يمثل الأول من تموز لعام 1994 يوم عودة الشهيد ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى أرض فلسطين المحتلة إثر عدوان حزيران عام 1967 محطة مفصلية في مسيرة النضال الوطني الفلسطيني نحو الحرية والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة .
معان العودة :
حملت عودة طلائع قوات وكوادر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من المنفى إلى الوطن بموجب إتفاق المرحلة الإنتقالية معان ودلالات هامة منها :
أولا : الإنتقال من مرحلة الثورة إلى الوطن إيذانا بإنطلاق مرحلة تجسيد الإستقلال وبناء الدولة .
ثانيا : إجهاض الإستراتيجية الصهيونية القائمة على إنكار وجود شعب عربي فلسطيني في وطنه التاريخي وتفنيدا لاكذوبة الحركة الصهيونية العنصرية بان فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا وطن .
ثالثا : مثلت العودة بداية الخطوة العملية الأساس نحو إنهاء الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 خلال خمس سنوات تفضي بالطبع إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس .
ثالثا : أتت العودة تنفيذا لإتفاق المرحلة الإنتقالية ” اوسلو ” المصادق عليه من حكومة وكنيست دولة الإحتلال الإستعماري العنصري الإسرائيلي ذلك الإتفاق الذي وصفه الشهيد ابو عمار في اليوم الأول من وصوله إلى ساحة الجندي المجهول في مدينة غزة أمام الألاف من ابناء الشعب الفلسطيني الذين احتشدوا لإستقبال القائد الثائر في وجه القوى الإستعمارية ” قد لا تكون هذه الإتفاقية ملبية لتطلعات البعض منكم ولكنها كانت أفضل ما امكننا الحصول عليه من تسوية في ظل الظروف الدولية والعربية الراهنة ” تلك الاتفاقية الهادفة الى ترسيخ وتثبيت عملي لحق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس .
رابعا : البدء ببناء مؤسسات الدولة ذات الطابع السيادي فكان تشييد المطار والميناء وتاسيس شركة الطيران الفلسطيني وتعامل الأمن الفلسطيني المباشر على المعابر البرية والجوية مع القادمين والمغادرين وبالتأكيد قبل ذلك أتى تشكيل حكومة ومجلس تشريعي ترجمة لقرار المجلس المركزي الفلسطيني بتأسيس سلطة وطنية فلسطينية لإدارة شؤون الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وما يعنيه ذلك من ممارسة المرحلة الأولى نحو تحقيق السيادة الكاملة على أرض الدولة الفلسطينية مع إنتهاء المرحلة الانتقالية المحددة في ايار 1999 .
خامسا : عودة ما يزيد عن ربع مليون مواطن فلسطيني إلى أرض الوطن بجناحيه الضفة الغربية من نهر الأردن وقطاع غزة .
عوائق تنفيذ إستحقاق إلتزامات أوسلو :
لم يرق توقيع إتفاق أوسلو وبدء العمل بتطبيقه في الضفة الفلسطينية للقوى الإستعمارية اليمينية المتطرفة الإسرائيلية التي عمدت إلى إغتيال رابين في رسالة تعبير واضحة عن رفض هذه القوى التي باتت تشكل الغالبية العظمى من المجتمع الإسرائيلي لإتفاق أوسلو الذي وصفه مجرم الحرب نتنياهو بأنه إتفاق جلب الكارثة لإسرائيل .
إذن فالعائق الأساس لعدم تنفيذ إتفاق المرحلة الإنتقالية يعود لعوامل عديدة منها :
— العقلية الإستعمارية للقيادات الإسرائيلية المتعاقبة بتأبيد إستعمارها للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة خلافا لميثاق الأمم المتحدة وللشرعة الدولية مدعومة من مجتمع سمته العدوانية والتطرف والسطو على أرض الشعب الفلسطيني .
— اللجوء إلى إعمال وإرتكاب كافة اشكال الجرائم والإنتهاكات بحق الشعب الفلسطيني من قتل وقمع وإضطهاد وإعتقال وتدمير منازل وإقتلاع اشجار ومصادرة أراض وبناء مستوطنات التي ما هي إلا قواعد عسكرية لميليشيا مستوطنين في رسالة واضحة رافضة لإنهاء إحتلالها وإستعمارها تنفيذا للقرارات الدولية موجهة ليس للشعب الفلسطيني فحسب بل للمجتمع الدولي الداعم بغالبيته لحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه بتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة .
