عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
سيسجل اسم منيب المصري الذي يتزعم حركة المستقلين الفلسطينيين بحروف بارزة في سجل الصراع مع اعلان الشعب الفلسطيني وعلى رأسهم الحركة الصهيونية وتعبيرها اسرائيل، وايضا بريطانيا التي أسست لوعد بلفور والذي ما زالت اثاره وارتداداته قائمة، وهو مسؤول عن كل المآسي التي لحقت بالشعب الفلسطيني ودمرت وطنه ومقدراته وجعلته تحت الاحتلال وفي قبضته..
لقد اختار المصري البحث عن جذور الصراع و اسبابه و مكوناته الاساسية ، فوجدها هناك في التواطؤ الدولي الذي انجز وعد بلفور واعط للصهيونية (اليهود) وطن الشعب الفلسطيني على حساب شعب جرى طرده واقتلاعه وتبديده في المنافي..
اختار المصري وهو صاحب رؤية في هذا الصراع الطريق الأصعب وهو طريق مقارعة التضليل، حين اختار محاكمة بريطانيا على وعد بلفور وفي عقر دارها ومحاكمها مع ما يترتب على ذلك من كلف ومسؤوليات وسط استهجان اولئك الذين اختصروا الصراع او اعتقدوا ان له مستويات معينة وتركوا جبهة المقارعة القانونية وبقي الصراع مقتصرا على البعد السياسي والمسلح فقط..
لقد تنبه الرئيس محمود عباس لهذا البعد ولذا رأى في خطوة واختيار منيب المصري معركة حقيقية من اجل حقوق الشعب الفلسطيني، إذ بادر لمساندتها من قبل وحتى اليوم، فقد أمر الرئيس في الذكرى الاخيرة للوعد الذي مضى عليه 104 سنوات بتنكيس الاعلام الفلسطينية واعتبار يوم صدور الوعد يوم حداد رسمي..
وكان الرئيس عباس قد كشف عن عمق التواطؤ الامريكي في اصدار وعد بلفور، بل رأى ان دور الامبريالية الامريكية منذ عهد الرئيس وودرو ويلسون اثناء الحرب العالمية الاولى لا يقل عن الدور البريطاني الذي صدر الوعد باسم وزير خارجيته، وكانت المعلومات التي اوردها الرئيس ابو مازن في كلمته امام المجلس الوطني الفلسطيني في رام الله، وايضا في مقابلات ومداخلات اخرى واضحة على المدى الذي لعبته الدوائر الصهيونية في الولايات المتحدة مستجيبة مع تلك التي في بريطانيا لاصدار هذا الوعد والمقايضة عليه بدخول الولايات المتحدة الى الحرب بجانب الحلفاء، رغم ان السياسة الامريكية قبل صدور الوعد كانت ضد التدخل في الحرب..
الان فتح باب صراع جديد في الصراع الفلسطيني الذي بدأ مبكرا منذ عام 1882 وهذا الباب غاية في الاهمية اذ لا بد من اجبار بريطانيا بكل الوسائل القانونية والسياسية على الاعتراف بخطأها التاريخي الرهيب والاعتذار عنه وتعويض الشعب الفلسطيني عن الويلات التي لحقت به ومازالت وفي المقدمة الاعتراف بدولة فلسطينة مستقلة..
ما زالت المعركه القانونية معركة الحقوق في بداياتها، فقد كسبت في حلقات اولى وها هي اللجنة التي يقودها منيب المصري وبمباركة مع الرئيس الفلسطيني تعقد اجتماعاتها في لندن وتختار افضل المحامين وتعد دفوعاتها وحججها وتنشئ لمرحلة جديدة يصيب فيها الصراع جذور القضية، ويطال كل المجرمين الذين شاركوا ليفضح جرائمهم على المستوى الدولي بعد ان ادرك المصري ورفاقه انه لا يضيع حق وراءه مطالب، و ان العالم اليوم اكثر تفهما لقضية الشعب الفلسطيني وادراكا لعدالة قضيته..
في خضم معركة الحقوق الهامة هذه والتي تقرب يوم انتصار الشعب الفلسطيني واقامة دولته، ادرك منيب المصري ان ثمة ثقب نازف في جسم الصراع في الجانب الفلسطيني وان هذا النزف الذي اضعف الموقف الفلسطيني في الصراع ، واتعب ادواته بل ومكن اسرائيل من اعتبار ذلك مشجباً تعلق عليه مبررات احتلالها وغطرستها وهروبها من السلام..
لقد ادرك المصري ان الانقسام هو السبب وان هذا الانقسام في صفوف الشعب الفلسطيني والذي اسست لة حركة حماس بانقلابها على الشرعية الفلسطينية كان هو السبب، ولذا دعا المصري الى ردم الانقسام ووقف تداعياته والى اعادة انتاج الحالة الفلسطينية الواحدة القادرة على التصدي والمستفيدة من تعاطف وتأييد المجتمع الدولي.. وهو ما يدركه الرئيس محمود عباس وهو يسعى لدى دول العالم الى تكريس الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي كان وراء توليد الاعتراف بها في الامم المتحدة كمراقب، وما زالت معركة بنائها دوليا مستمرة..
لقد استخلص منيب المصري كما ذكر لي ونشر الكثير من الدروس، وكانت رسالته الموجهة لسيادة الرئيس محمود عباس والتي اتحدث في مضمونها تدرك ذلك، وتدعو الى الاسراع في انهاء الانقسام مهما كانت الكلفة، وان تحمل كل الاطراف مسؤولياتها، اذا لا عافية او قوة كافية مع الشعب الفلسطيني في الصراع ما دام الانقسام الفلسطيني يسبب كل هذا النزيف في القضية ويبعدها عن اهدافها الوطنية والحقيقية ويبقيها رهينة للفعل الاسرائيلي..
جهود المستقلين الفلسطينيين لا بد ان تستمر وان تصب إلى جانب وخلف جهود الرئيس عباس الذي مكن هذا التيار من التعبير عن نفسه ورأى ضرورته و ضرورة اطلاق طاقاته لتحقيق حلم الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير..