عروبة الإخباري – وصف حقوقيون تونسيون الحكم الغيابي بأربع سنوات سجن على الرئيس السابق المنصف المرزوقي، بـ”الفضيحة” والانتكاسة الخطيرة في مجال الحقوق والحريات، محذرين من خطورة تدخل الرئيس قيس سعيد في القضاء لمحاكمة خصومه.
وأصدرت المحكمة الابتدائية في تونس، الأربعاء، حكماً ابتدائياً غيابياً في حق الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، يقضي بسجنه “مدة أربع سنوات، مع الإذن بالنفاذ العاجل”، وذلك بتهمة “الاعتداء على أمن الدولة الخارجي”.
وأفاد بلاغ لمكتب الاتصال بابتدائية تونس، نقلته وكالة الأنباء التونسية، بأنّ القضية التحقيقيّة المتعلقة بالرئيس السابق “من أجل الاعتداء على أمن الدولة الخارجي، بتعمد تونسي ربط اتصالات مع أعوان دولة أجنبية الغرض منها، أو كانت نتائجها، الإضرار بحالة البلاد التونسية من الناحية الدبلوماسية”، انتهت بإحالته على الدائرة الجناحية بالمحكمة الابتدائية بتونس من أجل نفس التهم، وقد صدر الحكم فيها يوم الأربعاء 22 ديسمبر/كانون الأول 2021، وهو “يقضي ابتدائياً غيابياً بسجن المتهم مدّة أربع سنوات، مع الإذن بالنفاذ العاجل”.
وفي رده على القرار، قال المرزوقي في تدوينة له على “فيسبوك”، إنّ “الحكم صادر عن قاضٍ بائس بأوامر من رئيس غير شرعي”.
وأضاف المرزوقي: “حوكمت أكثر من مرة في عهد (الحبيب) بورقيبة، وحوكمت أكثر من مرة في عهد (زين العابدين) بن علي، والآن يصدر ضدّي حكم في عهد قيس سعيّد”.
وتابع: “رحل بورقيبة وبن علي وانتصرت القضايا التي حوكمت من أجلها، وبنفس الكيفية المهينة سيرحل هذا الدكتاتور المتربّص وستنتصر القضايا التي أحاكم من أجلها”.
وأكد المتحدث الرسمي باسم حزب “حراك تونس الإرادة” (الحزب الذي أسسه الرئيس المرزوقي)، عمر السيفاوي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أنه إذا “صح خبر الحكم الغيابي الصادر على الدكتور المرزوقي بهذه السرعة في ظرف شهر أو شهر ونصف، فإن هذا يعني أننا في غابة وليس في دولة”.
وأكد السيفاوي أنه “لا الدكتور المرزوقي ولا محاميته على علم بهذا الإجراء ولم تقع الإشارة عليهما”.
وشدد السيفاوي على أنّ “هذا الخبر على غرابة بمكان، ما يؤكد أننا لسنا في دولة”، مشيراً إلى أنه “لم تتوفر المعايير الأساسية للمحاكمة قبل الحديث عن المحاكمات العادلة، بل إنها لا تنطبق عليها معايير بمحاكمات القرون الوسطى”.
وبيّن أنّ “الأبحاث والتحقيقات الجنائية والإجراءات للإحالة على الدوائر الجنائية تتطلب سنوات، فلا يمكن أن يتصور العاقل أن تصدر أحكام جزائية مستوفية للإجراءات في تونس خلال شهر ونصف”.
وأضاف أنه “إذا صح خبر صدور الحكم بناء على التتبع الناجم عن تعليمات قيس سعيد، فهذا يعني أن الحكم صدر في قصر الرئاسة قي قرطاج”.
وأكد المتحدث باسم “حراك الإرادة” أنّ “هذه المحاكمة سياسية بامتياز.. وستزيد من اهتزاز صورة تونس وضرب مكتسبات الثورة وهذا أمر خطير جدا وهي رسالة للجميع”.
