عروبة الإخباري – عقد مركز الدراسات المستقبلية في جامعة فيلادلفيا ندوة متخصصة حول مستقبل المياه في الاردن شارك فيها عدد من الخبراء الاردنيين المرموقين اضافة الى وزارة المياه والري ممثلة بأمين عام الوزارة.
افتتح الندوة التي حملت عنوان ” الآفاق المستقبلية للمياه في الأردن” الأستاذ الدكتور معتز الشيخ سالم رئيس الجامعة وادار الندوة الدكتور ابراهيم بدران. وفي الكلمة الافتتاحية ركز الدكتور معتز على اهمية المياه المطلقة وعلاقتها بالتقدم الاقتصادي الاجتماعي واشار الى فقر الاردن في مصادر المياه السطحية والجوفية واحتمالات تفاقم هذه الحالة في ظل التغيرات المناخية والتي اكثر ما يميزها في المنطقة العربية عموماً والاردن بشكل خاص انخفاض معدلات الامطار وارتفاع درجات الحرارة ونوه الشيخ سالم بضرورة الخروج بأفكار وحلول وبدائل جديدة تساعد على الخروج من الأزمة
وعرض الدكتور دريد محاسنة الخبير في المياه ورئيس جمعية ادامة المياه والبيئة والطاقة المتجددة حالة المياه في الاردن مشيراً الى تراجع نصيب الفرد في الاردن من المياه الى أقل من المعدلات العالمية بكثير. وارجع انخفاض نصيب الفرد في الاردن من المياه الى اسباب رئيسية اربعة: الأول الزيادة الضخمة في عدد السكان والثاني عدم حصول الاردن على حقوقه المائية من الدول المجاورة، والثالثة التغير المناخي وانخفاض هطول الأمطار والرابع الهدر في الموارد المائية سواء بسبب اعطال في الشبكة او الاعتداءات الكبيرة على خطوط المياه.
وأشار د. محاسنة الى ان الجزء الأكبر من المياه الجوفية قد تم استنزافها باستثناء حوضي الديسي والأزرق. اما سد الوحدة فرغم ان الاتفاقية مع سوريا قد عقدت عام 1987 لتزويد الاردن بالمياه مقابل تزويد سوريا بالكهرباء إلا ان السد لا تصله كميات ضئيلة من مياه اليرموك والتي تحتجزها سدود كثيرة في الاراضي السورية. والسد لا يحتوى اليوم إلا على 20 مليون مترا مكعبا (م.م.م) من أصل 115 مليون م.م. هي سعة السد ونبة د. محاسنة الى وتراجع الوعي المجتمعي بقضايا المياه أهمية قناة البحرين وللأردن وضرورة العمل عليها. كما أشار الى ضرورة اعادة هيكلة قطاع المياه وتفعيل الاتفاقيات مع الدولة المشاركة في المياه وانه كان من الضروري قبل توقيع اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني ربط التزود بالغاز من اسرائيل بشرط قبولها لمشروع قناة البحرين حيث تهربت اسرائيل من المشروع على امل بناء قناة من البحر المتوسط الى البحر الميت. وأكد على ضرورة ايقاف الضخ الجائر للمياه واستعمال الطاقة المتجددة في محطات ضخ المياه والتي تستنزف 200 مليون دينار سنوياً ثمنا للطاقة الكهربائية.
اما الدكتور عمر الريماوي أستاذ المياه والبيئة في الجامعة الاردنية فقد أوضح الخارطة المطرية للمملكة حيث تتراوح معدلات الهطول من 50ملم الى 550ملم سنوياً حسب المنطقة. واشار الى ان المناطق الصحراوية ليست محرومة كلية من المطر ولكنها تواجه دائماً زخات مطرية غزيرة جداً وسريعة وشديدة الجريان السطحي مما يقف عائقا امام الافادة منها. كما ان سرعة انتشار المدن وكذلك التوسع في البناء الافقي اثراً سلبا على تغذية المياه الجوفية. وبالنسبة للبحر الميت فقد كانت المياه المغذية له 1200 مليون متراً مكعباً سنوياً تراجعت اليوم الى اقل من 200م.م.م وهناك احواض كثيرة ربما 10 أحواض تم استنزاف الجزء الأكبر منها. وبعد حفر آبار الديسة جفت كثير من الينابيع القريبة منها. ولدينا اليوم عموما 5000 بئر عامل بينما هناك 5000 اخرى مغلقة بسبب الجفاف او عدم الشرعية.
وحذر الدكتور الريماوي ان استمرار تراجع معدلات الامطار واستنزاف المياه والضخ الجائر من شأنه ان يؤثر سلباً على نوعية المياه وأن يؤدي الى رفع مستوى الملوحة.
اما معالي الدكتور المهندس منذر حدادين فقد أكد في محاضرته انه لا يتوقع ابداً حدوث صدامات مسلحة بين الدول بسبب المياه وانه لا خيار للدول المتشاركة في مصادر مائية الا التعاون والتفاهم فيما بينها. اضافة الى ان الخلافات حول المياه يمكن الوصول فيها الى حلول مناسبة إما من خلال التفاوض المباشر او بالإفادة من المنظمات الدولية التي تشترك الدول ذات العلاقة في عضويتها. وليس بالضرورة ان تكون تلك المنظمات متخصصة بالمياه. وفي المنطقة العربية أشار الدكتور حدادين الى ان مصادر المياه تخضع لشراكات متعددة. ففي الاردن تشارك في اجزاء من المياه كل من سوريا ولبنان وفلسطين واسرائيل في حين ان حوض الفرات في العراق تشارك فيه تركيا وايران والعراق بينما تشاركه في حوض دجلة العراق وتركيا وايران وسوريا. وفي لبنان فإن نهر العاصي تشارك فيه لبنان مع سوريا وتركيا. هذا اضافة الى تشارك مصر في حوض النيل مع السودان وأثيوبيا و8 دول افريقية اخرى تغطي جميعها اكثر من 11% من مساحة افريقيا يقطنها 300 مليون نسمه. ومن هناك فان النزاعات على المياه متوقعة ولكن ما يشعل الحروب اسباب أخرى. ويجب ان تكون لدى الدولة هناك استعدادات وخبرات كافية وكفؤة للتفاوض على الحقوق الوطنية في المياه.
