عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
عودة سالمة غانمة بعون الله ، ويدرك الأردنيون جميعاً أن الملك هو صمام الأمان في وطنهم ، وأنه رمز الوحدة الوطنية وحامي الدستور ، وهم يقلقون على ما يصيبه أو يواجهه ويبتهلون إلى الله أن يحفظه ويحميه لما لوجوده من معاني ودلالات عديدة وعميقة في حياتهم..
ورغم ان المنطقة برمتها لم تعرف الاستقرار طوال عقود ماضية ممتدة، فقد بقيت أمواجها تتلاطم وكأنها بحر أو كثبان متحركة ، كما كان الملك الراحل الحسين يقول، إلا أن الأردن ظل يجد طريقه دائما نحو الاستقرار والثبات والتفاف شعبه حول وطنهم وقيادتهم وهناك أمثلة كثيرة باقية..
ولعل التحديات التي كانت ماثلة في الماضي ومنذ قيام الدولة الأردنية قبل قرن من الزمان ما زالت قائمة، وتنسحب اليوم على حياة الأردنيين وواقعهم ومستقبلهم ، وما زالوا يواجهون هذه التحديات بقيادتهم الواعية والخبيرة التي يمثلها الملك عبدالله الثاني الذي مضى عليه في المسؤولية أكثر من عقدين وهو يعمل على تذليل هذه التحديات واستقراها واستيعابها وتحويل بعضها ما امكن الى فرص ..
ولعل التحدي الأول والابرز هو تحدي عدم وجود حل للقضية الفلسطينية وما يمثله ذلك من مخاطر ما زالت ماثلة على الامن الوطني الأردني، حيث يعتبر الأردن ان إقامة دولة فلسطينية للشعب الفلسطيني على ترابه الوطني وعاصمتها القدس هي مصلحة وطنية أردنية تحددها الضرورات وسلامة الوجود الاردني واستمراره.. وان استمرار هذا التحدي وتعقيداته ومحاولات استثماره من جهات عدة هو الخطر الماثل ، حيث ما زال اليمين الإسرائيلي المتنفذ في دولة الاحتلال يؤمن باقتلاع الشعب الفلسطيني من وطنه والتوسع على حسابه والبحث عن مكان آخر له..
فكرة الوطن البديل ما زالت في أذهان اليمين الإسرائيلي الذي ما زال يؤمن بحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وأن الأردن هو امتداد لمجاله الحيوي واحتلاله وان الأردن هو فلسطين الشرقية التي شملتها الخطط الصهيونية المبكرة التي كانت ترى أن الحدود هي حد سكة الحديد وبالتالي ادخال الأردن في وعد بلفور الذي استطاع الملك المؤسس أن يخرجه منه بإقرار بريطاني قبل استقلال المملكة، ولكن الحركة الصهيونية رغم توقيع اتفاقية السلام في وادي عربه ما زالت لم تقر ذلك وما زالت في ادبياتها وتصريح مسؤوليها المتطرفين ترى ان الاتفاقيات التي التي وقعت سواء أوسلو أو وادي عربه هي مع حزب العمل وليس مع إسرائيل ، ولذا كانت ممارسات رئيس الوزراء نتنياهو تصب في هذه القناعات وتخدمها وترى أن السلام هو ما يخدم المصالح الإسرائيلية فقط..
اليوم تزداد التحديات السياسية التي تواجه الأردن وهي تحديات ترافقها تحديات اقتصادية واجتماعية وهذه كلها تتطلب وعي شعبنا والتفافه حول قيادته وتفويت كل اشكال الفتن والاشاعات والدس الذي تمارسه قوى اليمين الإسرائيلي بشكل مستمر..
نعم تواجه القيادة الأردنية .. قيادة الملك عبدالله الثاني ضغوطا كبيرة تنوء بها الجبال، حيث تريد إسرائيل للاردن دورا مختلفا عن دوره الوطني والعربي الذي يقوم به ويؤمن به في خدمة القضية الفلسطينية، وهي تعاود ضغوطها الشبيهة بتلك التي سبقت قرار فك الارتباط حين كانت إسرائيل تريد من الأردن أدوارا وظيفية لخدمة نهجها ولكنه تخلص من ذلك في حينه ..
