عروبة الإخباري – كتب سلطان الحطاب
ظل السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان يتمتع بميزات الشراكة في حكومة السلطان الراحل قابوس بن سعيد، حيث كان وزيراً للثقافة والتراث، وميزة الرقابة كونه كان وزيراً شريكاً لوزراء آخرين، وقد كان يتفاعل مع الملاحظات التي يبديها الوزراء خاصة في فترة مرض السلطان قابوس الطويل، و هذه الملاحظات بعضها كان وجيهاً ويقوم من ضرورة احداث تغييرات واصلاحات جوهرية، كان السلطان قابوس قد بدأها ولم ينهها ولكنه كان نزع منها فتيل الانفجار حين لاقى المواطنين في منتصف الطريق وقدم رزمة من الافكار والاجراءات التي تمس حياة المواطنين وعيشهم ووظائفهم..
السلطان هيثم بن طارق كان يرى ضرورة اصلاح واعادة موضعة العلاقات العُمانية مع دول الخليج تحديدا، ومع دول المنطقة والاقليم على أسس اخرى أخذ مبرراتها مما اصاب المنطقة من متغيرات كبيرة استلزم ان ترد عليها سلطنة عُمان بما يخدم مصالحها ..
ومن هنا كان خيار السلطان لوزير خارجيته الشاب النشيط “بدر بن حمد البوسعيدي” الذي بدأ هذه الورشة بتوجيه من السلطان فكانت الاتصالات مع قطر والامارات والكويت والبحرين، ولعل اخر ما تم هو توقيع المذكرات الثلاث التي أمر السلطان ان توقع مع البحرين، حيث وصل بدر بن حمد الى المنامة واستقبله الملك حمد بن عيسى ال خليفة (ملك البحرين) ..
وكان السلطان هيثم بن طارق يرى ضرورة اعادة موضعة العلاقات العُمانية مع اطراف عديدة لدفع العلاقات نحو الامام وتخليصها من اي اعاقة او تأجيل، وجعلها تقوم على خلافات صفر وعلى ارضية نظيفة بعيدة عن التدخل او الريبة او الشك ..
ولذا أعيد بناء العلاقات العُمانية الإماراتية وما زال يعاد على أسس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل ومراعاة ظروف الطرفين وتصفية أي خلافات أو وجهات نظر متبايتة سابقة..
ولعل خبرة السلطان هيثم بن طارق في هذا المجال ومعرفته بالحالة الاماراتية ومداخلها وطبيعتها، وكذلك طبيعة الجوار مع الامارات وما كان قائما من علاقات ومصالح في الحدود، حيث بادرت عُمان مبكرا ومنذ مطلع نهضتها الى ترسيم الحدود ونزع اي عوامل يمكن ان توتر العلاقات او تجلب الاسئلة المحرجة..
وفي هذا السياق كانت عُمان هي التي ضحت وقدمت، وكانت ترى ان ما يمكن ان تقدمه للاشقاء والاصدقاء والجوار هو شيء يصب في مصلحتها في نهاية الأمر ويشكل استثماراً اضافياً في علاقاتها..
لقد ابدى السلطان هيثم بن طارق منذ قدومه لتولي مسؤولياته في السلطنة ملاحظات جريئة وقوية، بحثها مع الاماراتيين في زياراتهم لمسقط ، في رسائل نقلت اليهم صححت كثيرا من جوانب العلاقة ووضعتها في سياقها التاريخي القابل للتطور..
وعلى نفس الصعيد كانت العلاقة مع قطر ومع الكويت التي تميزت بالايجابية الشديدة والدفء والحرص على مصلحة المنظومة الخليجية..
فقد ظل السلطان في وفي وقت مبكر يحذر من مغبة التطور السلبي للعلاقات داخل مجلس التعاون ويحرص ان تظل “شعرة معاوية” كما يقولون وان لا يتغول احد الاطراف على مصالح الاطراف الاخرى ، وان يجري تعظيم نقاط التوافق والحد من نقاط الاختلاف، والعمل على احتوائها، وان لا تمارس اي ضغوط على اي طرف بشان عضويته في المجلس، واستعداده لتطوير العلاقات فيه..
