عروبة الإخباري – على الرغم من الأجواء السياسية المشحونة في بغداد، إثر الخسارة التي منيت بها القوى السياسية الحليفة لإيران، وتحشيد أنصارها للنزول إلى الشارع وتنظيم احتجاجات ووقفات تطعن بشرعية الانتخابات، وما ترتب على ذلك من إغلاق كامل للمنطقة الخضراء، ونشر وحدات عسكرية بمناطق عدة من العاصمة، إلا أن مصادر رفيعة في “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، أكدت أمس الاثنين، عن بدء مشاورات وصفتها بأنها “أولية”، مع أطراف سياسية عدة بخصوص تشكيل الحكومة المقبلة.
وتحدثت المصادر عن “وجود شخصيات عدة مرشحة للمنصب من التيار ومن خارجه أيضاً”، وهو ما يتعارض مع تمسك القوى المنضوية ضمن ما يعرف بـ”الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى سياسية شيعية وفصائل من الحشد الشعبي، بتشكيل الكتلة الأكثر عدداً داخل البرلمان، في إشارة إلى نيتها منافسة الصدريين على حق تشكيل الحكومة.
وعلى مدى الدورات البرلمانية السابقة، تسبب الخلاف حول تفسير البند الدستوري المتعلق بأحقية الكتلة الكبرى في البرلمان في تشكيل الحكومة في خلافات واسعة أدت إلى تأخير تشكيل الوزارة، خصوصاً بعد التفسير الذي قدمته المحكمة الاتحادية بشأن ذلك، وهو أن الكتلة الكبرى ليست الفائزة بالعدد الأكبر من الأصوات في الانتخابات، بل الكتلة التي تتشكل داخل البرلمان بأكثر عدد من المقاعد.
ولذلك فإن تحركات الصدريين التي تعتبر مبكرة جداً، خصوصاً أن نتائج الانتخابات ما تزال تنتظر تصديق المحكمة الاتحادية العليا فضلاً عن تأكيدات مفوضية الانتخابات بأنها ما زالت تدرس عدداً من الطعون التي قدمتها القوى المعترضة على النتائج، يمكن أن تكون ردة فعل على تحركات يجريها المعسكر الآخر الذي يتصدره رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، لجمع تحالف يضم القوى السياسية الشيعية لتكوين الكتلة الأكثر عدداً، والتي يحق لها تشكيل الحكومة.
وعقدت الهيئة السياسية للتيار الصدري، أمس الإثنين، أولى اجتماعاتها في بغداد، وضم هذا الاجتماع عدداً كبيراً من أعضائها الذين فازوا في هذه الانتخابات. ونقل بيان للهيئة عن رئيسها وأبرز مساعدي مقتدى الصدر، نصار الربيعي، قوله إن “على الكتلة النيابية الصدرية مهام جسيمة في المرحلة المقبلة”، من دون ذكر مزيد من التفاصيل، في وقت يجري فيه الحديث عن قرب وصول زعيم التيار إلى بغداد خلال الأيام المقبلة قادماً من النجف.
وأبلغت مصادر سياسية من الكتلة الصدرية، بأن الاجتماع الذي عقد أمس الإثنين “كان بطلب من زعيم التيار الصدري، للبدء ببحث مرحلة تشكيل الحكومة المقبلة، مع الوضع في الحسبان التدخل الإيراني والأميركي في هذا الإطار”. وأكد أحد هذه المصادر وهو قيادي في التيار الصدري، أن “قرار تشكيل الحكومة اتخذ صدرياً، وهناك تحديات كبيرة في طريق هذا القرار يجب التعامل معها؛ أولها الخارجي منها”، كاشفاً عن وجود تفاهمات وصفها بـ”مبدئية” بين الصدريين وكتلة “تقدم”، بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، الذي حلت كتلته ثانية في الانتخابات، وكذلك الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، بشأن تشكيل الحكومة الجديدة. لكن القوى الحليفة لإيران تعتبر أن منصب رئاسة الوزراء شأن شيعي، ويتطلب موافقة جميع مكونات البيت الشيعي على الشخص المكلف للمنصب من دون تفرد من أي طرف، وهو ما يجعل أي تفاهم مع الأطراف الأخرى مقيداً.
