د. إبراهيم بدران
تميزت حكومة نفتالي بينيت اليمينية المتطرفة، بأنها اكثر دبلوماسية من حكومة نتنياهو، ولكنها أشد لؤما ووحشية. ويعمل الغرب على تصوير اسرائيل بالبلد الديمقراطي المدافع عن مواطنيه ضد الارهاب، فيقدم وخاصة اميركا الدعم المادي والمعنوي والاعلامي والقانوني المطلق لإسرائيل في كل محفل وكل مناسبة، ويضغط على السلطة الفلسطسنية لدرجة الابتزاز، لتستنكر الحرب الروسية على اوكرانيا، هذا، مع السكوت الخبيث عن كل ما تقترفه إسرائيل من فظائع ضد الفلسطينيين وبشكل دائم وممنهج كجزء من عقيدتها السياسية والادارية والعسكرية. ويعود هذا السكوت لأسباب رئيسية اربعة الاول: تشابه التاريخ الاستعماري لتلك الدول مع ما تفعله اسرائيل اليوم، وكأن البرنامج الاسرائيلي اعادة للشريط الاوروبي في أفريقيا وآسيا واميركا اللاتينية. الثاني: سيطرة اليهود على مراكز الاعلام والمال وتجارة السلاح في اميركا اولا وفي اوروبا الثالث: المكاسب التي يحققها السياسيون والاحزاب من خلال الدعم المالي الذي تقدمه المؤسسات والشركات المتصلة بالمنظمات الصهيونية الرابع: بقاء اسرائيل كذراع سياسية وعسكرية ولوجيستية للغرب للعبث في المنطقة العربية، خاصة مع التفكك العربي والاعتماد على الغرب.
وقد أثارت عملية تل ابيب وما تبعها من أحداث على الساحة الفلسطينية وانفلات الجيش الاسرائيلي في حرب مكشوفة ضد المدنيين، ليقتل ويعتقل الأبرياء دون اي ضوابط قانونية او اخلاقية او انسانية، اثارت قضية العنف والارهاب على المستوى القانوني والدولي. وسارعت بعض الدول الى استنكار عملية تل ابيب باعتبارها تمثل العنف لدى الفلسطينيين، حتى ان بعض الدول العربية الحديثة التطبيع اصدرت بيانات بهذا الشأن، دون ان يهتز لها جفن لما تقترفه اسرائيل يومياً بحق الفلسطينيين وانتهاك المقدسات منذ سنين. ومع ان العنف مرفوض، والارهاب لا يقبله احد، إلا ان الموقف يستدعي تعريف كل منهما حتى لا يختلط الأمر بين الاعتداء وبين الدفاع، وبين الضحية والجلاد. لم تتفق الأمم المتحدة على تعريف محدد، خوفاً من ادانة الدول التي تمارس الاستعمار والاحتلال والعدوان وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا واسرائيل. إلا ان التعريف المنطقي يقول «العنف هو استخدام القوة خارج القانون العادل ضد الآخرين للوصول الى هدف معين، في حين ان الارهاب هو استعمال العنف للسيطرة على الآخرين أو ارغامهم على امر معين « صحيح ان عملية تل ابيب قتل فيها 3 أشخاص وجرح 14 شخصاً، ولكن هل جاءت هذه العملية وما شابهها من فراغ؟ ام انها رد طبيعي على ما يعانيه الفلسطينيون وعلى ما تفعل اسرائيل بوطنهم يومياً ؟ اليس الاحتلال بحد ذاته هو مركب قبيح من العنف و الجرائم والارهاب والظلم والاعتداء؟ وقد اعترفت الامم المتحدة والمجتمع الدولي والقانون الدولي بحق الشعوب في الدفاع عن نفسها، و بأن الضفة الغربية وغزة بما في ذلك القدس هي اراض محتلة، وقد مضى على هذا الاحتلال الرسمي 55 عاماً ناهيك عن اغتصاب فلسطين ذاتها.. هل تتوقع اسرائيل، وهي لا تريد السلام، ان تبتلع الشعب الفلسطيني وارضه و مقدساته هكذا؟ في حين أن على الاراضي الفلسطينية بمجملها اليوم شعب بـ6 ملايين مواطن؟ ألا تكفي هذه السنوات الـ55 حتى يقتنع العقل الصهيوني الاسرائيلي المفعم بالعنصرية، بأن إسرائيل تسير في طريق مسدود؟ وأن مقولة بن غوريون: بنسيان الأجيال من الفلسطينيين فلسطين بكاملها، مقولة زائفة وواهمة، وان الأجيال الناشئة مستعدة للموت من اجل بلادها؟
ومع ان تقارير دولية عديدة وساسة دوليون امثال كارتر وجولدستون وثقوا الانتهاكات التي تقوم بها اسرائيل ابتداء من قتل الأطفال وتدمير المدارس وانتهاء بمخالفة الاتفاقيات الدولية، الا انه من المفيد التذكير ببعض ما تقوم به السلطات الاسرائيلية، اولاً: الاعتقال الاداري حيث تعتقل عشرات الفلسطينيين يومياً ويتم سجن بعضهم دون محاكمة لفترات تطول او تقصر وقد تمتد لأكثر من 20 عاما. وحسب الإحصاءات المعلنة فإن معدل الاعتقالات الادارية يصل الى 27 شخصا يوميا ثانياً: هدم المنازل، حيث تدمر السلطات الاسرائيلية مئات المنازل سنوياً، وتجبر السكان من اطفال ونساء وشيوخ على الرحيل او البقاء في العراء. اي شعور يتنامى لدى ذلك الطفل او الفتى الذي يرى الجرافة الاسرائيلية تدمر مسكنه ومتاعه الخاص، وتحيل كل ممتلكات العائلة الى كومة من الانقاض؟