنه كان يضيق بهم ويرد عليهم، وقد واجه عنتا وتحامل البعض عليه، ولكنه ظل محبوبا في اهله وفي معارفة جميعهم ، وقد حزن لرحيله الكثيرين، حتى ممن لم يعرفوه عن قرب او التقوا به..
يؤمن سعد ان الشعب الفلسطيني سيصل الى اهدافه في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وهو يؤمن ان الشعب الفلسطيني قادر على انتزاع النصر ان احسن تحديد الهدف وأعد الاداة المناسبة.. فقد ظل سعد منخرطا في النضال، وكان ابن فتح وقد ظل يعتز بها وبقيادتها ، وكان على صلة طيبة مع الرئيس الراحل عرفات الذي كان يحبه ويقربه، كما ظل على علاقة طيبة بالقيادة الفلسطينية التي حفظت له مكانته وعطاءه..
يرحل سعد وهو محب للحياة فاعل فيها، ولكن القدر كان بالمرصاد، والموت هو الحقيقة غير القابلة للجدل .. يخفف منه ويعزي به ما يقدم الانسان من عمل يذكر به..
كلّ ابن انثى وإن طالت سلامته .. يوما على آلة حدباء محمول
رحمك الله يا سعد وغفر لك واسكنك فسيح جناته وانا لله وإنا اليه راجعون..