وتحدث المصدر نفسه، الذي طلب عدم ذكر اسمه، عن وجود “وساطة إيرانية ما زالت في بدايتها يقودها السفير الإيراني لدى العراق، إيرج مسجدي، وآخرون لتخفيف التوتر الحاصل بين القوى الشيعية ومنع التصعيد في بغداد حالياً”. لكنه أكد أن “الصدريين يريدون رئاسة الوزراء التي ظلت محتكرة طوال السنوات الـ 17 الماضية بين حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الإسلامي الأعلى، قبل وصول رئيس الوزراء التوافقي مصطفى الكاظمي”، في إشارة إلى كل من إبراهيم الجعفري، ونوري المالكي وحيدر العبادي وعادل عبد المهدي.
بدوره، قال رحيم العبودي، القيادي في تيار “الحكمة”، وهو عضو في “الإطار التنسيقي الشيعي”، إن “التيار الصدري يجري حالياً اجتماعات وتحركات بشأن الحكومة والعملية السياسية، وهذا يؤكد تمسكه بالنتائج المعلنة للانتخابات التي نرفضها نحن في الإطار التنسيقي”. وأشار في حديث مع “العربي الجديد”، إلى وجود “اتفاقات بين الصدر و(مصطفى) الكاظمي على المضي بالنتائج، وإهمال مطالب القوى الشيعية التي تعرضت النتائج الخاصة بها للتلاعب”.
وأضاف العبودي أن “الإطار التنسيقي للقوى السياسية الشيعية، لم يعد مجرد تجمّع يضم الأحزاب والكيانات، بل إنه تحالف سياسي سيستمر، وبمجرد النظر إلى أعداد ما كسبته هذه القوى داخل التحالف الجديد من مقاعد داخل البرلمان، والتي تتجاوز الـ90 مقعداً، وهذا الرقم حتماً يتجاوز عدد مقاعد التيار الصدري، يمكن التأكد بأنه بإمكان هذا التحالف التوجه إلى البرلمان وتشكيل الحكومة الجديدة”. وختم العبودي بالقول إن “منصب رئيس الحكومة هو خيار شيعي، ولا بدّ أن يتم التوافق حوله من قبل جميع الأطراف الشيعية، ولا قيمة لأي تفاهمات خارج هذا الإطار الآن”، في إشارة إلى تحرك الصدريين لتشكيل الحكومة.
في الأثناء، أعلنت “حركة امتداد” المنبثقة عن الحراك الشعبي في العراق، أمس، أن لديها “تفاهمات” مع قوى ناشئة أخرى ومستقلين، لتشكيل الكتلة البرلمانية الكبرى. وقال المتحدث باسم الحركة، منار العبيدي، في مؤتمر صحافي في بغداد، إنه “في حال لم ننجح بمساعي تشكيل الكتلة الكبرى، سنتوجه نحو تشكيل معارضة برلمانية”.
ويعتبر مراقبون أن حكومة العراق المرتقبة، التي ستكون الثامنة منذ الغزو الأميركي، قد تتأخر لفترة أطول من أي حكومة سابقة، بسبب التقاطعات الكبيرة بين المعسكرين الشيعيين. ورأى الخبير في الشأن السياسي العراقي، وائل الحازم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الحكومة الجديدة لن تتشكل بالتسويات مثلما حصل حين اختير مصطفى الكاظمي، لأن مقتدى الصدر تحديداً لم يعد مؤمناً بمرشحي التسويات كونهم فشلوا خلال الحكومتين الماضيتين”. وأوضح في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تحالف تقدم بزعامة الحلبوسي، ينتظر الجبهة الشيعية التي ستوافق على منحه منصب رئيس البرلمان لولاية ثانية، كي يدعمها لتشكيل الحكومة، كما أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني يريد ضمان الإدارة المشتركة في المناطق المتنازع عليها، من قبل طرف شيعي ليتحالف معه. وبالتالي، من يقدم تنازلات أكثر للقوى السنية والكردية سيتمكن من تشكيل الحكومة”.
