القرارات الأخيرة للإدارة الأمريكية أثارت ولم تزل تثير تساؤلات مع الشعور بالحيرة هل السياسة الأمريكية الديمقراطية تعكس حالة من التخبط في سياسة تنفيذ إعادة قيادتها للعالم كما يهدف الرئيس بايدن وإدارته تلك المكانة القيادية للعالم شبه المنفردة التي زعزعها الرئيس السابق ترامب إلى درجة أوشكت ان تؤدي الى تمزق المظلة الأمريكية نتيجة لعنجهيتة وغروره وعنصريتة أم أنها ” بالرغم من تداعياتها ” تأتي كخطوات عملية على طريق إعادة تشكيل و ترتيب الوضع الأمني لأقاليم على راسها منطقة الشرق الأوسط التي طالما مثلت للولايات المتحدة الأمريكية على مدار عقود ثمانية عمقا امنيا وإستراتيجيا وعسكريا وإقتصاديا في خطوات تهدف إلى تحقيق تهدئة مؤقتة تمكنها من التفرغ لمواجهة و التصدي للنفوذ الصيني الروسي المتصاعد عالميا على الأصعدة السياسية والإقتصادية دون المس بنفوذها وهيمنتها ومصالحها .
المتتبع للسياسة الأمريكية في عدد من المحطات يخلص إلى أن التخبط والتناقض كما هو باد سمتها وخاصة على صعيد :
أولا : الشرق الأوسط بعنوانه القضية الفلسطينية .
ثانيا : العلاقة مع الحلفاء التاريخيين ” الإتحاد الأوروبي ” .
ثالثا : مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها .
أولا : الشرق الأوسط بعنوانه القضية الفلسطينية :
يظهر جليا التخبط والتناقض في تعامل الإدارة الأمريكية للرئيس بايدن مع :
اولا :القضيةالفلسطينية :
لم تشهد قضية صنعت بمصانع دول إستعمارية ساهمت ولا تزال تساهم الدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية بإستمرار تغذيتها كقضية إستعمار فلسطين وتجنب العمل الفعلي لحلها عبر فرض تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة كالقضية الفلسطينية .
هذا الإستعصاء عائد بالدرجة الأولى إلى :
▪تغييب ميثاق وأهداف الأمم المتحدة ومبادئها وقراراتها عن أن تكون المرجع والمعيار الوحيد لإنهاء جذور الصراع .
▪إزدواجية المعايير الناجم عن إنحياز السياسة الأمريكية لإستراتيجية سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي ففي الوقت التي يعلن الرئيس بايدن عن ترسيخ مبدأ قوة المثال بديلا عن مثال القوة الذي إنتهجه ترامب نجد أن السياسة البايدنية حتى الآن ما هي إلا ترسيخ لمثال القوة وما كلمة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في المؤتمر الإفتراضي الذي عقد يوم الجمعة بمناسبة مرور عام على توقيع أربع دول عربية إتفاقيات إذعان وإستسلام جاءت غالبا إستجابة لضغوط ترامب للإعتراف بالكيان الإسرائيلي الإستعماري المصطنع والطارئ على أرض فلسطين التاريخية إلا تعبير عن :
• إنحياز ودعم وتسويق جديد للكيان الإسرائيلي العدواني العنصري الذي أمعن بعد إبرام تلك الإتفاقيات المذلة التي إعتبرها ويعتبرها مكافأة ونصرا لعدوانيته وإستعماره وعنجهيته في إرتكاب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني ووطنه والتبجح بالتصريح دون مواربة برفضه إنهاء إستعماره للأراضي الفلسطينية المحتلة ورفض إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من أراض الضفة الفلسطينية .
• كما تمثل نقيضا للسياسة الأمريكية المعلنة بإلتزامها بحل الدولتين بما تعنيه بالبدء بالعمل على إنهاء الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة وإعلان إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس .
• غياب أي مضمون عن مطالبة ” إسرائيل ” الإلتزام بإنهاء إحتلالها الإستعماري لأراض الدولة الفلسطينية المحتلة المعترف بها دوليا لينعم الشعب الفلسطيني بالحرية والكرامة والأمن والازدهار في ظل دولته الحرة المستقلة وفي ذلك رسالة أمريكية واضحة عن الإبتعاد عن تنفيذ أسس حل الصراع والإستمرار في دولاب دوار لإدارة أزمة .
