عروبة الإخباري – فجر يوم السبت المنصرم انطلق العشرات من الشباب وكبار السنّ إلى شاطئ بحر غزّة، يسبحون فيه غير مبالين بالبرد الشديد، وكلهم قناعة أن السباحة في الماء البارد انتعاشٌ وصحةٌ وطاقة إيجابية، إنهم هواةٌ وعشاقٌ للسباحة، جَمَعتهم صلاة الفجر ثم بحر غزّة البارد، لذلك اختاروا وقت المربعانية أو (أربعينية الشتاء) للسباحة، والمربعانية مصطلح معروف في بلاد الشام ودول عربية عدة، يشير إلى بداية الأيام التي يشتد فيها البرد في فصل الشتاء.
وتبدأ “أربعينية الشتاء” في بلاد الشام ومعظم الدول العربية في 21/ 22 ديسمبر من كل عام، وتستمر مدة 40 يوما حتى نهاية شهر يناير.
الكابتن أبو محمود مهرة، أحد هواة السباحة يقول لـ”الشرق”:” نظمتُ فريقًا باسم هواة وعشاق السباحة في غزة، يضم العديد من الشباب وكبار السنة ممن يعشقون السباحة في كل الفصول وتزيد أعمارهم على السبعين، ويزيد عددهم على 120 شخصًا، إنهم فريق رائع محب للحياة مليء بالأمل”.
ويضيف:” أمارس السباحة يوميًا منذ عشرين عامًا في كل فصول السنة، وفي كل عام ينضم لفريقي ضيوف جدد من عشاق السباحة”.
ويتابع:” السباحة في الشتاء لها طعم خاص، حيث تشعر أن السماء والبحر كلُّهما لك نظرًا لعدم اكتظاظه بالناس كما في الصيف لكنها لا تزيد على العشرين أو الخمس والعشرين دقيقة”.
ويوضح مهرة أن تشكيل فريق هواة السباحة، والسباحة بشكل خاص في الشتاء نابع من منطلق صحي وديني واجتماعي، حيث أن الله سبحانه وتعالى قال لأيوب عليه السلام حين ابتُلي بالمرض “اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب”.
وبيّن أن “الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها قطاع غزة في ظل الحصار المطبق والرواتب المقطوعة وغيرها تركت آثارًا نفسية سيئة على نفوس الناس، ليكون متنفسهم البحر، وشتاء البحر على وجه الخصوص مميز”.
وبالرغم من نقص الاحتياجات الأساسية الخاصة بالسباحة وأهمها ملابس السباحة للحماية من لسعات القناديل لعدم وجود راعٍ رسمي للفريق إلا أنه مستمر في ممارسة هوايته نظرًا لفوائدها الجمّة، آملًا توفير احتياجاتهم.
*درجات علمية عليا
وأشار إلى أن الفريق إلى جانب الشباب فإنه يضم العشرات من كبار السن المثقفينَ وأصحاب الدرجات العلمية العالية منهم الأطباء ومنهم المهندسون ومنهم المعلمون والموظفون في مختلف المجالات.
الدكتور عدنان البرش الاختصاصي في جراحة العظام والمفاصل -46 عامًا- كان أحد الهواة والمشاركين في السباحة في ذلك اليوم، يؤكّد أن فاقد الشيء لا يعطيه، ولذلك فإنه يمارس الرياضة وينصح مرضاه دومًا بممارسة الرياضة ومنها المشي والجري وليس بالضرورة السباحة، فهو يعلم أهميتها خاصة لمن يعانون من آلام في العظام والمفاصل.
وقال:” منذ 3 سنوات وأنا أمارس السباحة بشكل يومي، إلا في حال حدوث طارئ ما، في الصيف أسبح قرابة الساحة، وفي الشتاء قرابة الثلث ساعة”.
ويضيف:” وإن كان وقتي ضيقًا للغاية بسبب ظروف عملي إلا أنني أغتنم ساعة ونصف بعد الفجر، فإنني إن لم أقضِها في السباحة أو المشي أو الجري على الشاطئ فإنني سأقضيها في النوم وشتان بين الاثنين”.
لقد اعتمد د. عدنان هذا الوقت للرياضة يوميًا حتى باتت عادةً لا يمكن أن يبتعد عنها وفق وصفه، ويعلق:” إنها ساعة من النشاط والطاقة والحيوية، هي صحة، والتقاء اجتماعي بين الأحبة”.
ومن بين الهواة شاركت الحكيمة أم ماجد سلامة -56- عامًا- برفقة زوجها البالغ 70 عامًا، وحول هذا تقول:” يبدو عليه أقل من عمره بكثير وهذا نتيجة ممارسته للسباحة باستمرار، فهو منذ 50 عامًا يمارسها بحب”.
لم يكتف أبو ماجد بممارسة السباحة وحده إنما علّم أولاده فاحترفوها، وعلّم أم ماجد أيضًا قبل عشرة أعوام، تروي أم ماجد العاشقة لقراءة أبحاث الصحة الرياضية:” من باب المحبة علّمني السباحة حين رأى رغبتي في ذلك، ولعلمه الكافي بأهميتها فكان يأخذني للبحر، وفي البداية استخدمت الطوفة، ثم شيئًا فشيئًا أتقنْتُ السباحة وبتُّ قادرة على مسابقة الشباب لشدة ما تملكني حب تلك الرياضة، إنني أمارسها لما تملؤني به من الطاقة إيجابية ولأنني أعلم كم هي مفيدة لجسم الإنسان “.
وتؤكد أم ماجد أن “الرياضة لا يحدها عمر، بل إنها تُشعِر من يمارسها بأنه في عز شبابه، فكل إنسان قادر على ممارستها ما دام اقتنع بفوائدها وأهميتها، إنها بحاجة لقليل من العزيمة والإرادة لتصبح عادة عظيمة”.
أم ماجد لم تشارك فقط في ذلك اليوم إنما تخرج برفقة زوجها صباح كل يوم بعد صلاة الفجر لقضاء وقت مليء بالإيجابية، وتوضح أن أكثر العلاقات دوامًا ومحبةً هي تلك التي نشأت في ظل هواية الرياضة والسباحة على وجه الخصوص، فلطالما أثبت الفلسطينيون أنهم قادرون على التّحدّي، صانعون للمِنَح من أصعب المِحن.