وتابع السيفاوي أنّ “هذا الحكم فضيحة كبرى وهو وصمة عار في جبين القضاء التونسي لا يمكن أن يشفى منها، فحتى زمن بن علي لم يحاكم المرزوقي ولم يسجن رغم معارضته الشديدة”.
وبيّن أنّ “بن علي لم يجرؤ في 1994 على سجن المرزوقي عند عودته لتونس رغم وجود حكم بالسجن، بل أمر بترحيله من المطار خشية الضجة الحقوقية الدولية”.
حقوقيون تونسيون: الحكم بحق المرزوقي “فضيحة”
وأثار الحكم الصادر في حق الحقوقي والرئيس السابق المرزوقي موجة استنكار وتضامن من قبل عدد من الحقوقيين والنشطاء التونسيين، الذين عبروا عن مساندتهم لحرية التعبير وحق المرزوقي في معارضة سعيد.
وقالت الحقوقية بشرى بلحاج حميدة، على صفحتها في “فيسبوك”: “إذا كان هذا الخبر صحيحاً فهو فضيحة، لأنه مهما نقدناه وعارضناه لم يسرق ولم يخطف ولا قتل ولا عذّب ولا أدخل عائلته في الحياة السياسية ولا ارتكب جريمة ضد أمن الدولة، إنّ سمعة تونس أصبحت في القاع”.
واعتبرت الحقوقية نزيهة رجيبة، في منشور على حسابها في “فيسبوك”، أنّ الحكم “فضيحة وعار لا يمحى حين نتذكر أن قضايا الإرهاب والفساد الأكبر تنام في رفوف ويعلوها الغبار لسنوات طويلة، رئاسة المرزوقي كانت فاشلة ولكن رئاسة سعيد شريرة وغشيمة”.
واعتبر المتحدث باسم “التيار الديمقراطي” محمد العربي الجلاصي، أنّ الحكم “ليس فقط وصمة عار على السلطة القائمة، بل هو إعلان بداية نهايتها، قوس وسيغلق”.
وقال الحقوقي والناشط رفيق الحلواني على صفحته في “فيسبوك”: “قضايا الإرهاب نائمة، وقضايا التسفير نائمة… أما رئيس سابق يحكم عليه بأربع سنوات لأنّه نقد رئيس الدّولة وعبّر عن رأيه كما يحبّ! هذا اسمه عبث واعتداء على حرية التعبير”.
وكانت محكمة الاستئناف في تونس، قد فتحت بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تحقيقاً في تصريحات للرئيس السابق المرزوقي، يوم 12 أكتوبر لقناة “فرانس 24” الفرنسية، قال فيها إنّه “يفتخر بسعيه لدى المسؤولين الفرنسيين لإفشال عقد القمة الفرنكوفونية في تونس باعتبار أنّ تنظيمها في بلد يشهد انقلاباً تأييد للدكتاتورية والاستبداد”.
وأفاد المتحدث باسم محكمة الاستئناف، الحبيب الترخاني، وقتها بأن ّ”وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس أذن بفتح البحث التحقيقي في حق المرزوقي، بناءً على الإذن الصادر من وزيرة العدل (ليلى جفال)”.
وإثر ذلك، أعلن رئيس الجمهورية، قيس سعيّد، أنه “سيتم سحب جواز السفر الدبلوماسي من كل من ذهب إلى الخارج يستجديه لضرب المصالح التونسية”، في إشارة إلى سفر المرزوقي بجواز سفر دبلوماسي إلى فرنسا، والتصريح حول القمة الفرنكوفونية. كما طالب وزيرة العدل بـ”أن تفتح تحقيقاً قضائياً في هذه المسألة، لأنه لا مجال للتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي”.
وفي تعقيب على تصريحات سعيّد، ذكر المرزوقي، في بيان نشره على “فيسبوك”، أنه “غير معنيٍّ بأي إجراءات يتخذها رئيس البلاد ضده على خلفية مواقفه الرافضة لإجراءات 25 يوليو”.