عروبة الإخباري- كتب سلطان الحطاب
إذا ما قرأنا ما يكتب وما يدلي به المسؤولون المهتمون عبر العالم وخاصة الامريكيين والاسرائيليين في الاروقة الخاصة و عبر القنوات الدبلوماسية والامنية بعيدا عن الاعلام الشعبوي او التعبوي، فان السلطة الفلسطينية بدأت تسترجع مكانتها، ولا أقصد المكانة التي تتوفر لها فيها الاموال التي مازالت تحتجزها اسرائيل، وانما المكانة السياسية والدولية والقدرة على المبادرة والصمود ..
الرئيس عباس ما زال الرقم الصعب، وما زال قادراً ان يستقطب وان يحتفظ بالعنوان الفلسطيني، وان يجعل الاتجاه اليه اجباريا، حتى بعد ان جربت قوي عديدة اقليمية وعربية ان تتجاسر و تحاول النيل من مكانته متسلحة بالمواقف الخفية…
الذي احتطبوا في حبال ترامب ووضعوا بيضهم في سلته ،عضوا ومازال يعضون اصابع الندم، ويكفى ان ننظر كيف تتعامل الادارة الجديدة الامريكية (الديمقراطيون) مع بعضهم، في حين ان بعضهم الاخر ما زال ينتظر..
اتخذوا ترامب اماما صلوا وراءه و دفعوا له الاموال ، و لم يتوقفوا عن دعمه، رغم ان اكثر من اشارة كانت تدلل على تراجعه وسقوط منزلته، ولكن اخذتهم الغواية والعزة بالاثم والتهريج والدعاية الصهيونية، فارتكبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ارتكبوا بحق امتهم وشعوبهم جرائم ستظهر مع الوقت، واستعدوا على دولهم دول العالم وشعوبة و وضعوا انفسهم في مرمى خصوم ترامب واعدائه ..
موقف الرئيس عباس من حماس لا يقرأ على طبيعته وعلى جوهره، فالرجل ليس ضد ان تسمي حماس نفسها ما تشاء، وان تعتبر نفسها فصيلا وطنيا فلسطينيا او ان تنظم وتعبئ وتدرب وتناضل، فهذه مسائل مفروغ منها عند اي فلسطيني، فمن يريد ان يعمل في حقول العمل الوطني و لكني اعتقد ان ملاحظات الرئيس عباس على حماس هي في نهجها الذي يقود الى تفكيرها وايديولوجيتها منذ البداية، ومنذ النشأة، كان هدف حماس اضعاف الحركة الوطنية الفلسطينية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وعنوانه المعترف به دوليا ، وقد عملت حماس على تقويض المنظمة باشكال مختلفة ليست سياسية او تعبوية فقط ، وانما قامت بجملة من العمليات العسكرية والتفجيرية ضد اهداف مدنية اسرائيلية بعد دخول عرفات الى فلسطين و توقيع اوسلو، و ارادت اظهاره غير قادر على الوفاء بأي التزام، بل واستعداء كل الاطراف الدولية عليه واظهاره عاجزا، وقد استمرت في ذلك وجندت لهذه المهمة جهدها كله ، و ما زلنا نذكر انها عملت على نسف ثلاث باصات ركاب مدنيين اسرائيليين لتجعل الاسرائيليين جميعهم يصطفون خلف اليمين والتطرف لوقف ذلك، وهو ما قاد الى قتل رابين على يد اليمين الاسرائيلي، وانهاء عملية السلام التي لم يتح لها ان تعبر عن نفسها..
كانت مهمة حماس اسقاط البرنامج الوطني الفلسطيني، وعدم تمكينه من التعبير عن نفسه او الوفاء بالتزاماته، وقد وضعت ذلك في مقدمة اهتماماتها، الى ان امتلكت ورقة غزة التي اصبحت بيد حماس عرضة لمواصلة العدوان العدوان الاسرائيلي ، حيث شنت على غزة اربعة حروب كبيرة جرى تدمير القطاع فيها اكثر من مرة، دون ان تفلح هذه الحروب ونتائجها عن فك الحصار عن غزة، بل زادت معاناة الغزيين وحولت حياتهم الى جحيم..
اذن مخططات حماس تستهدف السلطة والحركة الوطنية الفلسطينية بكل فصائلها، وان تكون هي البديل لذلك مع معرفة طبيعة الاسلام السياسي وكلفته وتفكيره ومخاطر مشاريعه او الانتساب اليه، إذ انها تسعى (حماس) للقبول بدولة فلسطينية مؤقتة، وهدنة طويلة مع الاحتلال لعشرين سنة يكون فيها قد اجهز على كل شيء..
اذن الموضوع لا يتعلق بالمفاوضات بين حماس والسلطة او فتح والحركة الوطنية وفصائلها او على خلافات يمكن انهاؤها، وانما على فكرة الحلول وتدمير الحركة الوطنية وتعبيراتها واضعافها لصالح العدو، وهذا ما لاحظناه في القدس في الشيخ جراح قصفت اسرائيل بصواريخها وحولت الموضوع برمته الى اتجاهات اخرى، لتعيد نفس الكرة في جلب العدوان الاسرائيلي على غزة، لأنها تدرك ان ذلك يوقف نشاط السلطة وعملها وانتصاراتها التي تحققها عبر المحافل الدولية وبالتعاون مع العالم ..
ما زالت حماس تقرأ المشهد على طريقة “ولا تقربوا الصلاة” وما زالت ترى في اي جهد فلسطيني مشارك للعالم لتوليد الدولة الفلسطينية وكسب اقامتها يشكل خطر عليها ودحراً لبرنامجها ،ولذلك فإن ما ستقوم به حماس قد يتصاعد عشية زيارة الرئيس محمود عباس الى الجمعية العامة للامم المتحدة خاصة وان فلسطين بلغت اكثر من مراقب، وسمح لها بالتصويت، وترى ادارة بايدن حل الدولتين وقد ارسلت اكثر من مرة رسالة ، هذا يحتاج الى عمل دولي وعربي وفلسطيني متصل ، وليس العمل على تقويض مهمة الرئيس عباس ووضع العصي في دواليبها او التخطيط لاحداث مشاكل امنية داخل الضفة الغربية تستهدف اضعاف الموقف الفلسطيني.
انا متأكد ان الرئيس عباس في فمه ماء بخصوص حماس، وانه أاسباب عديدة لا يريد ان يعبر عن موقفه من ما تفعل، فقد كان ذلك يوم صوت وعمل جهداً كبيرا ان لا يدرج اسم حماس في قوائم الارهاب الدولية، لأن ذلك جزء من واجبه كزعيم للشعب الفلسطيني ..
فلسطين الآن اقرب الى حقوق شعبها بقيادة الرئيس عباس، وعلى حماس ان تكف عن خططها ضد المشروع الوطني، وان تقبل الانطواء فيه، فهو الاحرص والاكثر احراجا للعدو الصهيوني وخططه بعد ان جرب الفلسطينيون اشكال النضال المختلفة..