نسمع ونقرأ الكثير من التعليقات والمقارنات غير البريئة بين لجنة الحوار الوطني التي تشكلت في العام 2011 واللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية أحدث لجان الاصلاح في الاردن، والمقارنة لا تعني بالضرورة تفضيل احدى اللجنتين على الاخرى، فكلاهما تعرضتا للإنتقاد مع تشكيلهما، لان الحكم على القرارات في الاردن أنطباعي يرتبط دائماً باسماء الاشخاص ولا يرتبط بالنتائج، وعلى هذه القاعدة فان من ينتظرون نتائج اعمال اللجنة الملكية او يعلقون الامال عليها، جلهم من السياسيين، فالنظرة العدمية لا تزال هي السائدة في مجتمعنا، ومثل هذا حدث في العام 2011 مع لجنة الحوار الوطني، والحكم المسبق على لجنة 2021 لن يختلف عن الحكم على لجنة 2011، رغم ان لجنة الحوار الوطني استطاعت ان تحقق نجاحاً مستعجلاً بتهدئة الخواطر في فترة عصيبة، بينما تشكلت اللجنة الملكية في ظرف سياسي وأمني افضل كثيرا عما كان عليه الحال في عام 2011.
وعلى ضوء النقاشات المحتدمة على منصات التواصل الاجتماعي وفي كتابات الأشخاص غير المعجبين باللجنتين وهذا هو موقفهم الدائم والثابت من مؤسسات الدولة بشكل عام، فأنني اوضح بعض الحقائق المتعلقة بتشكيل وعمل لجنة الحوار الوطني في بعض الجزئيات التي تغيب عن بال الناس وتضع اللجنة ومخرجاتها وتوصياتها في مربع الاتهام باللاجدوى وعدم الفائدة وهي تهمة ستلاحق اللجنة الجديدة وكل لجنة شبيهة حتى لو انجزت أفضل القوانين على الاطلاق.
اولا: تشكلت لجنة الحوار الوطني من مختلف الوان الطيف السياسي الاردني، اليسار واليمين والاسلامي والليبرالي والمستقل، بهدف تهدئة الشارع الاردني وكسب القليل من الوقت الى حين التقاط الانفاس وتجاوز عاصفة الربيع العربي التي هبت على الاردن مثله مثل بقية الدول العربية، وقد عقدت اللجنة اجتماعاتها في ظرف أمني دقيق وكانت اصوات المتظاهرين والمحتجين المنادية بالاصلاح تصل الى قاعة اجتماعات اللجنة، وعلى هذا الصعيد نجحت اللجنة وتحقق الهدوء ووضعت على الطاولة توصيات مهمة لو قبل بها الاسلاميون لتحقق الكثير على طريق الاصلاح السياسي ومنظومة التشريعات..
ثانياً: رفض الاسلاميون المشاركة في اللجنة بذريعة عدم تمثيلها لكافة فئات المجتمع والتيارات السياسية القائمة الحزبية وغير الحزبية، ولم يكن هذا صحيحاً، فالاسلاميون تمثلوا بعدة شخصيات وازنة لكنهم احجموا عن المشاركة في الاجتماعات منذ بدايتها ومع ذلك اخبروا رئيس اللجنة دولة طاهر المصري بما يعني (نحن معكم.. ولكن من خارج القاعة)، والحقيقة ان سبب رفض المشاركة هو بالضبط ما تحدث عنه بصراحة دولة د. معروف البخيت في مقابلة تلفزيونية سابقة، من ان الاسلاميين انتشوا بما حدث في مصر والثورات العربية واعتقدوا ان فرصتهم باتت افضل بدون اي التزام من قبلهم بقرارات او توصيات من اي نوع، لقد رفضوا الرد على مقترحات قابلة للنقاش حول قانون الانتخاب لنفس السبب، خاصة بعدما ساد شعور ان الاميركيين سيرحبون بحكم الاسلام السياسي في اي بلد عربي بعد تخليهم عن حليفهم مبارك لصالح اخوان مصر ووقوفهم متفرجين على ما يجري في سوريا.
ثالثاً: لجنة الحوار بدأت اجتماعاتها ومداولاتها باجندة محددة (قانوني الانتخاب والاحزاب) لكنها كانت قابلة للتوسع وفيما بعد وبمباركة من جلالة الملك شملت الاجندة التعديلات الدستورية وانشاء محكمة دستورية وهيئة مستقلة لادارة الانتخابات اضافة الى مهمتها الاساسية بوضع توصيات حول قانوني الانتخاب والاحزاب، وقد استجاب جلالة الملك لرغبة الاردنيين وأمر بتشكيل لجنة خاصة لمراجعة الدستور وتعديله وقد حدث ان شملت التعديلات اكثر من اربعين مادة دستورية، كما بارك جلالته إنشاء المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخاب.
رابعا: قدمت اللجنة مقترحات لقانوني الانتخاب والاحزاب، بتوافق من اعضاء اللجنة جميعاً بعد نقاشات حادة كادت ان تفجر اللجنة وينتهي امرها بالحل والعودة الى المربع الاول، قدمت المقترحات ولم تقبل بها الحركة الاسلامية لأنها بالاساس لم تكن متمثلة في اللجنة ولديها اجندتها الخاصة، ولما كان رفض الاسلاميين لمقترحات وتوصيات اللجنة يعني حدوث شرخ في التوافق الوطني فقد تراجعت عنها الحكومة حفاظاً على الحد الادنى من التوافق، وأجرت بعض التعديلات على المقترحات التشريعة الخاصة بقانون الانتخاب وقدمت مقترحاتها لحزب جبهة العمل الاسلامي بمنأى عن لجنة الحوار الوطني، لكن لم يكن هناك رد من جانب الاسلاميين لا رفضاً ولا قبولاً، ومرة اخرى لاعتقاد الاخوان ان الساعة اقتربت وانهم في الطريق لانتصار مؤزر يجعلهم اصحاب القرار في البلد وعندئذ يضعون قوانينهم كما يريدون.
خامساً: ضمن جلالة الملك توصيات لجنة الحوار الوطني منذ اللقاء الاول، لكن بعد ان رفضها الحزب الاكبر في الاردن حزب جبهة العمل الاسلامي وحلفاؤه احيل الامر للتداول وكان القرار بالحفاظ على وحدة مكونات الوطن وحدث التراجع الاجباري عن المقترحات والتوصيات وعدنا ما قبل تشكيل اللجنة.
سادساً: لجنة الحوار الوطني التي جوبهت برفض الاسلاميين وحلفاؤهم وبعض المستقلين ادعياء الليبرالية حققت ما لم يتحقق طوال عقود من النضال السري والعلني، وفي مقدمة انجازها تعديلات دستورية شملت ربع الدستور، وهيئة مستقلة لادارة الانتخابات العامة ابعدت تدخلات الحكومة عن ادارة الانتخابات، ومحكمة دستورية، كما تقدمت بتوصيات اصلاحية توافقية لقانون الانتخاب وقانون الاحزاب.