بعد انتهاء اللجنة الملكية لاعمالها وبدء الحكومة تحضير اوراقها للدخول ببرنامج الاصلاح السياسي لمجلس النواب، والذي يعقد دورته العادية الاولى فى الخامس من تشرين الثاني من العام الحالي تكون اولوية المشهد العام الاصلاح السياسي، وهذا يعني ان الدورة القادمة لمجلس النواب ستكون ذات صبغة تحمل مدلول الاصلاح السياسي، وهذا ما يعني ايضا ان الحكومة والاحزاب من المفترض ان يقوما بدور تشاركي يسمح باعادة انتاج المشهد الحزبي لذاته ويقوم الفريق المشترك المفترض تكوينه بالعمل ضمن برنامج عمل يقوم على تهيئة الاجواء امام المؤسسة الحزبية لتكون قادرة على احداث تغيير نوعي بالاستقطاب الشعبي والنوعي؛ بما يمكنها من اعادة تعديل رسالتها وتحديد بوصلة لاستقطابها فيها وايجاد وسائل داعمة بمرونة مساحة تجعل من ميزان حركتها افضل وايسر، وهذا ما يتطلب من الاحزاب تشغيل محركات اضافية تسعف حركتها في مرحلة التاسيس والتشييد والبناء القادمة للتوافق مع مستجدات المرحلة وعناوينها؛ الامر الذي بحاجة الى ايجاد برنامج مشترك يساهم به الجميع من اجل تمكين المؤسسة الحزبية وتجسيد نهجها وتعزيز محتواها لتكون رافعة سياسية تسهم في تحقيق اضافة نوعية للعمل العام.
وحتى يتسنى لنا ذلك فانه يجب علينا تشخيص الواقع حتى نتمكن من تحديد الاشكاليات وايجاد برنامج عمل للتعاطي؛ فالاحزاب تواجه معضلتين واحدة نابعة من العرف السياسي، والثانية ناتجة عن البيئة الثقافية، واما تلك التي تتعلق بالاعراف السائدة فانها تتعلق بالطريقة التي يتشكل منها بيت القرار مراكزه الاقرارية والتقريرية، واما الاخرى فانها تتعلق بمناخات العمل الطوعي وثقافته والتي باتت محدودة في الثقافة الوطنية، وهى حقائق لابد من مواجهتها حتى يحسن علاجها هذا اذا اردنا ان نوظف الارادة السياسية في مكانها السليم ووضعها على سكة ما جاء من رؤية في الاوراق الملكية. واما معضلة العرف السياسي فهي البديلة التي اصبحت اصيلة للعمل الحزبي وهي تتشكل من سبع عشرة هوية فرعية واثنتي عشرة جغرافية، اضافة للهويات الفرعية المتممة.
وهي الروافع الفرعية التي حاولت اللجنة الملكية استبدالها او على الاقل تاطيرها، لكن محاولاتها لم تنجح فى استبدالها او تغير الحالة النمطية التي من المفترض تغييرها لاحلال الجسم الحزبي مكانها.
واما عن المعضلة الاخرى فان قانون الاحزاب وقف على بابها ولم يصححها في المتن، وإن كان عالج بعض القضايا المتغلقة بإجراءات واستند في اغلبه الى سياسة الضوابط لتقديم الانطباع ويستند الى ايجاد معالجات تصحح مسارات العمل وتدعم روافعه القانونية الحزبية بحيث تسهم في تحقيق الجسم الحزبي وتمكين محتواه لتعزيز العمل الجماعي المنهجي واعادة تمكين العمل الطوعي فى الثقافة المجتمعية وبما يسهم في جعل المؤسسة الحزبية الرافعة الرسمية في الحياة العامة، فهنالك فرق كبير بين الكم الذي يتحدث عنه البعض في المساقات الاجتماعيه مثل الجاهات او الندوات او حتى حضور المباريات وبين اعداد المنضوين في العمل الحزبي؛ لان مساقات الاجتماعية تقوم على دوائر الاستجابة ولا تقوم على احداث الرسالة التي تقوم عليها الاحزاب، فيمكن لوجيه مثلا دعوة المئات لجاهة ولده، لكنه سيصعب اليه دعوة عشرة اشخاص في حزب سياسي، وكما يمكن لنقابة ان يكون لديها الاف المنتسبين بينما الحزب يمتلك المئات، هذا لان دخول النقابة امر ملزم لغايات مهنية، فلا يجوز ممارسة الحياة المهنية دون كرت عضوية، واما الحزب فهو عمل طوعي والانضواء اليه غير ملزم في الدخول للحياة السياسية وهذا ما حاولت اللجنة الملكية بيانه من خلال القائمة الحزبية وليس كما يحلو للبعض تسميتها في الكوتا الحزبية.
