عروبة الإخباري – احتفلت المملكة العربية السعودية أمس، بذكرى تأسيس الدولة السعودية قبل ثلاثة قرون، على يد الإمام محمد بن سعود، والتي كانت تتخذ من “الدرعية” عاصمة لها.
وشهد الشهر الماضي، صدور مرسوم ملكي غير مسبوق من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، بتحديد يوم 22 فبراير من كل عام يوماً لذكرى تأسيس الدولة السعودية، باسم «يوم التأسيس»، واعتباره إجازة رسمية، وهو اليوم الذي يرمز إلى العمق التاريخي والحضاري والثقافي للمملكة العربية السعودية عندما أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ / 1727م.
وتحت شعار “يوم بدينا”، عمت مدن المملكة العربية السعودية احتفالات وفعاليات واسعة، وتزينت الشوارع بالأعلام، وانتظمت المدن برامج وفعاليات وأنشطة للتعريف بأهمية هذه المناسبة، والعمق التاريخي والحضاري والثقافي للدولة السعودية منذ تأسيسها قبل ثلاثة قرون، وتعبر عن اعتزاز السعوديين بالجذور الراسخة للدولة السعودية، وارتباط مواطنيها الوثيق بقادتها منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى حتى وقتنا الحاضر.
وجاءت احتفالات السعوديين بذكرى تأسيس بلادهم بهذه الفعاليات غير المسبوقة استعادوا فيها بطولات الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى، وهم يستذكرون في الوقت نفسه بفخر وامتنان النهضة الشاملة التي تشهدها بلادهم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، سيرا على درب المؤسس.
* شعار وهوية
وأصدرت المملكة العربية السعودية هوية بصرية مميزة ليوم التأسيس تحت شعار “يوم بدينا” يظهر في منتصفه أيقونة رجل يحمل راية في إشارة إلى “بطولة رجالات المجتمع السعودي والتفافه حول الراية التي حماها”.
وتحمل الهوية البصرية “معاني جوهرية تاريخية متنوعة ومرتبطة بأمجاد وبطولات وعراقة الدولة السعودية”، بحسب وكالة الأنباء السعودية.
ويحيط بأيقونة الهوية 4 رموز هي: التمر الذي يدل على النماء والحياة والكرم، والمجلس الذي يعبر عن الوحدة والتناغم الثقافي المجتمعي، والخيل العربي وهو العنصر الذي يعرض فروسية وبطولة أمراء وشجعان الدولة، والسوق في إشارة إلى الحراك الاقتصادي والتنوع والانفتاح على العالم.
وكُتبت عبارة “يوم التأسيس – 1727م” بخط “مستلهم من مخطوطات عديدة وثقت تاريخ الدولة السعودية الأولى لتكون الرسالة الشاملة للشعار مرتبطة بالقيم التي تمثل الثقافة السعودية المشتركة، وموصلة لمعاني الفخر والحماس والأصالة والترابط، ومرتبطة بالضيافة والكرم والمعرفة والعلوم”.
وأتت الهوية البصرية ليوم التأسيس، تحت شعار “يوم بدينا” لـ”تعزز القيم والمعاني المرتبطة بهذه المناسبة الوطنية المميزة، ومرسِّخَةً للاعتزاز بالإرث الثقافي والاجتماعي لهذه الدولة ومجتمعها”، وفقا لوكالة الأنباء السعودية.
ويختلف يوم التأسيس (22 فبراير) عن اليوم الوطني الذي تحتفل به السعودية في 23 سبتمبر من كل عام ويعد إجازة رسمية أيضا، ولا تعارض بينهما. فكلاهما يؤرخ لأيام تاريخية ومحطات مفصلية في تاريخ المملكة، قادت للحاضر المزدهر التي تشهده المملكة حاليا، والمستقبل الزاهر الذي ينتظرها، بقيادة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
* التأسيس صفحة باهرة
يحمل الاحتفال بهذا اليوم الكثير من المعاني في نفوس السعوديين، فهو تأكيد على ارتباط مواطني المملكة بقادتها منذ عهد الإمام محمد بن سعود وبداية تأسيسه، في منتصف عام 1139هـ (1727م) للدولة السعودية الأولى التي استمرت إلى عام 1233هـ (1818م)، وعاصمتها “الدرعية”، وما أرسته تلك الدولة من الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار.
ويستحق يوم الـ 22 من فبراير أن يستذكر أبناء المملكة العربية السعودية تفاصيله، حيث إنه يعبر عن بداية تاريخ دولتهم الممتد إلى أكثر من ثلاثة قرون، ويستنتج المؤرخون هذا التاريخ بناء على عدد من الأحداث التي وقعت خلال تلك الفترة قبل وبعد تولي الإمام محمد بن سعود الحكم في “الدرعية”.
وأكدت المنعطفات التاريخية التي مرت بها الدولة السعودية مدى ما يربط أبناء المملكة وأشقاءهم في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من علاقات عميقة امتدت لقرون عديدة وتجذرت على مدار السنوات.
ويمثل يوم التأسيس مناسبة وطنية عزيزة توضح مدى رسوخ وثبات مؤسسة الحكم ونظام الدولة في السعودية طوال تلك السنين، فمنذ تأسيس الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام محمد بن سعود وهي تقوم على مبادئ الإسلام الصحيحة، وتعزيز مكانتها محليا وإقليميا وعالميا، وكانت خدمة القبلتين وضيوف الرحمن أولوية قصوى لأئمة الدولة السعودية وتوارثها ملوك المملكة حتى اليوم.
