لا يسعنا في البداية الإ أن نتقدم منكم بوفير الشكر وعظيم التقدير لكافة جهودكم المتميزة وعطاءكم المستمر في خدمة وطننا العزيز وفي سبيل تقدمه ورفعته تحقيقاً ً لرؤية النهضة في كافة المجالات وعلى جميع الأصعدة وفي كل المحافل؛ ليتبوء الأردن الغالي مقدمة ركب التطور للأمة العربية كما أرادته له ذلك القيادة الهاشمية المظفرة كابراً عن كابر، في أجواء من الإيجابية السمحة خدمة للإنسانية جمعاء واستحضاراً لتاريخها المجيد.
ولقد كان التطور الذي إرتقاه الأردن وعلى المستوى العالمي في مجالات الطب والعلوم الطبية مفخرة وحكاية تروى بين الدول الشقيقة والصديقة وصولا ً للعالمية في مجالات السياحة العلاجية والإستشفائية؛ حيث ومن خلال الدعم الملكي السامي الموصول، إستطاع الأردن بمقدّراته من الطاقات البشرية المؤهلة – بالرغم من تواضع موارده الطبيعية وعظم التحديات – من تحقيق علامة فارقة في تلك المجالات وعلى المستوى الدولي. واليوم، وفي ضوء التحديات العالمية المستجدة، وتباين وإختلاف المشهد في ذلك القطاع وبخاصة بالنظر الى آثار جائحة كورونا وفي ضوء الحاجة إلى مقاربات إبداعية تفاعلية في التعاطي مع تلك المستجدات، نعرض لكم وبين أيديكم بعض الإضاءات على تلك العوامل والتحديات التي تعترض مسيرتنا في إستكمال الرؤية التقدمية في تطوير هذا القطاع والحفاظ على مكتسباته الوطنية:
عوامل الجذب والقوة:
الإرث العريق والسمعة الطبية المرموقة للاردن في المنطقة في الحقل الصحي؛ فلقد تبوء الأردن المرتبة الأولى عربياً والخامسة في السياحة العلاجية على المستوى العالمي، وأصبح الوجهة الرئيسية للعديد من دول المنطقة مثل؛ العراق، ليبيا، السودان، اليمن، سوريا، بالأضافة الى دول الخليج العربي.
الإستقرار الأمني والسياسي لما يتمتع به الأردن من نعمتي الأمن والأمان في وسط منطقة غير مستقرة ملئى بالصراعات والنزاعات، فأصبح بمثابة الواحة الخضراء وسيط محيط ملتهب من الدماء والحروب.
الموقع الإستراتيجي المميز والقرب الجغرافي مع سهولة الوصول من الدول المجاورة
التآلف والإنصهار المجتمعي دينياً وثقافياً وإجتماعياً، مع التشابه الكبير في العلاقات والتقاليد واللغة، كل ذلك كان من عوامل الجذب التي تُشعِر جميع الزوار الأشقاء بأنهم في بلدهم ووسط أهليهم، على غير ما قد يفتقدونه في بعض البلدان المنافسة في هذا المجال، مثل؛ الهند، تركيا، تايلند،،،)
الطاقات البشرية عالية التأهيل؛ فلقد حظي الأردن بكوكبة من أطباء الإختصاص على أعلى مستوى من التعليم و الخبرة عالمياً، حيث أمضى معظمهم تدريبه وأكتسب خبراته المتراكمة من أرقى الجامعات والمستشفيات والمعاهد الطبية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وكان لابد من مواكبة هذه الكفاءات الطبية بإفتتاح عدد من المستشفيات الخاصة والعامة على أعلى المستويات من الفخامة والرقي، وتجهيزها وإعدادها بأحدث الأجهزة والمعدات من كبريات الشركات العالمية، مع رفدها بأفضل الكوادر الفنية والتمريضية التي تم تأهيلها وتدريبها على أعلى مستويات الكفاءة والجاهزية.
ذلك كله بالإضافة الى توفر المواقع السياحية الراقية ومرافق الإستجمام والنقاهة التي يزخر بها الأردن بما حباه الله من مواقع الإستشفاء الطبيعي ومنتجعات السياحة العلاجية.
التحديات:
الجنسيات المقيدة؛ حيث يعاني مواطني تلك الجنسيات الراغبين بالعلاج في الأردن من صعوبة الحصول على التأشيرة (الفيزا) للدخول الى الأردن بسبب القيود الأمنية، مع عدم تقديم حلول مرنة في هذا المجال (تسهيل بلا تساهل) تضمن الجانب الأمني ولا تعيق دخول المرضى والمرافقين في نفس الوقت، مما أدى الى توجه المرضى للدول المنافسة و خاصة تركيا و تونس ومصر. ويتطلب هذا الموضوع دراسة خاصة لإيجاد آلية تضمن دخول المرضى و المرافقين بسهولة، مع أخذ الضمانات الأمنية اللازمة(مثال التجربة التركية).
