عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
الدعوة للاستعانة بهم في مجال المياه!!
هؤلاء الأوروبيون نجحوا في محاربة الماء الذي اغرقهم أكثر من مرة، وقتل منهم الكثير قبل أن ينتصروا عليه في حربهم المستمرة والمتطورة والتي لها حكايات لا تنتهي.. لقد عقّلو الماء ووضعوا له لجاما ا!!
أمس دعاني الصديق الدكتور حسين الصعوب رئيس مجلس إدارة مياه اليرموك “مياه الشمال” للاستماع للتجربة الهولندية في مجال حربهم على المياه أو تطبيع الماء ونقله من أشكال التدمير إلى أن يصبح انيسا ويدخل في سلام وتسوية..
عندنا وفي عقيدتنا قوله تعالى “وجعلنا من الماء كل شيء حيا” هذا وجه من وجوه الماء الخيرة، اما الوجه الآخر فهو الوجه المدمر، وجه الغرق الذي جربه الهولنديون وشعوب أخرى في أوروبا وبنغلاديش وإندونيسيا وحتى حين يتنمر البحر على اليابسة ويعلوها ويغرقها كما في هولندا التي سميت الأرض المنخفضة..
هناك سجل للانتصارات الهولندية التي جاءت بعد هزائم وخسائر ودروس وعبر.. فقد عرفت هولندا الفيضانات وهجمات البحر وعرفت هجوم الأنهار على الأحياء السكنية والمدن والشواطئ بعد ارتفاع منسوبها، وقد ابتدع الهولنديون حلولا مذهلة و أصبحوا أساتذة العالم و معلموه في هذا المجال، ولولا ذلك لما استطاعوا الاستمرار في وطنهم وتحديدا عاصمتهم أمستردام المستهدفة..
في الثقافة العربية أحب الناس المطر والماء وخافوا واشفقوا من السيول التي كانت عدوة سكان الصحاري حين تتسلل فجأة فتغرق الحرث والزرع والضرع..
ولذا دعا أحد الشعراء الجاهليين بالمطر إن يهطل على ديار حبيبته ولكن خاف أن يغرق ديارها السيل فقال:
“وسقى ديارك غير مفسدها” أي دون تدمير لها ..
نعود إلى الورشة التي رأسها الدكتور حسين الصعوب والتي جاءها خبراء محاربة الفيضان الهولنديين ولمهمة مختلفة وعكس مهماتهم وهي مهمة النصح لصالح الماء وجمعه وإدارته للبلدان التي تشكو الفقر المائي وتعتبر كالاسفنجة التي تمتص.. وفي هذا المجال لديهم خبرة تفوق غيرهم..
الماء في بلادنا الأردن قصة ورواية والحاجة إليه ماسة، وهو أحد أسباب الحياة وأعمدتها وفقدانه كارثة لا سمح الله، فالعالم يساعد حين تقع الكوارث بالطعام والملابس والخيم والأدوية لكنه لا يستطيع أن يساعد بالماء إلا بشكل محدود، ولهذا فإن الماء سلعة استراتيجية..
عديد من دول العالم الصديقه على قائمة مساعدة الأردن في إدارة شؤونه المائية وهناك دول قدمت منح وآخرى قدمت خبراء ومشاريع.. ومنها ألمانيا، و الولايات المتحدة (يو اس إيد) واليابان واليوم هولندا التي دخلت بقوة وقدمت منحة بحوالي 6 مليون دينار من خلال شركة( wordwaterneb) “شبكة مياه العالم” لتعمل مع مياه اليرموك وتنقل الخبرات وتعالج مشاكل إدارة المياه في بعدها الفني والإداري وبعد الفاقد ومعالجة البنية التحتية و تقديم الخبرات، فالذي يحارب الماء في هولندا قادر على معالجته وعقد الصفقات معه ومهادنته، ومن هنا الخبرة والدراية والتعليم..
تحدثت مجموعة من الخبراء عن تجاربهم و قدم الهولنديون تجربتهم في محاربة المياه التي كانت كخطر الزلزال والحرائق والكوارث، ووضعوا قواعد و أسس يأخذ بها العالم الآن بما في ذلك الصين..
تحدث الخبراء وتحدث السفير الهولندي في عمان، وتحدث الدكتور حسين الصعوب الذي ثمن التجربة الهولندية ومساعدة مملكة هولندا للمملكة الأردنية الهاشمية،رابطا العلاقة بين العائلات المالكة والحرص الهولندي على مساعدة الأردن والاستثمار في العلاقة معه.. وقال أن التمويل لمياه الشمال في العديد من القضايا المشخصة يكفي من جانب منظمة غير ربحية.. وأن الهولنديين ينقلون خبراتهم ويشاركون..
