يكتسب خطاب رئيس دولة فلسطين السيد محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة والسبعين أهمية خاصة من حيث :
— التوقيت .
— المضمون .
— المكان .
من حيث التوقيت :
يأتي خطاب الرئيس في ظل مرحلة لم تنتهي معها مؤامرات المعسكر الإسرائيلي اليميني المتطرف فكرا وعملا من محاولات العمل على تصفية القضية الفلسطينية كما تستشري فيها جرائم سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي من أعمال قتل وتدمير وهدم منازل ومصادرة أراض وإنتهاكات صارخة للمدن والقرى وللمقدسات الإسلامية والمسيحية خاصة في القدس والخليل وبيت لحم مما تتطلب التصدي لهذه التحديات ولحالة الإستعصاء التي تمر بها القضية الفلسطينية وتحول دون حلها نتيجة :
• الموقف المتعنت لسلطات الإحتلال الإسرائيلي الإستعمارية الرافض للإنصياع إلى ميثاق ومبادئ وقرارات الأمم المتحدة كمرجعية للإتفاق على جدول زمني لإنهاء إحتلاله الإستعماري لأراض الدولة الفلسطينية المعترف بها دوليا تنفيذا للقرارات الدولية .
• غياب إرادة دولية ضاغطة على الكيان الإستعماري الإسرائيلي لإلزامه بتنفيذ كافة القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وعلى رأسها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 273 الذي اشترط لقبول عضوية إسرائيل تنفيذ القرارين 181 و194 .
من حيث المضمون :
عكس الخطاب الإستراتيجي لرئيس دولة فلسطين السيد محمود عباس امام الجمعية العامة للأمم المتحدة الإستراتيجية الفلسطينية للعمل مع المجتمع الدولي للإضطلاع بدوره إتجاه شعب دولة فلسطين لتمكينه من ممارسة حقه بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف عملا بميثاق الأمم المتحدة ومبادئها وأهدافها وتنفيذا لكافة القرارات الدولية ذات العلاقة بالقضية الفلسطينية بعد أن بقيت حبيسة الأدراج نتيجة لسياسة الإنحياز الأمريكي للعدوان الإستعماري الإسرائيلي ومحاولة فرض نتائجه على الأرض كامر واقع .
من حيث المكان :
كما يكتسب الخطاب أهمية خاصة كونه يخاطب دول العالم المجتمعة في دورتها العادية 76 تحت مظلة الأمم المتحدة .
إجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ليس مهرجانا خطابيا إستعراضيا وإنما إجتماع يهدف الى تقييم وإستعراض الأوضاع الإقليمية والعالمية على صعد مختلفة لسنة مضت على اقل تقدير ولرسم إستراتيجية عمل لسنة قادمة كفيلة بالتعامل مع التحديات ووضع الخطط اللازمة الكفيلة بمعالجتها وحلها ببذل الجهود الفاعلة والرادعة لترسيخ الإزدهار والأمن والسلم الدوليين ولردع الدولة المارقة التي تمثل ” إسرائيل ” نموذجا لما يمثله الإحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وما ترتكبه من جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية ومن مختلف اشكال الجرائم بحق ابناء الشعب الفلسطيني خلافا لميثاق ومبادئ الأمم المتحدة التي يفترض أن تمثل المظلة الآمنة لدول وشعوب العالم دون تحيز أو إنتقائية .
الإستراتيجية الفلسطينية :
تمثل الاستراتيجية الفلسطينية الحد الأدنى من آمال وطموح الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948.
فالإستراتيجية مبنية على عدد من المحاور والعناصر منها :
أولا : أساس وجذور الصراع .
ثانيا : حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والقانونية والحقوقية والوطنية .
ثالثا : مسؤولية الدول الكبرى بين زرع الصراع الفلسطيني مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي وحل الصراع .
رابعا : أسس الحل .