المعاودة الإسرائيلية الان تحتاج إلى صمود وإصرار ووعي وإخلاص كل الأردنيين حتى تتوقف الضغوط والمحاولات الإسرائيلية..
ما زال الأردن صامدا وما زال الملك يعبر عن الموقف الوطني القوي بوضوح حين يقول: “نحن والفلسطينيون في خندق واحد” وحين يقول “أن الشرق الأوسط الجديد لن يكون بدون الشعب الفلسطيني ” .. وحين يدعو الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على التراب الوطني الفلسطيني، وهذه المواقف كانت وما زالت مكلفة وتزداد كلفتها كلما تمسك بها الأردن وأصرّ عليها وعمل من أجلها ..
لن يتخلى الأردنيون عن القدس رمز شرعية نظامهم السياسي ، ولن يتخلى الأردنيون عن فلسطين التي فيها امتداد شعبهم وعلاقاته التاريخية وعلاقات الجوار ، ولن يتخلى الأردنيون عن رسالتهم التاريخية وما أنذروا انفسهم له في نموذج الكرامة الخالد.. وبالتالي لن يتخلى الأردنيون عن قيادتهم الهاشمية التي رافقتهم ورافقوها قرن من الزمان حتى يشكل هذا الوطن الجميل الصامد الصابر والمثابر والقادر..
الأردن ليس لقمة سائغة فدونه خرط القتاد.. وهو ليس بيضة يمكن كسرها وانما شوك صلب وعظم أزرق وحربة مسنونة في وجه أي عدوان قد يفكر فيه اليمين الإسرائيلي الذي يطفح الان فوق حكومة بينت ويريد تجاوزها لأهدافه ، ولذا لا بد من اليقظة والانتباه وتفويت كل الأساليب الخادعة التي يحاول اليمين الإسرائيلي الذي لم تعد حكومة بينت وشركاؤها قادرة على لجمه، هذا اليمين يريد اغراق المنطقة وحرقها وهو سيجعل النار الإسرائيلية تأكل بعضها حين تعجز أن تأكل غيرها ممن يتسلحون بالايمان والوحدة والرباط ..
نعم لا نملك ترف المناورات الفارغة فمصيرنا واحد والشعب الفلسطيني واحد ونحن في نفس الخندق كما قال الملك عبدالله الثاني وعلى الذين لديهم ترف الخيارات الأخرى من أنظمة عربية أن لا يخلطوا بين الواجب والضرورات وبين خياراتهم التي يعتقدون أنها واسعة وقبل أن يدركوا خطر الصهيونية على الجميع..
ليس أمامنا إلا دعم صمود الشعب الفلسطيني الذي يشكل سدّاً لحماية أمته في وجه الموجة الاستعمارية الصهيونية المتجددة..
ما زالت صفقة القرن ماثلة وما زالت الاطماع في وطننا قائمة وما زالت المخططات برسم التنفيذ، وخلاف ذلك من أقوال قادة اليمين الإسرائيلي الموجودين في قيادة إسرائيل الان كذب وشراء وقت وضحك على الذقون.. فما زال الأردن ينشد ما انشده الراحل في الحصار عام 1990 :
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر
ومع ذلك فإن الأردنيين صامدون وسيصمدون.. ومرابطين وسيرابطون من أجل الأقصى ومن أجل وطنهم، وسيجد الشعب الفلسطيني أنهم الجدار والسند مهما غاب سندهم وتراجعت بعض أطراف امتهم أو تقاعست عن فهم الخطر أو رده..
لن تتأخر القيادة العربية.. ستأتي وعلى الفلسطينيين أن تكون مهمتهم المبكرة الان حماية الأقصى إلى أن تشرق شمس أمتنا وهي مشرقة فلكل ليل نهاية مهما طال ..
هناك فاتورة لا بد أن تدفع مهما كان التأجيل ولن تكون على حسابنا مهما تحدثنا بدبلوماسية..
أيها الملك كلنا معك ومع القدس!!
9
المقالة السابقة