روض الهولنديون الماء بأشد الأساليب نجاعة، كما تروض الاسود، وركنوا إلى خبراتهم و التكنولوجيا التي استثمرواها وسكنوا في مدنهم الواقعة دون مستوى سطح البحر وهم امنون، ولكن محتاطون على طريقة “اعقل وتوكل” فالعيون والإرادات والعقول مفتوحة والتنسيق قائم، وتلتقي على ذلك الأحزاب والطوائف والكنائس، أمام الخطر فكل المجموعات موحدة والشعار هو السلامة أولا وعدم التسامح مع الفيضان، وقد استمرت الحرب منذ سبعة قرون وإلى اليوم، حيث انتشار السدود والمجاري والمناهل والحدائق و الترع عبر البلاد كلها وخاصة الشواطئ بدل انتشار الدبابات والمدافع والطائرات والصواريخ.. أنها حربهم من أجل حماية الإنسان وتمكينه من أن يعطي ويبني الحضارة، فكانت هولندا أكثر دول العالم إنتاجا للورد والحليب و الزبدة و تربية الأبقار، و مجموع الدخل القومي يفوق كل الدخل العربي..
لقد قدم الهولنديون مع الماء تسوية وسلام في مجال الفيضانات ومجال النهر، ولهذا أصبح الحال هي الدعوة للعالم الذي يواجه نفس المخاطر ان استعينوا بالهولنديين الذين لم يبخلوا في تقديم تجربتهم في محاربة الماء وأيضا في استثماره والاستفادة منه..
نعم يقول حسين الصعوب هذه فرصة في الاستفادة من اصحاب الخبرة في إدارة مرافق المياه فهم الأفضل على مستوى العالم، وقد أدرك الأردن الحاجة لذلك ولذا فإن الأردن يستثمر في المياه ويهتم بها في الترتيب مباشرة بعد التعليم والصحة، ومازالت الدولة تدعم استهلاك الماء للمواطن باعتبار أن الكلفة عالية والمخزون حساس إلى أن تكون البدائل..
الحرب في هولندا على الماء والفيضان منذ عام الكارثة 1865 حيث تقبع أكثر من نصف مساحة أراضي هولندا تحت مستوى سطح البحر..
ورغم ذلك تصف هولندا بأنها الدول الأكثر سعادة بحسب البيانات فهي في المرتبة 17 بين 177 دولة في مؤشر الحرية الاقتصادية ، وهي العاشرة عالميا في أعلى مستويات الدخل الفردي..
وما زالت الذاكرة الهولندية تختزن العاصفة الثلجية سنة 1953 حين انهارت السدود وارتفعت الأمواج العاتية لتغرق هولندا.. وتختفي مدن وقرى وطرق وحقول ومصانع في السيول، وفي تلك الليلة فقد توفي 1835 نسمة.. وكان هذا الفيضان أسوأ كارثة تصيب البلاد .. منذ سبعة عقود والى اليوم جرى تحصين البلاد والانتصار على الماء في ما أسمي بالتجربة الهولندية.. واقيمت خمسة حواجز مائية وقال الخبراء الهولنديين : لقد أرغمنا التحول المناخي على تغيير طريقة تفكيرنا ،فلم يستسلم الهولنديون بل أجترحوا أساليب إنقاذ العالم.. وهم يخشون المستقبل والتغيرات المناخية و ذوبان القطب وارتفاع منسوب مياه البحر، وليس أمامهم خيار سوى مقاومة ذلك ومواصلة الحرب ضد المياه.. وخطر فيضان نهر الراين..
المعركة مستمرة وفيها تجديد (1100)كيلو متر من السدود وإنفاق يصل إلى7.4 مليار يورو سنويا ..
هولندا كما قال سفير المياه الهولندي منتبهة أننا نعيش مع المياه وهذه “ثقافة” ،وقال أحد أبرز الخبراء محذرا إذا:” اذا لم يتغلب العالم على مشكلة المناخ فإن ما سيصبنا هنا يتجاوز مجرد تبلل القدمين” فماذا نقول نحن في الاردن..نحن الذين نشكو قلة الماء سوى الحمد لله ..لكن علينا أن نقاتل أيضا مع الماء وليس ضده!!