عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
تعيش العلاقة بين القيادتين الاردنية والفلسطينية ذروة صفائها وتفاعلها وحرصها على الاستمرارية وتحصين شبكاتها من الاختراق او الاستعداء او الفوضى واستمرار صيانة وتقوية شبكات التواصل والمعلومات عبر اكثر من قناة ووسيلة متفق عليها..
كان الرئيس عباس قد ذكر لي انه يضع الملك عبد الله الثاني في الصورة دائما، وفي التفاصيل، كما يضع المخابرات ووزارة الخارجية ويحرص على ان يظل الاردن في صورة مجريات القضية الفلسطينية وتفاعلاتها، وهو الامر الذي يعتقد الرئيس ابو مازن ان الاردن يفعله ايضا..
هناك ثقة خاصة تولدت بين القائدين الملك عبد الله الثاني والرئيس محمود عباس وهي ثقة قديمة نمت من خلال الاختيار والمسؤولية، فقد ظل الرئيس محمود عباس يؤمن باختلاف الدور والموقف الاردني عن اي ادوار او مواقف عربية، وان الاردن وفلسطين في مواقفهما المتداخلة لا يقبلان القسمة، وان القسمة او الابتعاد لاحدهما عن الاخر يلحق الضرر بمصالحهما..
وفي هذا السياق ادرك الاردن ومنذ تولي الملك عبد الله الثاني لمسؤولياته ان الحل للقضية الفلسطينية لا بد ان يكون فلسطينيا بمعنى ان يكون الفلسطينيون هم حجر الزاوية ورأس الرمح والجهة الاساس فيه لتكون دولتهم الفلسطينية المستقلة على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشرقية.. وهذا الموقف الاردني بقي راسخا ثابتا لم يتغير رغم الضغوط متعددة المصادر والاشكال، ورغم تبدل مواقف الكثير من العرب خاصة بعد موجات التطبيع المجاني التي حشرت بعض العرب في الخندق الاسرائيلي، وجعلت منهم متطوعين لصالح الرواية الاسرائيلية وخدمتها..
عمل الاردن بقيادة الملك عبد الله الثاني من تميز علاقاته مع الفلسطينيين على ارض وطنهم ومع قيادتهم الشرعية قيادة الرئيس محمود عباس، ففي الوقت الذي ذهب فيه بعض العرب الى النقب لحضور مؤتمر بقيادة اسرائيلية ارتكبت فيه كبائر، ذهب الاردن من خلال شخص الملك وحكومته وكبار المسؤولين الى رام الله، حيث اكد الملك بالفم الملآن قوله “اننا والفلسطينيين في خندق واحد” ، وقوله “لا شرق اوسط جديد بدون الفلسطينيين”، وبقي الاردن يمسك بحل الدولتين رغم الضغوط المتعددة التي بعضها كان عربيا..
الجديد في العلاقة الاردنية والفلسطينية هي دخولها الان مرحلة جديدة في محاولة التعاضد والتعاون والصمود وتفويت الضغوط والابتزاز الاسرائيلي، ولما كان الملك يبدأ زيارة للولايات المتحدة بعضها رسمي يلتقي فيه قيادات امريكية في البيت الابيض والكونجرس والبنتاغون ويبحث قضايا مهمة ومصيرية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، فقد رأى الملك وجوبا ان يتشاور مع قائد الشعب الفلسطيني ويتبادل معه اخر المعلومات وما يمكن ان يتجدد طرحه على القيادة الامريكية التي يرى الملك ضرورة ان تخرج من التحرك الروتيني البطيء الى حركة فاعلة تكسر حالة المراوحة وتضع حدا للتمادي الاسرائيلي المعلن في ممارسات الاحتلال التي تدفع الى مزيد من التوتر، وربما الخطر الذي يبلغ ذروته الان في رمضان وما يليه كما هو قائم الان من تعديات اسرائيلية..
ورغم النصائح الاردنية للقادة الاسرائيليين الثلاثة الذين زاروا عمان بضرورة عدم تجاوز الواقع القائم الى التوتر وعدم التصعيد في القدس وخلافها وضرورة قبول مفاوضات حقيقية تتبع مواقف تقرب تسوية حقيقية مع الفلسطينيين عنوانها اقامة الدولة الفلسطينية، رغم كل ذلك فإن سلطات الاحتلال وقادته ما زال يرون مصالحهم فقط، وما زالوا يدفعون الحال الى مواقف اكثر تشدداً وتفجرا وخطرا، وهو ما اغضب الملك في الاونة الاخيرة وجعله يؤكد ان الدور الاردني لن يكون الا في الخندق الفلسطيني، وان الاردن سيبقى على مواقفه التاريخية المعلنة، وانه لا يمكن ان يقوم بأي دور وظيفي او فيه خدمة للخطط الاسرائيلية او قبول الرواية الاسرائيلية في اتهام الشعب الفلسطيني وقيادته..
الاردن هو اكثر الاطراف العربية معرفة بالقضية الفلسطينية وتطوراتها، وهو يدرك ان أمنه الوطني والقومي من الأمن الفلسطيني، ومن ضرورة ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وان عدم ايجاد مثل هذا الحل يعرض الامن الوطني الاردني للخطر او يقيم حلولا على حساب الاردن وامنه ومستقبله..
ولذا فان الخلافات الاردنية الاسرائيلية تتعمق ويسجل الاردن مواقفه عليها بدعوته الى ممثل سفارة اسرائيل في الاردن لتقديم المزيد من الاحتجاجات، وهذه العلاقات الاردنية الاسرائيلية مرشحة لمزيد من التدهور والجمود والتوتر الذي قد يجعلها في مهب الريح، خاصة وان الشارع الاردني يرى ضرورة طرد السفير وضرورة اعلان مواقف اردنية اكثر تصلبا في سبيل القدس ودعم الشعب الفلسطيني ونضاله..
وهذا ما اكده الملك واكده رئيس الوزراء بشر الخصاونة ايضا في اكثر من مناسبة.
الملك يزور الولايات المتحدة الان ويريد ان يسمع لاخر مواقف وتصورات الرئيس عباس ولهذا بادر الى دعوة الرئيس عباس، وقد ارسل لسيادته طائرة الهليكوبتر التي جاءوا به من رام الله الى عمان ليلتقيه ويتحدث معه ويضعه في الصورة وتصورات القيادة الفلسطينية التي اتخذت جملة من القرارات برسم التنفيذ، واعطت مهلة لغاية شهر (9) سبتمبر القادم..
الحرص الاردني هو الذي دفع الى استقبال الرئيس واعادته الى رام الله بطائرة الهليكوبتر، ليؤكد البلدان الشقيقان والقيادتان انهما يواجهان نفس التحدي الاحتلالي، وانهما يلتزمان بحل الدولتين وانهما لن يتراجعا او يفرطا بالحق الفلسطيني حتى لو تغيرت كل المواقف الرسمية العربية..