عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
أكمل أبو زيد دولة سمير الرفاعي المهمة المناطة به في قيادة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وتصحيحها، وإعادة انتاج حالة أردنية في الحصاد الذي توفر نتاج حوارات واسعة وعميقة وصبورة، والذي وضعه بين يدي جلالة الملك الذي استانس بهذا العمل وباركه وقبله ملتزماً بالدفاع عنه من قبل أن يبدأ وبعد أن استكمل ، وقد وفر هذا التعهد الملكي الراشح لجهود اللجنة أن تثمر وأن تستوي على سوقها ، وأن تظهر بجراة وأن يقال أن ما انجز فوق التوقعات..
لقد ناقشت اللجنة بشكل افقي وعمودي أحداثاً ومناسبات ومسيرة كاملة تزامنت مع احتفالات المملكة بالمئوية، فالرفاعي الذي عرفناه واسع الصدر ليبراليا متأثراً بالتفكير الملكي ومؤمنا به سبغ العمل كله بنفس ليبرالي محايد، لم يُسقط عليه أحكاما جاهزة، ولم يخضع لأي ضغوطات مهما كانت ، وقد كانت اجابته على سؤال الملك ان كان هناك من يتدخل أو يضغط أو يبتز أجابة واحدة “لا”..
الرفاعي طلب من جلالة الملك أن يتلطف بابداء الملاحظات أو احداث أي تغيير يراه، سيما وأن اللجنة بنت سقوفاً عالية وأعادت بناء حدود جديدة، وأسست لمناخات لم يكن أحد يعتقد أنه يمكن الوصول إليها بالتوافق والرضا..
الآن لا بد أن تتوفر لنتائج أعمال هذه اللجنة ضمانات من طرفين الأول من طرف الشعب والثاني من طرف الحكومة ، فالشعب أبدى رضاه عن أعمال اللجنة فيما صدر من مواقف وتعليقات وأخبار، حيث اكتسبت أعمال اللجنة تأييداً واسعاً بدأ ضعيفاً ليزداد بسرعة كبيرة فاجأت كثير من المراقبين ، إذ رأت قطاعات نابهة من شعبنا حرص اللجنة ومصداقيتها وصلابتها وقبولها الرأي والرأي الآخر، وكانت لحكمة رئيسها وأخذه بمنطق “ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك” ولذا كانت معاملة الرئيس مع كل أعضاء اللجنة التي هي أكبر لجنة حوار في تاريخ المملكة حتى الآن ، والتي ضمت كل الألوان وكل التوجهات .. كانت معاملة لائقة ومتميزة وحريصة وفيها احترام واضح..
لقد أخذت الاجتهادات في اللجنة مداها وخاصة في أهم موضوعين سياسيين نوقشا وهما قانون الانتخاب وقانون الاحزاب، إذ لم يكن يعتقد أي مراقب أن التوافق على ذلك يمكن أن يكون سهلاً..
لقد فكك الرئيس الرفاعي من خلال الحوارات كل العقد التي كان يعتقد البعض أنها لا تفكك ولا تناقش، وكان هدفه أن ينظف كل شيء في المسيرة الأردنية، وان لا يكون “تابو” على أي شيء حتى تغلق الاشياء على نظافة ولا يجري القفز عن شيء ، ولذا كان في اللجنة من خلال حواراتها الخصبة نقداً ايجابيا صحح الكثير من المفاهيم المتعلقة حتى بأحداث عام (1970) حتى لا يظل البعض يستعملها وسادة يضعها تحت رؤوس الأغلبية ..
ومن هنا شجع الرئيس الرفاعي للتوقف عند كل القضايا، فلا شيء ممنوع على النقاش، ولا شيء يمكن أن يظل فزاعة أو موقع استغلال او اعاقة او مكان يمكن النفاذ منه ..
وحتى مفهوم الهوية .. جامعة او فرعية.. صاحبة امتياز او غيره لم تبق بعيدة عن التوضيح، فالاصل هو الانسان الاردني حقوقه وواجباته، فمن حاز على الرقم الوطني له ما للجميع وعليه ما على الجميع، ولا داعي للتشطير او التهميش او الحماسة الزائدة أو الاستعمال لاولئك الذين ظلوا يعتبرون الوطنية “إغارة” ويرددون “يا غيرة الله” دون دافع الّا مصالحهم..
لقد وجد الرفاعي الطريق عنده سالكة لمناقشة كل هؤلاء حتى اصحاب “الرقاب الحمراء” او الذين ظلوا يقولون “انا وجدنا أباءنا على هذا وانا على اثارهم مقتدون” ، فقد كان الواجب الوطني في اللجنة ان تمحص كل الاقوال والمسلمات، وان يعاد بناء المنظومة السياسية من مكونات نظيفة و بهندسة لائقة بأردن المئوية الثانية وشراكة العصر..
الرفاعي الذي تحدثت معه لساعة بسط كل ما لديه مما يمكن ان يقال، وهو يراهن على الارادة الملكية التي اسعفت اعمال اللجنة وعلى الحاجة الوطنية الاردنية لما انجز، ويرى ان الشعب الذي بارك اعمال هذه اللجنة كما عكس ذلك في وسائل الاعلام، سيجد أن هذه الاعمال ستترجم من خلال الموقف الرسمي للحكومة التي أبدت وان شاء الله تستمر في تأييد اعمال اللجنة وخلاصة ما صدر عنها.. وهذا الامر ضروري وفيه الضمانات التي تحدث عنها جلالة الملك، ولذا فإن توفر الرضى الشعبي وتأييده والعمل الحكومي المخلص سيصل بمفردات اللجنة ان تكون الوقود والزاد الذي سيصل بشعبنا لتحقيق طموحاته الديمقراطية..
لقد سلحت اعمال اللجنة التي تمت جلالة الملك بمواقف واوراق جرى توظيفها وقبولها لدى المجتمع الدولي الذي يحترم الاردن وجهوده في مجال تعظيم المشاركة وحقوق الانسان، وخاصة اثناء زيارة جلالة الملك للولايات المتحدة ولقاء الرئيس بايدن، وكذلك زياراته الاوروبية، فقد كان لديه الكثير مما يقوله من اعمار للمسيرة الاردنية وتعظيم مشاركتها ..
كما جاءت اعمال اللجنة اشارة حيوية في منطقة ضربها التصحر الديمقراطي واستغلت في جنباتها الصراعات الدامية والمؤسفة، وبدل ان تختار الذهاب الى الحوار وصناديق الاقتراع اختار المهيمنون فيها البنادق والحرائق…
اعمال اللجنة ما زالت برسم المرور في حلقات التشريع والاقرار، وهي بذور ستؤتي أكلها في غرس طيب جذره في الارض الاردنية وفرعها في السماء نتباهى به ونشعله كمنارة لمن يريد ان يهتدي ويسترشد..