وهل يمكن ألا يثأر من المعتدي؟ علماً بأن معدل هدم المنازل يتجاوز 7 منازل يومياً. ثالثاً: الحصار حيث يعيش الفلسطيني امرأة او طفل او فتى او شيخ مريض محاصرا سياسيا واقتصاديا وتعليميا في بلده ووطنه، لا يستطيع ان يتحرك الاً بموافقة الاحتلال وجنوده على الحواجز. وحين يكون 2 مليون نسمة محاصرين في غزة لمدة 14 عاماً لا يدخل الى القطاع الا ما يوافق عليه الاحتلال سواء كان ذلك غذاء او ماء او دواء. وهي حالة غير مسبوقة في التاريخ الحديث. ما هو الشعور الذي يتنامى لدى المواطن الفلسطيني؟ وبماذا يختلف الحصار عن عمل ارهابي يتم فيه محاصرة مجموعة من البشر واخذهم رهينة؟ رابعاً: انتهاكات الاماكن المقدسة، فقد اصبح النمط اليومي ان تتدفق مجموعات من المستوطنين والشرطة والجيش على المسجد الأقصى وعلى الكنائس وتقتحم حرمتها، ونكاية واستخفافا بالمسلمين والمسيحيين تقيم فيها صلوات يهودية زائفة. وأصبح تقسيم الاقصى زمانياً امرا واقعا على طريق التقسيم المكاني كما فعلوا في المسجد الابراهيمي. ان اقتحام الاقصى لم يتوقف منذ العام 2003. الا يحترم القانون الدولي اماكن العبادة ويعطيها درجة من الحماية؟ خامساً: الاغتيال والاعتقال فالفلسطيني معرض للاغتيال او للاعتقال والأسر في اي لحظة ومن ثم ايداعه في السجن تحت اي ذريعة او بدونها. ولم تنقص اعداد الاسرى في السجون الاسرائيلية عما معدله 6000 اسير منذ عام 1967 حتى اليوم بما في ذلك النساء والاطفال. وبلغ عدد الاسرى في عام 2022 وحتى اليوم 6850 اسيرا بينهم 275 طفلاً و63 امرأة و500 مريض. وقد استشهد 103 أسرى جراء التعذيب. هل هذه ممارسات تهدئة على طريق السلام كما يطالب الغرب ويتوهم بعض العرب؟ ام انها ممارسات تأجيج وقمع وحشي؟ سادساً: العقاب الجماعي وهو محرم دولياً، و من الجرائم ضد الانسانية. ولكن اسرائيل لا يمر اسبوع دون ان توقع هذا العقاب على جموع الفلسطينيين في الاحياء والقرى والمخيمات والتجمعات السكانية وفي مضارب البدو، وكما نرى اليوم في نابلس وجنين وغيرها. وهو عقاب يثير كل مشاعر الحقد والغضب لدى الفلسطيني، ويكشف طبيعة الاحتلال الذي لا يعرف الانسانية. سابعاً: مصادرة الاراضي دأبت اسرائيل على مصادرة اراضي الفلسطينيين تحت شتى الذرائع والمبررات الكاذبة، كالضرورة العسكرية والنفع العام وغيره. وتتابع اوامر المصادرة بمعدل 3 أوامر كل اسبوعين. وهكذا فالفلسطيني لا يعرف اين يذهب، وماذا يفعل، ومتى يصدر الامر بمصادرة ارضه. أليس هذا هو الارهاب بعينه؟ وهل يتوقع المحتل ان يعاني الفلسطينيون ذلك ولا يدافعون عن حقوقهم. ثامناً: تقطيع الاشجار فالعشرات من المستوطنين وبحماية الشرطة يغيرون على مزارع الفلسطينيين ليقتلعوا الاشجار، وهي اجراءات لم يرتكبها النازي في المانيا. تاسعاً: منع لم شمل الاسر بين الضفة وغزة من جهة وبين القدس من جهة اخرى. بكل ما يعني ذلك من وحشية لا تأخذ الجانب الانساني بعين الاعتبار عاشراً: التهجير القسري تعمل قوات الاحتلال على تهجير الفلسطينيين من بيوتهم وتمنعهم الدخول او العودة وخاصة في الضفة الغربية وبشكل اخص في القدس.
ان الارهاب الاسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني لا يقف عند هذه الأفعال بل يشمل كذلك اقامة جدار الفصل العنصري، وبرامج طمس الهوية الفلسطينية، والسيطرة على عائدات الضرائب التي يدفعها الفلسطيني، وتهويد التراث، وسرقة كل ما يمكن ان تبتلعه اسرائيل سواء كان يخص الانسان او الارض او الثقافة او التاريخ. فهل يتوقع العقل الاسرائيلي ومناصروه ان يقف الفلسطينيون مكتوفي الايدي ينتظرون الذئب لكي يبتلعهم فرداً فرداً؟. إن جميع الدول الاستعمارية بجبروتها وقوتها العسكرية الهائلة ومنها إسرائيل تفشل في فهم القوة الناعمة للشعوب، قوة الافراد او المقاومة الفردية. اميركا فشلت في العراق وفي افغانستان وبريطانيا فشلت في الهند عن طريق المقاومة السلبية اللاعنف. تستطيع الدول الاستعمارية ان تسيطر على الحكومات والزعامات، ولكنها تفشل في السيطرة على الشعوب. لقد آن لإسرائيل أن تدرك انها تتدحرج نحو ثقب أسود امام شعب متمسك بأرضه ووطنه ومستقبله، ولن تخيفه قوة الارهاب.
الدبلوماسية في الأقوال.. والوحشية في الأفعال / د. ابراهيم بدران
10
المقالة السابقة