ثانيا : العلاقة مع الحلفاء التاريخيين :
على الرغم من الترحيب الحار لدول العالم عامة ودول الإتحاد الأوروبي خاصة بالرئيس بايدن خلفا للرئيس ترامب الذي زرع شرخا كبيرا في بنيان العلاقة الأمريكية الأوربية إلا أن الإعلان الأمريكي عن تشكيل حلف ثلاثي أمريكي بريطاني أسترالي في معزل عن التنسيق المسبق مع الدول الحليفة تاريخيا والنافذة في محيطها الأوربي الحق ضررا بالغا أصاب أساس بنيان الشراكة والتحالف الأمريكي الأوربي وما الموقف الفرنسي وردود الفعل الفرنسي على قرار أستراليا إلغاء صفقة الغواصات المبرمة مع فرنسا وإستبدالها بصفقة جديدة مع امريكا والتي بدأت في دعوة السفراء للتشاور وإلغاء إحتفالات ولقاءات فرنسية أمريكية بريطانية إلا بداية إلى ضعف حقيقي لعناصر القوة الأمريكية التي مكنها من قيادة العالم وبالتالي إنحسار دورها عالميا لصالح قوة أوربية صاعدة ستتحول الى كرة ثلج متدحرجة آخذة بالإنفكاك عن المظلة الأمريكية بأبعادها العسكرية والسياسية والإقتصادية .
ثالثا : مبادئ الأمم المتحدة وأهدافها :
تشكل أهداف ومبادئ الأمم المتحدة مرجعية في حال إحترامها والإلتزام بمبادئها ومعاييرها والالتزام بتنفيذ قراراتها دون محاباة وإزدواجية لترسيخ السلم والأمن الدوليين .
تلك المعايير والمبادئ التي غابت عن بوصلة السياسة الأمريكية وعن سياسات الدول الكبرى الدول دائمة العضوية بمجلس الأمن .
وما مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وعن مجلس الأمن الدولي الداعية إلى إنهاء الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي للأراضي العربية والفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران عام 1967 دون إتخاذ اي خطوة عملية بداية من فرض عقوبات سياسية وإقتصادية ودبلوماسية وصولا إلى تطبيق الفصل السابع لإرغام سلطات الإحتلال الاستعماري الإسرائيلي تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة والقرارات الموجبة سياسيا وحقوقيا بتصفية الإستعمار وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس .
هذا الإنحياز الأمريكي وتبني سياسة إزدواجية المعايير في التعامل مع قضايا العالم وما قضية فلسطين إلا نموذج لذلك إلا إنعكاس للتخبط وعدم المصداقية التي بالتالي ستؤدي إلى تقهقر الدور القيادي الأمريكي وإن رأى البعض غير ذلك .
المطلوب عربيا :
على ضوء ما تقدم وفي ظل التحولات والأولويات الأمريكية ومؤشرات صعود قوى جديدة لم يعد بالإمكان للقيادات العربية أن تقبل بموقف الغياب أو التغييب فالأمن العربي بمجموعه واحد والمصالح العربية واحدة والساحة العربية كانت وستبقى من أهم الساحات المستهدفة إقليميا ودوليا سواء من قبل قوى دولية تعمل بشكل مباشر أو من قبل قوى إقليمية تعمل وكيلا .
آن الأوان لاستنهاض عوامل القوة العربية الكامنة من خلال الإيمان بضرورة تعزيز العمل المشترك والتوافق على الأولويات سياسيا وجغرافيا وإستراتيجيا وإقتصاديا مما يمكن القيادات العربية من مواجهة التحديات والمؤامرات وتعزيز الإستقرار والأمن القطري وبالتالي القومي وتحقيق الإزدهار للشعب العربي من تبني سياسة تنموية شاملة .
ستبقى فلسطين البوصلة وستبقى ” إسرائيل ” الخطر الأكبر. .. وستبقى السياسة الأمريكية تحترم الأقوى ولا إحترام لضعيف. .. في التوافق وصولا إلى وحدة الموقف قوة. .. ؟
السياسة الأمريكية. .. بين التراجع والتخبط ؟ د. فوزي علي السمهوري
12
المقالة السابقة