لست أشك بأن هذا الاستفهام يقفز إلى أذهان الملايين من العرب، خصوصًا أمثالي “الختيارية” عبر الرقعة الجغرافية العملاقة بين المحيط الهادر والخليج الثائر. بَيْد أن للمرء أن يتذكر دائمًا بأن هذه الفئة العمرية التي أنتمي إليها لم تعد فئة فاعلة، كما كانت عليه الحال على عقدي الستينيات والسبعينيات والثمانينيات: هي فئة استنفدت طاقاتها حقبة ذاك، ولم تعد الآن سوى كومة من حطام الذكريات، التي يتم استرجاعها بين الفينة والأخرى، علّها تساعد على الاضطلاع بدور سياسي أو اجتماعي ما في عصرنا الراهن.
وعليه، فإن “التحولية” الدائمة التي ناقشناها في مقالتنا السابقة لــ(الوطن) الغرَّاء يمكن أن تلقي الضوء على هذه المؤسسة الإقليمية التي أطلق عليها البعض عنوان “بيت العرب”، إفراطًا بالتفاؤل! هل ما زالت “الجامعة” بيتًا للعرب بحق؟ أم أنها راحت تتآكل عمليًّا وتضمحل اعتباريًّا، درجة أن سياسيًّا عراقيًّا شبهها بــ”مقهى لاحتساء الشاي” فحسب. وهي حال طفيلية بلا أدنى شك، خصوصًا إذا ما حسبنا الأموال التي تخصصها الدول العربية من أجل “بقاء الجامعة”، برغم ما راحت تعكسه من أعراض مرضية مثل اللاجدوى والجمود البائنين على النزر اليسير مما تفعله، وبضمنه بيانات الاستنكار والشجب، لا أكثر، تلك التي لا تقدم ولا تؤخر!
وإذا ما كان تأسيس جامعة الدول العربية من معطيات عصر الكولونياليات الأوروبية، الكولونيالية البريطانية والفرنسية، ونفوذها الكبير حقبة ذاك، فإن هذه القوى الكبرى راحت تنحسر وتضمحل شيئًا فشيئًا، كي يسحب البساط من تحت أقدام عصرها الزائل، وهو عصر راح يفتح آفاقه لــ”العم سام” Uncle Sam منذ عدة عقود ليشكل نظامًا عالميًّا جديدًا، لا مجال فيه للأثريات المندثرة كي تلعب أدوارًا فاعلة أو رئيسة الآن.
وإذا ما سلمنا بأن عصرنا هو عصر التفوق الأميركي والهيمنة الأميركية، فإن على الدول العربية الأخذ بالمتغيرات البائنة عبر العالم كي تفكر بمنظمة إقليمية جديدة، منظمة، لا تعكس فقط خبو النجم البريطاني والفرنسي، ولكنها تعكس صعود النجم الأميركي، بقدر تعلق الأمر بالكيفية التي يتوجب على الأنظمة العربية القائمة اعتمادها لعكس آليات حقبة جديدة يتوجب على العرب مواكبتها لإيجاد موطئ قدم في عالم اليوم المزدحم والمربك!
هل جامعة الدول العربية (شغّالة)؟ / أ.د. محمد الدعمي
15