وتوالت الإنجازات في عهد الدولة السعودية الأولى وكان على رأسها نشر الاستقرار في البلاد وعدم الخضوع لأي نفوذ في المنطقة أو خارجها، ومساندة البلدات المجاورة لتعزيز الاستقرار مثل: مساعدة أمير الرياض في تثبيت حكمه، واستتباب الأمن.
وخلال عهد الإمام محمد بن سعود ومن بعده من الأئمة أصبحت مدينة “الدرعية” عاصمة لدولة مترامية الأطراف، ومصدر جذب اقتصادي واجتماعي وفكري وثقافي، وتحتضن على ترابها معالم أثرية عريقة مثل: حي غصيبة التاريخي، ومنطقة سمحان، و”حي الطريف” الذي وُصف بأنه من أكبر الأحياء الطينية في العالم وتم تسجيله في قائمة التراث الإنساني لدى منظمة اليونسكو، ومنطقة البجيري وسوق الدرعية، إضافة إلى أن النظام المالي للدولة وصف بأنه من الأنظمة المتميزة من حيث الموازنة بين الموارد والمصروفات.
وقد هاجر كثير من العلماء إلى “الدرعية” لتلقي التعليم والتأليف الذي كان سائدًا وقتها مما أدى إلى ظهور مدرسة جديدة في الخط والنسخ، وبعد سقوط الدولة السعودية الأولى استطاع الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود أن يسترد الرياض عام 1240هـ/ 1824م بعد سبع سنوات من العمل والكفاح، والتف الناس حوله وحول الأسرة المالكة من جديد.
وتمكن الإمام تركي من توحيد معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية في مدة قصيرة مستمرا على المنهج الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى وهو حفظ الأمن والتعليم والعدل والقضاء على الفرقة والتناحر، وظلت الدولة تحكم المنطقة حتى عام 1309هــ 1891م.
وبعد فراغ سياسي في وسط شبه الجزيرة العربية استمر قرابة عشر سنوات، تمكن الملك عبدالعزيز آل سعود في الخامس من شهر شوال عام 1319هـ (الخامس عشر من يناير 1902م) من إعادة تأسيس الدولة السعودية بعد أن استرد مدينة الرياض ليبدأ صفحة جديدة من صفحات التاريخ السعودي، ويضع لبنة من لبنات الوحدة والاستقرار والنماء.
وفي السابع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق 23 سبتمبر 1932م أعلن الملك عبدالعزيز توحيد المملكة العربية السعودية بعد أحداث تاريخية استمرت 30 عامًا، وهو اليوم الذي يحتفل فيه السعوديون باليوم الوطني للبلاد في 23 سبتمبر من كل عام تخليدا لذكرى توحيد الملك عبدالعزيز آل سعود، للمملكة عام 1932.
* السعودية الجديدة
وبعد مضي ثلاثة قرون على تأسيسها، ها هي المملكة العربية السعودية تقف في مصاف دول العالم المتقدم بفضل ما تشهده من تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية غير مسبوقة، وزيادة الفرص لتمكين المرأة والشباب في مسيرة التنمية الوطنية الشاملة الزاخرة بالمنجزات والعطاءات، وهي تتطلع إلى مستقبلٍ باهر في ظل قيادتها الحكيمة والنظرة الثاقبة.
وتشهد الدرعية، عاصمة دولة التأسيس، جانبا مهما من الإنجازات التنموية ومسيرة الإصلاحات والازدهار التي تشهدها المملكة اليوم، حيث يقع تطويرها لتصبح واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية وأماكن الجذب في المنطقة والعالم، كأحد أهم مشروعات برامج رؤية المملكة 2030، التي تمثل خارطة النهضة الشاملة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين وينفذها ولي عهده الأمير محمد بن سلمان الذي بث روح الشباب في أوصال الدولة بأفكاره ومبادراته وسياساته، وقاد المملكة اليوم إلى ما بات يعرف بـ”السعودية الجديدة”.
ويحمل الاحتفال بهذا اليوم دلالة واضحة على مدى حرص خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، على إبراز الهوية الوطنية لأبناء المملكة، بربطهم معرفياً بالشخصية التي وضعت اللبنة الأولى لعمقها التاريخي والحضاري، الذي ظهرت ثمار تأثيره اليوم.
* تهاني قادة الخليج
وتلقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز عدداً من البرقيات من قادة دول الخليج مهنئة بيوم التأسيس، فيما تشهد المدن السعودية إقامة عدد من الفعاليات الثقافية والفنية والشعبية التي تحلق في سماء الإبداع والحب والولاء، مجسدة عمق هذا التاريخ الكبير الذي خلفه قادة السعودية ورجالاتهم حتى الوقت الحاضر في لوحات معبرة عن فصول من الزمن، مرت بها هذه البلاد في أوقات الرخاء والشدة، وظلت خلالها راسخة محافظة على هويتها العربية الأصيلة، مجددة مفهوم الوحدة الوطنية في كل مرحلة من مراحل بناء الدولة السعودية الأولى، فالثانية، حتى قيام المملكة العربية السعودية، ظل خلالها التلاحم عنواناً بارزاً للعلاقة بين الشعب والقيادة.