عروبة الإخباري – بترا
أكد خبراء بالاقتصاد أن معالجة التضخم، تتطلب تطبيق سياسات اقتصادية حصيفة قصيرة وبعيدة المدى، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المحلية والعالمية، وتكون عابرة للحكومات، لتحسين مستوى معيشة المواطنين.
وطالبوا في أحاديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، بضرورة بحث إمكانية إحلال بعض المستوردات الرئيسية بصناعات أو منتجات محلية، وتطبيق سياسات زيادة الإنتاج وتشجيع الاستثمار وتخفيض الضرائب وتوليد فرص العمل، بما يرفع مستويات الدخل للأفراد بنسب أعلى من معدلات التضخم.
وارتفع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلك (التضخم) منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية شهر آب الماضي، بنسبة 09ر1 بالمئة، ليبلغ 14ر102 مقابل 04ر101 لنفس الفترة من العام الماضي 2020.
وقالت رئيسة صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي خلود السقّاف، إن التضخم المحلي أو المستورد، ينتج عن عدة عوامل، منها ارتفاع الطلب أو انخفاض الإنتاج، ما يؤدي إلى خلق فجوة في الأسواق ينجم عنها ارتفاع الأسعار، وارتفاع المعروض النقدي أو حجم الأموال المتداولة بين الناس، ما يدفعهم لإنفاق المزيد، فيما تؤدي الزيادة في تكلفة إنتاج بعض السلع، إلى ارتفاع سعر المنتج النهائي.
وأضافت أن” بعض المنتجين، يرفعون الأسعار لتغطية الزيادة المتوقعة في أجور العمال الراغبين في مواجهة تزايد تكلفة المعيشة، ما يفاقم معدل التضخم”، مشيرة إلى أنه يمكن للكوارث الطبيعية التي تقلل من الإنتاج المعروض، وارتفاع أسعار المنتجات العالمية مثل النفط والغذاء، أن تتسبب في التضخم.
وأكدت أن معالجة التضخم، تتوقف على السبب الأساسي الذي أدى إليه، فإذا كان الاقتصاد يعاني من نشاط متزايد في الطلب، فيمكن للبنوك المركزية، تنفيذ ما يعرف بالسياسات الانكماشية التي من شأنها كبح جماح الطلب الكلي، من خلال رفع أسعار الفائدة. وأشارت إلى أنه “في حالات أخرى، قد تكون الخيارات محدودة لمعالجة التضخم مثل ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، إلا إذا حددت الحكومة الأسعار بنحو مباشر، وهذا قد يحدث عندما تبدو الأمور في طريقها للخروج عن السيطرة بما لا يطيقه المواطن، رغم أن هذا الإجراء يؤدي عادة إلى تراكم الالتزامات المالية على الحكومة”.
ودعت إلى اعتماد أحد الحلول أو كلها، كزيادة الأجور وتخفيض الضرائب مثل ضريبة المبيعات على السلع الرئيسية التي يستهلكها المواطن، وتقديم دعم نقدي للسلع الأساسية، لمعالجة آثار التضخم وانخفاض القدرة الشرائية للمواطنين في المدى القريب.
وعلى المدى البعيد، أكدت السقاف ضرورة الإمعان في أسباب التضخم لوضع الحلول المناسبة له، من خلال بحث إمكانية إحلال بعض المستوردات الرئيسية بصناعات أو منتجات محلية، في حال كان التضخم مستورداً، أما إذا كان السبب محلياً، كارتفاع الطلب المحلي واستمرار ارتفاعه، فيجب تطبيق بعض السياسات لزيادة الإنتاج وتشجيع الاستثمار مثل تخفيض دائم في الضرائب وخاصة على الشركات، بما يرفع الإنتاجية ويولّد المزيد من فرص العمل، ويرفع مستويات الدخل.
ولفتت إلى أن تخفيض الضرائب على المنتجات، خاصة المواد الأولية في حال كان سبب التضخم هو ارتفاع تكاليف الإنتاج؛ سيساعد في تخفيض هذه التكاليف، والتوسع في الإنتاج وبالتالي زيادة دخل المواطن.
عضو مجلس إدارة بورصة عمان والخبير الاقتصادي والمالي مجد شفيق، قال إن أي بلد يستورد جزءاً كبيراً من مُستهلكاته ومدخلاته الإنتاجية، سيتأثر بنحو كبير من ارتفاع الأسعار في العالم، سواء أكان هذا الارتفاع في أسعار المواد الاستهلاكية أو أسعار مدخلات الإنتاج.