وأعلنت المفوضية العليا للانتخابات العراقية، السبت الماضي، النتائج الكاملة للانتخابات التشريعية الخامسة في البلاد بعد الغزو الأميركي. وتصدر التيار الصدري الكتل الفائزة، بواقع 73 مقعداً، أي ما يقرب من ربع مقاعد البرلمان البالغة 329، فيما حصلت القوى السياسية التي توصف بأنها مدعومة من إيران، وأبرزها ائتلاف “دولة القانون” بزعامة المالكي، على 34 مقعداً، وتحالف “الفتح”، الذي يمثل الجناح السياسي لـ”الحشد الشعبي”، ويضم ست كتل وأجنحة سياسية لفصائل مسلحة، على 17 مقعداً فقط. وحصد تحالف “العقد الوطني”، بزعامة رئيس “الحشد الشعبي” فالح الفياض، والذي دخل في تحالف مع الحزب الإسلامي العراقي، الذي يمثل الجناح السياسي للإخوان المسلمين في العراق، على 5 مقاعد فقط.
وعلى غرار الدورات البرلمانية الثلاث الماضية، فإن عدد مقاعد القوى السياسية الشيعية، وصل إلى 170 مقعداً، بمعنى أكثر من نصف مقاعد البرلمان البالغة 329. وتتوزع المقاعد الـ170 على سبع قوى وكتل رئيسية كانت دخلت في انتخابات 2006 بتكتل واسع أطلق عليه اسم “التحالف الوطني”، قبل أن تنقسم إلى عدة كتل منفردة شاركت في الانتخابات اللاحقة، وتحالف أغلبها لاحقاً داخل البرلمان، وهو ما حدث في برلمان 2010 و2014. في حين تسبب عدم اتفاقها على تحالف في انتخابات 2018، إلى بروز ما بات يعرف بـ”رئيس الوزراء التوافقي”، واختيار عادل عبد المهدي رئيساً للوزراء آنذاك بوصفه لا يتبع للصدريين أو لحزب الدعوة أو لتحالف الفتح.
وبينما تمتلك الكتلة الصدرية الآن 73 مقعداً في البرلمان، تسود ترجيحات عن قرب انضمام نواب شاركوا في الانتخابات مستقلين، إلى الكتلة الصدرية، من بينهم نائب في ديالى وآخران في بغداد والبصرة. في المقابل، فإن الكتلة الأخرى تمتلك عدداً تقول إنه يفوق الـ 90 مقعداً، لكن بالنظر إلى النزيف الحاد الذي سببه المدنيون والمستقلون في مقاعد تلك القوى في النجف وكربلاء وواسط وذي قار، وتأكيدهم عدم دخولهم في الصراع الحالي بين المعسكرين، فإن الرقم 90 يبدو بعيداً عن هذه القوى التي يمثلها المالكي ضمن المحور السياسي الجديد “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية”. ويضم هذا المحور ائتلاف “دولة القانون” بواقع 34 مقعداً، وتحالف “الفتح” بواقع 17 مقعداً، وتحالف “قوى الدولة” بواقع 5 مقاعد، ومثلها لـ”العقد الوطني”، وتحالف “تصميم” بواقع 4 مقاعد، وكتلة بابليون المسيحية، وهي الجناح السياسي لمليشيا بابليون بزعامة ريان الكلداني، والتي حصلت على 4 مقاعد من أصل 5 مقاعد مخصصة ضمن الكوتا المتعلقة بالمسيحيين، ودخلت سابقاً في تحالف الفتح، إضافة إلى كتل صغيرة أخرى حصلت على مقعد واحد أو اثنين مثل “سند”، وجبهة تركمان العراق، ومقاعد لبعض الأقليات أبرزها للمكون “الفيلي”.
لذا، فإنه من الصعب الجزم بشأن قدرة أي من الطرفين على الظفر بالكتلة الأكثر عدداً التي منحتها المادة 76 من الدستور حق تشكيل الحكومة، ومن المرجح أن الحراك السياسي سيشمل محاولات إقناع بعض المستقلين بالانضمام لأحد الطرفين لكسب أكبر عدد من المقاعد.”العربي الجديد”