— تقاعس المجتمع الدولي عامة والدول النافذة والدول دائمة العضوية بمجلس الأمن عن الإضطلاع بواجباتها لإتخاذ الإجراءات العملية الضاغطة والفاعلة لإجبار سلطات الإحتلال الإستعماري الإسرائيلي بتنفيذ كافة القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية بدأ بقرار مجلس الأمن رقم 2334 .
تموز 2021 :
في قراءة لواقع القضية الفلسطينية بالرغم من مئات القرارات الدولية وبالرغم من قرار محكمة لاهاي وبالرغم من إتفاق المرحلة الإنتقالية ” أوسلو ” الذي إلتزمت ” إسرائيل ” بموجبه إنهاء إحتلالها الإستعماري للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عدوان حزيران عام 1967 إلا أن الإستعمار الإحلالي الإسرائيلي لا زال قائما ولم يزل يتعرض الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية لأعتى أشكال الإنتهاكات والجرائم الإسرائيلية والإستهداف الوطني والوجودي في ظل صمت إقليمي ودولي إن لم يكن تواطؤ عملي مع المشروع الإستعماري الإسرائيلي مما يتطلب من جميع الدول كبيرها وصغيرها المؤيدة لحق الشعب الفلسطيني بالحرية وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس أن ينتقل بدعمه من الإطار النظري إلى الإطار العملي عبر إتخاذ سلسلة من العقوبات الثنائية والجمعية على الكيان الاسرائيلي العدواني الإستعماري المنصوص عليها في نظام الأمم المتحدة والإتفاقيات الدولية .
فشل تركيع الشعب الفلسطيني وإستهداف الرئيس محمود عباس :
بعد أن فشلت الإستراتيجية الإسرائيلية من تركيع الشعب الفلسطيني مواطنين وقيادة او النيل من إرادتهم الصلبة الراسخة بالنضال حتى دحر الإحتلال الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 لجأت إلى فصل قديم متجدد عبر إستهداف الشرعية الفلسطينية ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وبرئيسها السيد محمود عباس الذي كان لحكمته وشجاعته وصلابته مدعوما من جماهير الشعب الفلسطيني داخل الأرض المحتلة وخارجها ومن الدول الصديقة وخاصة الاردن ومن أحرار العالم الدور الحاسم بإجهاض مؤامرة صفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية .
كما أن الإستراتيجية الفلسطينية بإعتماد المقاومة الشعبية السلمية سبيلا لمناهضة قوات الإحتلال الإسرائيلي الإستعماري وميليشياته الاستيطانية وخاصة هبة القدس الرمضانية والتي لا زالت شعلتها مستمرة حتى الآن ساهمت بإعادة القضية الفلسطينية إلى اولويات اجندة القوى العالمية كما ساهمت بتعرية الجرائم والإنتهاكات الصارخة الإسرائيلية التي ترتكب بحق المدنيين من ابناء الشعب الفلسطيني نساءا و أطفالا وشبابا وشيوخا مما أدى إلى تراجع صورة سلطات الإحتلال الإسرائيلي لدى حلفاءها التاريخيين خاصة من الدول الأوربية .
كل ذلك أدى إلى تحريك اذناب ترامب ونتنياهو من أنظمة وأدوات محلية وإقليمية لشن حملة ممنهجة للتشكيك والتحريض على منظمة التحرير الفلسطينية و أطرها ومؤسساتها وقيادتها في محاولة بائسة لفرض قيادة بديلة تنصاع لمخططاتهم تحت شعارات زائفة براقة. ..
الشعب الفلسطيني أكد ويؤكد على دعمه لمنظمة التحرير الفلسطينية ولعمودها الفقري حركة فتح بقيادة الرئيس محمود عباس الذي يتمتع بشرعية ثورية عبر قيادته حركة فتح وبشرعية قيادة م ت ف الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني برئاسة لجنتها التنفيذية وبشرعية الصندوق عبر إنتخابه رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية طوال المرحلة الإنتقالية. .. الشعب الفلسطيني طليعة الشعب العربي ماض في نضاله بكافة الوسائل المكفولة دوليا حتى الحرية والإستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس. ..
لن يتخلى الشعب الفلسطيني بمكوناته عن القدس أو عن أي ذرة من الوطن … الشعب الفلسطيني بالتفافه حول قيادته الشرعية سيجهض كما اجهض كافة المؤامرات مهما حملت من عناوين وشعارات. .. فالشعب الفلسطيني بحسه الوطني مدرك لطبيعة التحديات وحجم المؤامرات التي تستهدف هويته ووجوده ووطنه. ..؟ !
الأول من تموز 1994 . .. محطة مفصلية نحو إنهاء الإستعمار. ..وإقامة الدولة الفلسطينية ؟ ! د. فوزي علي السمهوري
10
المقالة السابقة