وأشار إلى أهمية استخدام الأدوات المالية التي توفرها أسواق المال العالمية، في المدى القريب، مثل العقود الآجلة، للتحوط من التقلبات السلبية للأسعار.
وبين أن الأردن “يستورد آفة التضخم” رغم محاولات إحلال الصناعة المحلية مكان المستوردة، إذ إن مدخلات إنتاج الصناعة المحلية في معظمها، ومنها البترول، مستوردة، داعياً إلى معالجة الأمر بسياسة اقتصادية “حصيفة” قريبة وبعيدة المدى، تأخذ بعين الاعتبار المعطيات المحلية والعالمية، وتكون عابرة للحكومات، وتهدف إلى تحسين مستوى معيشة المواطن الأردني. وأكد ضرورة معالجة مشكلة الإنتاجية العمالية على المدى البعيد، كون الدول الأقل تأثراً بالضغوطات التضخمية، هي التي تكون إنتاجية العمالة فيها مرتفعة نسبياً، مستشهداً بعام 2008 الذي وصل فيه سعر برميل النفط إلى نحو 145 دولاراً، دون أن تتأثر اقتصادات الدول ذات الإنتاجية العالية بذلك.
وقال إن “العامل ليس من يعمل في المصنع أو الشركة، وإنما هو أيضاً مدير الشركة ورئيس مجلس الإدارة وموظف القطاع العام والوزير ورئيس الوزراء والأستاذ والمعلم والطبيب وغيرهم من مكونات العمالة في أي بلد، حسب المفهوم الاقتصادي لهذا المصطلح”وأعرب شفيق عن قلقه من نتائج دراسات حديثة، تشير إلى أن إنتاجية العامل في الأردن في “السالب” منذ 2010، داعياً إلى وضع وتنفيذ سياسات وطنية هدفها زيادة إنتاجية العمالة الأردنية، لمواجهة معدلات التضخم العالمية، مستمرة الارتفاع، لأسباب متعددة، منها جائحة كورونا، وانتهاء عهد سياسات التوسع الكمّي التي انتهجتها العديد من البنوك المركزية في العالم، وما نجم عنها من أسعار فائدة منخفضة.
واعتبر المدير العام السابق لجمعية البنوك في الأردن الدكتور عدلي قندح، ان القليل من التضخم، أمر صحي للاقتصاد، كونه يعكس في الغالب تحسناً في نوعية السلع والخدمات المقدمة للمواطنين، مشيراً إلى أن البنوك المركزية في العادة، تستهدف معدلات تضخم تحوم حول نسبة 2 بالمئة في الدول الصناعية، وأعلى قليلاً في الأسواق النامية والناشئة.
وأكد ضرورة دراسة آثار التضخم على الاقتصاد والقدرة الشرائية، بنحو تراكمي لأكثر من سنة، بما يمكّن من تقدير هذه الآثار على القوة الشرائية والعملة المحلية، مع الأخذ بعين الاعتبار اختلاف درجة تأثيره على المواطنين، باختلاف الاستهلاكية من شخص لآخر.
وقال إن نسبة التضخم في الأردن للأشهر الثمانية الماضية من العام الحالي، وصلت أعلى قليلًا من واحد بالمئة، وهو ما يستدعي أن يؤخذ كمتوسط لمعدل التضخم لتلك الفترة من السنة، ودراسة نسبته لسنتين أو ثلاث سنوات بالحد الأدنى، لمعرفة حجم الأثر على دخل الأسر، ووضع سياسات اقتصادية ومالية مُعالجة.
وبين أن معالجة آثار التضخم وضعف القدرة الشرائية للمواطنين على الاقتصاد، تتطلب رفع مستويات الرواتب والأجور، بنسب أعلى من معدلات التضخم، وتخفيض الضرائب والرسوم الجمركية المفروضة على السلع والخدمات، خاصة المستورد منها، بما يرفع القدرة الشرائية للأفراد والأسر، ويخفض التكاليف، وبالتالي يخفض مستويات الأسعار النهائية التي يدفعها المستهلك.
ومن حيث السياسة النقدية، أشار قندح إلى إمكانية مساهمتها في تخفيف آثار التضخم، من خلال تخفيض أسعار الفائدة الرسمية، لتحفيز البنوك على تخفيض أسعار الفائدة السوقية، داعياً إلى اتباع سياسة إحلال المستوردات، على المدى البعيد، بما يخفف من التضخم المستورد الذي يشكل نحو 55 بالمئة من التضخم المحلي.