فالموضوعات التى انطلقت من اجل توظيفها اللجنة الملكية هي موضوعات استراتيحية وليس آنية، كنت اتمنى لو استمرت اللجنة في نهجها وقامت باحلال الهويات الحزبية مكان الهويات الفرعية .ان ظهور الهوية الحزبية سيقوي الهوية الوطنية الاردنية، وبروز الهويات الفرعية هو مؤشر اضعاف للهوية الوطنية. من هنا كان التغيير الذي ذهبت اليه اللجنة باحلال الهويات الحزبية وهو تغيير استراتيحي وليس نابعا من وقع تقديرات بسيطة وآنية، لكن الاصلاح والتحديث يبقيان من سمات نهجنا الوطني وهما صنوان متلازمان لعملية التطور ونهج التطوير الذي يقوم على سياسة تراكم الانجاز التي تقوم عليها السياسات الاردنية، فان الحقيقة تكمن في النهج الاستراتيجي وحيثياته ولا تتاتى من دوافع انطباعية شكلية.
هنالك فرق كبير بين عدد الاعضاء المنخرطين داخل المنظومة الحزبية والاعداد المصوتين لرسالتها؛ فالحزب لا يقاس بحجم الاعداد المنتظمة في صفوفه بل بنوعيتها؛ هذا لان وحدة القياس هنا تاتي من على قاعدة اساسها حجم التاثير ولا تتاتى من مقدار اعداد المنضوين في صفوفه؛ فقد يمتلك حزب اعدادا قليلة نسبيا، لكن قد يكون بمقدوره التاثير بدوائر تاثير واسعة ويمتلك تمثيلا في بيت القرار البرلماني او الحكومي وقد يمتلك حزب آخر اعدادا اكبر لكن مدى تاثيره ربما يكون اضعف مستوى وتمثيله فى بيت القرار معدوم. فالاحزاب كما المجتمعات مسالة زيادة الاعداد فيها لا تعني دائما نعمة، وقلة المنضوين فى صفوفها لا تكون مثلبة والذي يقيس مدى تقدم الحزب من عدمه هو مدى التزام الاعضاء برسالته وقوة تاثيرها، هذا اضافة الى واقع التنظيم فليس كل مجتمع ذي اعداد كثيرة تكون افعاله كبيرة إن لم يحسن التنظيم وحسن الادارة، ويمتلك عظيم رسالة، فان المقياس الذاتي لا يتاتى من واقع نظري بل يتبلور من مقياس التفاعل وحسن الاستجابة ودرجة عمق الاثر ومساحة التاثير لمبادئه وسياساته، فكلما تعمقت رسالته اصبح نهجه مقبولا وامتلك فكرا عميقا، وكلما توسعت دوائر تاثيره استقطبت ظلاله النوعية والكفاءة وزادت نسبة المصوتين لمنهاجه فى صناديق الاقتراع، لذا كان العمل على تطوير البيئة الحزبية حاضرا فى دوائر الانطباع وليس في مراكز الحقيقة التي تتحدث عن القيم او المبادىء الثابتة؛ لان مساحات الاستهداف موجودة في الحواضن وان كانت مكامنها القيم.