ساقصر حديث اليوم عن المحور الأول وماذا يعنيه الحديث عن
أساس وجذور الصراع :
لم يكن إستهلال رئيس دولة فلسطين السيد محمود عباس خطابه بالتأكيد على اساس وجذور الصراع العربي الفلسطيني مع كيان وسلطات الإحتلال الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي القائم منذ 73 عاما عبثيا وإنما يعني ذلك حسب قراءتي توجيه رسالة بالغة الوضوح والأهمية للعالم عامة وللدول دائمة العضوية بمجلس الأمن خاصة بأن إقامة الكيان الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي الناجم عن إصدار القرار الدولي رقم 181 ” والذي اشار له الرئيس في سياق ومضمون الخطاب الإستراتيجي ” ذلك القرار الذي تمكنت بريطانيا وحلفاءها من إنتزاعه بموافقة أغلبية بسيطة من أعضاء الجمعية العامة عبر إتباع سياسة الترغيب والترهيب اسس واسفر عن حالة من عدم الإستقرار الإقليمي منذ عام 1948 .
وعلى الرغم من ان ذلك القرار الظالم أبقى للشعب الفلسطيني صاحب الأرض والوطن 44 % من مساحة وطنه التاريخي إلا أن الدول الإستعمارية خدمة لمصالحها الإستعمارية عمدت إلى التنكر لحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة في رسالة بتحميل المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة لنكبة الشعب الفلسطيني بتخليه عن تنفيذ الشطر الثاني بتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة بل على النقيض من ذلك ساهمت تلك القوى الإستعمارية بتمكين العصابات الصهيونية الإرهابية المسلحة بدعم بريطاني من إحتلال و إستعمار نصف مساحة الدولة الفلسطينية المحددة مساحتها وفق نص القرار 181 .
كما تضمنت الرسالة ايضا وفق تقديري تحميل الدول الكبرى المسؤولية الكاملة عن دعم إستمرار الإستعمار الإسرائيلي لفلسطين أرضا وشعبا ذلك الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي الذي توسع ليشمل كامل ارض فلسطين التاريخية إثر عدوان حزيران عام 1967 .
بناءا على ما تقدم فإننا نخلص الى ان قرار تقسيم فلسطين اسس وشرعن بقرار غير مسبوق السطو على ارض شعب فلسطين لصالح مجموعات جيئ بها من اصقاع العالم بلا رابط بينها سوى الدين في نهج يتناقض كليا مع مبادئ وميثاق الأمم المتحدة مؤسسة في ذلك لصراع ممتد لم ينتهي منذ 73 عاما ونيف سيبقى يهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي في حال عدم إضطلاع الدول الكبرى بواجباتها دون تأخير بالعمل على إلزام سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي بإنهاء إستعمارها لاراض الدولة الفلسطينية المعترف بها دوليا وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة الى مدنهم وقراهم تنفيذا للقرارات الدولية .
هذه العودة إلى أساس وجذور الصراع العربي الفلسطيني مع الكيان الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي وعرضها أمام المجتمع الدولي في الإجتماع الدوري السنوي إنما يعني تحميل المجتمع الدولي قويها وضعيفها كبيرها وصغيرها مسؤولية الإنتصار الفعلي ” ومغادرة الدعم النظري ” لحق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال وتقرير المصير وتمكينه من إقامة دولته المستقلة تجسيدا لهيبة الأمم المتحدة وإعمالا لأهدافها بترسيخ الأمن والسلم الدوليين وترجمة لحق الشعوب بتقرير المصير وتصفية الإستعمار وتكفيرا عن جريمة دول إستعمارية بغطاء اممي إنشاء كيان إسرائيل العدواني العنصري الإستعماري على أرض فلسطين الذي مثل ويمثل مصدرا ونموذجا لإرهاب الدول الذي يتطلب محاربته دوليا جنبا إلى جنب مع محاربة الإرهاب . ..
خطاب الرئيس الفلسطيني. …يمثل … إستراتيجية الحد الأدنى ؟ د. فوزي علي السمهوري
8
المقالة السابقة