ولفت إلى أن الحد من الاحتكار الذي تمارسه بعض الشركات العاملة في قطاعات الكهرباء والمياه والمشتقات النفطية، يسهم في تخفيف تداعيات التضخم، من خلال فتح القطاعات الاقتصادية للمنافسة، ودخول منتجين جدد للأسواق، بما يرفع التنافسية، وينعكس على تخفيض أسعار السلع والخدمات التي تقدمها إيجابياً.
وعرّف رئيس قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية في جامعة اليرموك، الدكتور سهيل مقابلة، التضخم، بأنه الارتفاع في المستوى والمتوسط العام لأسعار السلع والخدمات على مستوى الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى أن الاستمرارية في الارتفاع شرط لوجود التضخم.
وقال الدكتور مقابلة إن زيادة النمو الاقتصادي، أي زيادة الطلب الكلي على السلع، قد تحدث تضخماً، إذا كان النمو في الأسعار أعلى من معدلات النمو في مستوى الدخل، ما سيخفض القدرة الشرائية للمواطنين، لافتاً إلى أن هناك أسباباً داخلية وخارجية للتضخم.
وأوضح أن زيادة الطلب على السلع والخدمات، الذي قد يؤدي لرفع أسعارها محلياً هو سبب داخلي للتضخم، أما الطلب الخارجي على السلع والخدمات المحلية من بلدان أخرى بما يؤدي إلى ارتفاع اسعارها محليا،ً فيعد سبباً خارجياً.
وأشار إلى أن ارتفاع تكاليف الإنتاج، والطاقة وعدم الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، تعد عوامل تثبط الإنتاج المحلي وتؤدي لارتفاع الأسعار، وزيادة الاستيراد، وتحمل تكاليف الرسوم الجمركية وارتفاع أسعار الشحن.
ولفت إلى ضرورة أن يكون نمو الدخل الفردي أعلى من معدل التضخم حتى لا تضعف القدرة الشرائية ومستويات المعيشة، وهو ما يستدعي توفير فرص العمل، من خلال تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل تكاليفه، ودعم المنتج الوطني بما يحقق تنافسية عالية له، وإحلال بعض المستوردات.
وبين مقابلة أن التضخم قد يؤدي إلى انكماش اقتصادي في نهاية المطاف، إذ إن زيادة أسعار المواد الخام التي تدخل في العملية الإنتاجية، ستؤدي لزيادة التكاليف، التي تفضي بدورها إلى انخفاض مستوى الإنتاج وانخفاض العرض وارتفاع الأسعار في ظل المنافسة الدولية.
إلى ذلك، أكد المستشار الاقتصادي الدكتور محمد الرواشدة أن قياس التضخم، يتم من خلال مؤشر أسعار سلة المستهلك، التي تضم عدداً من السلع الأساسية، ومعرفة مستوى الطلب على هذه السلع والخدمات ومدى تأثرها بارتفاع المواد الخام مثل النفط.
وأشار إلى ان السيطرة على التضخم، تتم من خلال رفع الضرائب التي تقلل الاستهلاك، وبالتالي تخفّض الأسعار لقلة الطلب عليها، بالإضافة لرفع أسعار الفوائد البنكية، ما يدفع المواطنين لإيداع أموالهم في البنوك، فيقل النقد المعروض في السوق المحلية، وينخفض الطلب على السلع والخدمات، فتنخفض أسعارها، إضافة لتخفيض الإنفاق الحكومي.
وأوضح بأن الحالة الأردنية، تستدعي تخفيض أسعار الفائدة، وضخ سيولة في الأسواق، وتخفيض الضرائب على بعض السلع، بنحو يشجع المواطنين على زيادة الاستهلاك، ليستعيد المواطن ثقته بالمنتج المحلي والاقتصاد ككل.
وأكد الرواشدة أن أهم عامل يؤدي لانخفاض التضخم، هو بحث المواطنين عن سلع وخدمات بديلة لتلك التي ارتفعت أسعارها، ليعززوا قدراتهم الشرائية، مشيراً إلى أن مطالبة الباحثين عن عمل أو من هم على رأس عملهم بأجور تحتوي ارتفاعات الأسعار، يسهم لاحقاً في انخفاض معدلات التضخم.