واما على الصعيد الموضوعي فالاحزاب البرامجية تنمو وسط بيئة مستقرة وامنة، بينما تقوم الحركات الايدولوجية وسط متغيرات ظرفية طارئة، فكلما كانت المناخات مستقرة فرزت معها احزابا برامجية موضوعية تقدم سياسات تحاكي الواقع ولا تلفظه برفع شعارات تثور على الواقع الذي غالبا ما تفرضه عوامل الاحتلال او الاستبداد او تاتي جراء الضغط الناشىء نتيجة قمع او اضطهاد، وهذا ما يجعل من مؤسسة الحزبية محط ترحيب مجتمعي بينما الحركات الايدولوجية ذات مد شعبي يضمر بزوال الاسباب الناشئة و يتلاشى بزوال العوامل الضاغطة.
والاردن الذى يعد من المجتمعات الامنة والمستقرة فان بيئة العمل الحزبي فيه ستعمل على تخليصه من ثلاث وستزيد على محتواه ثلاثا، واما الاضافه فستكونها منفعة جلب الثقه تجاه بيت القرار ومؤسساته وايجاد حماية عبر الراي الاخر يصون بها تقديراته الذاتيه من عوامل التجوية والتعرية الموضوعية والثلاثه تكونها الرافعة الديموقراطية والبرلمانية في تحقيق المنعة والمناعة المجتمعية وهي ثلاث اضافات نوعيه ستدعم من رسالة الوطن وتقوي اوتاده وتجعله في منزلة افضل ومكانة تقديرية احسن في ذاته وحضوره كما في محيطه الاقليمي والدولي، واما الثلاث ادران فهي متعلقة بالهويات الفرعية؛ فكلما ضعفت الهويات الفرعية ارتفعت معها مكانة الهوية الوطنية، وهو عامل مهم جدا في تعزيز سيادة القانون وفي ايجاد نتائج تكون فحواها العدالة وتكافؤ الفرص، واما الثانيه فانها تنهي حالات التشكيك والاتهامية التي ما فتئت تلازم بيت القرار في كل قرار، واما الثالثة فانها ستخلص المجتمع من الثقافة الفردية وتنقله الى رحاب اوسع في العمل الجماعي، ولاغناء العمل الطوعى بما يرفع من قيم المواطنة التي تقوم على الولاء والانتماء وهي نتائج مهمة في ميزان التقدير وسيكون لها انعكاسات على كافة الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية وحتى الادارية.
ولان التثقيف يعني التقليم والتهذيب فان في وجود ثقافة مجتمعية لتستجيب لدور المؤسسات الحزبية يصبح مطلبا ضروريا، وذلك بهدف تشكيل رافعة مجتمعية ورافعة سياسية عنوانها المؤسسة الحزبية، لذا كان من ابرز السمات الثقافية المراد تكوينها هي ذلك الوعاء الذي يهضم الاحزاب ويجعلها في الاتجاه الجاذب بدلا من المناخات النافرة او الطاردة التي تخيم عليها، بحيث يشكل الاحزاب ذلك المحتوى الضمني في معادلة للتكوين الفعلي لمشروعية قبوله حيث رمزية الرسالة وضمنية المعنى ورافعة المضمون.
ولما يشكله المحتوي الثقافي من مناخات ستسهم اذا ما احسن توظيفها في مسالة التمكين المجتمعي للاحزاب من باب الاتجاه التقريري وليس الباب الاقراري حيث يكون ذلك الاثر الذى سيسهم في حماية القرار عند صناعته او حتى عند المشاركة في صياغته لذا كان المحتوي الثقافي للعمل الحزبي احد اهم العناصر الضرورية للبناء، وواحد من المحاور الرئيسية المؤثرة في معادلة التكوين.