الخدمات اللوجستية؛ حيث أن هنالك ضعف واضح في هذه الخدمات من اللحظات الأولى لوصول المريض الى المنافذ الحدودية والمطارات، سواء من:
– إستقبال ومعاملة موظفي المطارات والمنافذ الحدودية
– إستغلال سائقي سيارات الأجرة والنقل للزوار
– وجود “السماسرة” داخل المطار وفي محيطه
– إستغلال الفنادق والشقق الفندقية للزوار
مما يبرز الحاجة الملحة لتوفير شركات سياحية متخصصة بالمجال الطبي تتعاون مع المستشفيات والمرضى بشكل مباشر، لتقوم بتسهيل كافة المعاملات وتأشيرات الدخول وعملية الإستقبال من بوابة الطائرة وتقديم جميع الخدمات اللوجستية المتوفرة من مواصلات وحجوزات ورحلات داخلية وخلافه بمبدأ Door-to-Door بمفهومه الشامل.
ارتفاع قيمة الفاتورة العلاجية؛ ويعزى هذا لعدة أسباب من اهمها إرتفاع التكلفة التشغيلية للمستشفيات؛ فتخضع المستشفيات مثلاً للتعرفة الأعلى بفواتير الكهرباء، وتحظى الكوادر الطبية بالسقوف الأعلى للرواتب، وتعاني المستشفيات كذلك من عدم التزام وزارة الصحة وصندوق التأمين الصحي بدفع المستحقات المترتبة عليها للمستشفيات، بالإضافة الى أسعار شركات التأمين الصحي المجحفة و غيرها، حيث سببت كل تلك العوامل الى عدم تقيد بعض المستشفيات بالتسعيرة المعتمدة تجنبا للخسارة من ناحية، وكذلك بسبب عدم وجود مراقبة فاعلة عليها من ناحية أخرى.
عدم تقيد أطباء الإختصاص بلوائح الأجور المعتمدة من نقابة الأطباء، وعدم وجود رقابة من النقابة على هذه الممارسات.
عدم وجود نظام فوترة الكترونية، يقوم بعض أطباء الإختصاص بالضغط على المستشفيات لتحصيل أتعابهم خارج النظام و ذلك لأغراض التهرب الضريبي.
عدم وجود رقابة على أسعار شركات المعدات و المستلزمات الطبية، والشراكة المشبوهة بينهم وبين بعض أطباء الاختصاص في مقابل عمولات خارج النظام.
كما أن هنالك عامل هام متعلق بعدم تحديد مستشفيات خاصة محددة لكل طبيب إختصاص للعمل بها، مما يؤدي الى محاولة بعض المستشفيات إستقطاب الأطباء بشتى الطرق، مثل؛ حرق الأسعار و المساعدة على التهرب الضريبي، بحيث يصبح الطبيب هو المتحكم بالمنظومة الطبية وليست إدارة وزارة الصحة و المستشفيات التابعة لها.
العقوبات بحق المخالفين من المستشفيات أو الاطباء غير رادعة خاصة في مجال إرتفاع الأسعار او التهرب الضريبي، مما يتيح التوسع في مثل تلك الممارسات.
ونظراً لأهمية هذا الموضوع ومحوريته، فهنالك حاجة حقيقية لحل جذري وشامل، ومدعم بإلزامية القرارات مع عقوبات رادعة بحق المخالفين. ومن ضمن الحلول المقترحة:
لجنة مشتركة عليا من الحكومة و القطاع الخاص لتذليل كافة العقبات و مواجهة التحديات التي أدت إلى تراجع السياحة العلاجية، و كذلك عمل الدعاية و التسويق للسياحة العلاجية في كافة الدول المعنية، مع شرح كافة عوامل الجذب و القوة لدينا.
تأسيس ملتقى مختص بالسياحة العلاجية و يضم جميع الأطراف المعنية (مستشفيات، فنادق، شركات طيران، مكاتب سياحية، مراكز استشفائية).
إلزام أطباء الإختصاص بالعمل إما داخل عيادات المستشفى (كما في تجربة مركز الحسين للسرطان الرائدة)، أو تحديد عدد محدود من المستشفيات لكل طبيب لممارسة صلاحياته في حال كانت عيادته خارج المستشفى.
أن يتم حصر شراء جميع المستلزمات و المستهلكات الطبية من خلال نظام المستشفى وليس من خلال الأطباء والشركات.
أن يتم إجتراح عقوبات حاسمة ورادعة تجاه المخالفين من المسشفيات والأطباء والشركات.
تطوير نظام فوترة إلكتروني متطور كفيل بحل معظم هذه المشاكل.
تعيين موظف ضريبي بكل مستشفى لضبط كافة التجاوزات الضريبية، مع مراقبة أدائه.
وبناء عليه وبالنظر الى كل ما تقدم أعلاه فإننا نتقدم منكم بهذه الملاحظات و الأفكار، لما يعتري قطاعنا الطبي في وطننا الأردن الغالي من تحديات، ونحن في كامل الثقة بإهتمامكم الكبير ودعمكم المتواصل لما فيه المصلحة العامة ولما فيه رفعة وتقدم الأردن في ظل صاحب الجلالة الهاشمية المفدى جلالة الملك عبد الله الثاني بن الحسين حفظه الله ورعاه.
*دكتور عزام ابراهيم
مدير عام المركز الطبي العربي