أما العلاقات مع ايران فكان السلطان هيثم بن طارق يرى انه لا بد من طرح المزيد من الاسئلة عليها حتى تستقيم اكثر، و حتى تصبح اكثر وضوحا واكثر خدمة للمصلحة العُمانية وحتى الخليجية …
العلاقات مع المملكة العربية السعودية كان يعوزها الكثير من العمل والصيانة منذ عدة سنوات، وحتى قبل ان يتولى السلطان هيثم بن طارق مسؤولياته، ولذا فإن كان يلزمها ان تكون هناك خريطة طريق لهذه العلاقات تنظمها في مجالات التعاون المشترك والمشاريع المشتركة، وخاصة بعد الحرب في اليمن وما آلت اليه علاقات السعودية مع اليمن وكذلك الامارات، فقد كان من الصعوبة بمكان ان تحافظ سلطنة عُمان على علاقاتها المتوازنة مع الشعب اليمني وعدم الانحياز لطرف على حساب الاخر، وهذه الخطوة مكلفة اذا ما عرفنا أن اطرافاً خليجية متورطة في الحرب في اليمن لم تكن تتحمل الحياد العُماني او المواقف المحايدة والايجابية التي اتخذتها عُمان.. اذ ان بعض هذه الاطراف ظل يرى ان الذي ليس معي هو ضدي.. وهذا الشكل من الانطباع في العلاقة اتعب العُمانيين وكلفهم المزيد من الشرح والمواقف، وجعلهم كأنهم في حالة دفاع عن النفس اكثر مما هو ترجمة للمصالح العُمانية..
كان السلطان هيثم بن طارق يرى ضرورة ان تكون العلاقة مع المملكة العربية السعودية اكثر شفافية، وان لا يغطي اي جانب منها بأي مبرر، وان تنطلق هذه العلاقات الثنائية خالصة دون تحفظ.. وان يعمرها التعاون المثمر والشفافية والاخلاص والبعد عن التدخلات امس القناعات التاريخية او الدينية المذهبية، وقد نجح السلطان في ذلك الى حد بعيد، ووجدت مواقفه ودعواته ترحيبا متزايدا..
لقد نشط دور عُمان العربي في زمن السلطان هيثم بن طارق ووزعت عُمان وجهتها بين استقبال البحر في الشرق والجنوب وبين الاستدارة الى اليابسة في تحسين الجوار، ورأت ضرورة بناء التوازن المدروس ..
عُمان اليوم ليست عُمان الامس ولن تكون عُمان الغد كما كانت بالامس، فالتطور الذي يؤمن به السلطان هيثم بن طارق هو من سنن الحياة، وهو يعمل من أجله لأن فية شراكة الشباب العُماني.. شراكة الاجيال العُمانية التي ظلت تحرص على مصلحة بلدها وتجنبه اي تطورات سلبية، ولذا كان ربيع عُمان نظيفا احتوى الدروس وقدم الملاحظات والعبر وبني في مساحات مفتوحة..
المرحلة القادمة ستكون مرحلة إعادة بناء علاقات عُمان الدولية ، وهي علاقات راسخة لن تتاثر كثيرا، ولكن سيجري تعميقها بشكل افقي وعمودي، بعد ان اصبحت طبيعية العلاقات الدولية تقتضي ذلك وتتاثر بقضايا حقوق الانسان والحريات ووضع المرأة وغير ذلك ، وهو ما اخذت به السلطنة الآن وخاصة سجلها في مجال حقوق المرأة وحقوق الانسان، وهو سجل جرى العمل عليه ليظل مواكبا ونظيفا وقابلاً للتداول عبر العالم..
اما بقية الخطوات الاصلاحية التي اتخذها السلطان هيثم بن طارق وما زال يتخذها فسيكون لها حديث اخر يتوج هذه المرحلة ويفسر ذرائعها..
السلطان هيثم بن طارق و مستوجبات التغيير!!
9
المقالة السابقة