ان تمكين الثقافة الحزبية في المجتمع يعتبر من العوامل الضرورية التى يستوجب الشروع بتنفيذها للتلازم في برنامج اقرار القوانين في مجلس الامة؛ لما يشكله هذا العام من اهمية لا يقل درجة عن اقرار القوانين وانجازها، وهذا يتطلب وجود خطة تنفيذية تعمل على تكوين البيئة الصحية لنمو جسم العمل الحزبي السليم والذي بدوره سيدعم روافد عمل المؤسسة الحزبية عبر دوائر الاحاطة، وليس وفق تقديرات عامودية او افقية نسبية وازنة، هذا لان طبيعة تكوين البيئة الناشئة يبرز كيفية النمو كما يظهر شكل التحديات التى قد تعيق درجة النشوء النسبي كما تظهر نقاط الاستهداف التى تسترعى الانتباه كما تبرز ايضا مقدار النمو ومحصله الانجاز، وعليه فان خطة العمل لا بد ان تحوي عند تصميم محاورها محتوى البيئة الثقافية على ان يكون ذلك وفق اسس تشاركية تسهم فيها جميع القطاعات الداخلة والمتداخلة وحتى القائمة منها ليتمكن الجميع من تكوين ذلك المحتوى الحاضن للركيزة الاساسية على ان تخدم المعنى المطلوب والغاية المراد تكوينها في الميزان المستحدث.
لذا كانت من ابرز النقاط التى يجب توخيها عند الشروع بانجاز معادلة الاحاطة هي تحديد عناصر الاطراف الداخلة في تكوين انطباعات الراي العام وهي ثلاث دوائر مركزية تمثلها دائرة الاطراف المتداخلة ومن ثم دائرة الاطراف الداخلة، وفي المقام الثالث تاتي دائرة الطرف القائم، ولكل من هذه الدوائر عوامل يجب توظيفها عند صياغة او صيانة درجة النشوء، فان عوامل صناعة هذه الدوائر تختلف عن غيرها عند استخدام او حتى عند ترجمة اليات العمل والتة نوجزها بما يلي:
اولا : دائرة الاطراف المتداخلة، والتي تتكون من صدق الارادة، ومصداقية التوظيف، وامكانية التنفيذ، حيث يعول عليها تكوين درجة الحرص والاصرار في تنفيذ مشتملات تمكين العمل الحزبي في المجتمع؛ لما يشكل ذلك من حماية ورافعة مدنية في داخل المجتمع، ويبلور ذلك الإحساس الضمني عند العامة بالجدية عند التنفيذ وبالاصرار عند التمكين، على ان ياتي هذا وفق مناخات تقود الراي العام الى التفاعل مع هذه المعادلة، من اجل تمكين العمل الحزبي.
ثانيا: دائرة الاطراف الداخلة، والتي تتكون من عناصر متصلة وليس منفصلة في ميزان التجسيد، حيث القوانين الناظمة والاعلام وأدوات التواصل الوجاهي بحيث تعمل على قوننة ادوات العمل عبر القوانين الناظمة لمعادلة التكوين على ان تعمل على شرعنة وجود العمل الحزبي بواسطة ادوات التواصل المختلفة وبواقع تسليط الضوء على هذه الاحزاب وعلى دورها ومكانتها في بناء نموذج للمجتمع الحداثي وفي الاطر المعرفية العصريو وفق اليات العمل الحديثو بهدف اخراج الصورو والانطباع العام المراد تشكيله.
ثالثا : الدائرة القائمة والتي تقوم عليها المؤسسة وادبياتها واليات تشكيلها ورسالتها العامة ومدى قرب المجتمع المحلي منها ومن ظروف تشكيلها، وهي تقديرات نسبية تتفاوت بين حزب واخر حسب مقتضيات التاثير الضمني او درجة الحراك المكون من طبيعة حركة وحراك اعضاء الحزب ودرجة تاثيرهم فى مسرح الاحداث وفي رسم صورة الحزب ومحتواه السياسي والبرامجي.
ان المحتوى الثقافي الذي تنظر الاحزاب الى بلورته وهو ذلك المحتوى الثقافي الصديق للعمل الحزبي والذي به ومعه تعمل الاحزاب ويشتد عودها لتخرج من رحم المجتمع ضمن أدوات واليات عمل تصالحية مع حركة المجتمع وتنمويته في ميزان الاستراتيجية الاصلاحية للدولة، وهذا ما يستلزم على الحكومة والاحزاب والمؤسسات الاعلامية صياغته من خلال برنامج يعنى بالتثقيف الحزبي من اجل ايجاد مناخات حزبية حاضنة في جسم الدولة كما في حواضن المجتمع.