كما أشار الدكتور حدادين الى اننا في حساب معدلات المياه المستفاد منها في الاردن لا ينبغي ان نهمل المياه الخضراء. وهي مياه الامطار التي تتساقط وتمتصها التربة وتستفيد منها النباتات بأنواعها. وتقدر هذه المياه في الاردن بما يصل الى 860م م م سنوياً.
اما الدكتور خلدون شطناوي مدير مركز ابحاث المياه والبيئة في الجامعة الاردنية فقد اشار الى حاجة الاردن الماسة للمياه وان الاحتياجات المائية عام 2025 ستصل ا لى 1350م م م سنوياً ليكون نصيب الفرد من الماء حوالي 120 م م سنوياً. ولا يتحقق مثل هذا الرقم إلا بانجاز مشروع كبير في حجم ناقل البحرين خاصة وأن مستوى المياه في الاحواض ينخفض بمقدار 2متر سنوياً.
وبين الدكتور شطناوي تلك العقبات التي يعاني منها قطاع المياه وفي مقدمتها عدم حصول الاردن على حقوقه المائية من دول الجوار وبطء التنفيذ للمشاريع الجديدة وصعوبة تمويل المشاريع الكبرى اضافة الى الزيادة غير الاعتيادية في السكان وتأثير التغيرات المناخية باتجاه انخفاض معدلات الهطول المطري بمقدار 15% اضافة الى زيادة التصحر وزيادة الاستهلاك. وأكد د. شطناوي على أهمية بناء المنعة المائية الوطنية وتفعيل القوانين ورفع مستوى التنسيق بين المؤسسات ذات العلاقة.
وتناولت المهندسة سوزان الكيلاني موضوعاً بالغ الحساسية الا وهو نوعية المياه في الاردن وبينت ان المياه في الاردن تخضع لمواصفات محددة ومتطلبات جودة حسب ما أقرته منظمة الصحة العالمية حيث تضع المنطقة المعايير الدولية حول جودة المياه وصحة الانسان وعلى اساسها تبني الدول معاييرها ونضع لوائحها الارشادية الخاصة بها. وأشاره المهندسة الكيلاني الى ان واحدا من المكوّنات الاساسية للمياه هو المواد المشعة. وتحدد المواصفة الاردنية مجموع مشعات الفا 0.5 بكريل/لتر ومشعات بيتا 1.0 بكريل/لتر وتعتبر هذه قيم متشددة. وبينت المهندسة سوزان الكيلاني ان الاجراءات المعمول بها في الاردن للتخلص من المشعات في المياه تشمل 1- استبعاد الآبار 2- خلط المياه المستخرجة من الآبار بمياه اخرى خالية من المشعات 3- معالجة المياه وتنقيتها من العناصر الاشعاعية الطبيعية حسب العنصر الاشعاعي.. واختتمت محاضرتها بأن هناك رقابة حثيثة على المياه وتكون الرقابة بواقع شهري للمياه التي تصل المواطنين ويجرى احتساب الجرعة المكافئة على اساس المعدل السنوي.
من جانبه تناول المهندس محمد ارشيد أمين عام وزارة المياه والرأي اعمال الوزارة في مجال المياه في اطار استراتيجية المياه للأعوام 2016-2025 حيث تركز الاسترتيجية على عدد من السياسات في مقدمتها ادارة الطلب على المياه وسياسة واحلال المياه واعادة الاستخدام ثم سياسة اعادة توزيع المياه فسياسة استغلال المياه السطحية وسياسة بناء المنعة المائية لمواجهة التغير المناخي واخيرا ادارة مياه الصرف الصحي اللامركزية. وبين المهندس ارشيد ان جائحة الكورونا ادت الى زيادة الطلب على المياه بنسبة 10% وانه يجرى العمل حاليا على وضع استراتيجية وطنية حتى عام 2040. وأكد على خطورة مشكلة المياه كما يمثلها الانخفاض المطري والذي من المتوقع ان تصل نسبة الانخفاض 13.6% عام 2035. هذا اضافة الى ارتفاع درجة الحرارة في معدلها العام بمقدار 1.6 درجة سلزيوس، والهبوط المتواصل في المياه الجوفية من 1م الى 2م سنويا مما سوف يؤدى الى انخفاض الانتاج من المياه الجوفية من وضعه الحالي من 254 م م م الى 89 م م م عام 2040، وسوف تتأثر نوعية سلبا ويتطلب كميات كبيرة من الطاقة تصل الى 40% وبالتالي سيكون العجز المائي آنذاك 527 م.م.م. عام 2018 يمكن أن يعوض جزء منه الناقل المائي وأشار المهندس ارشيد الى ان الناقل المنوي انشاؤه سيكون باستطاعة 300م م م سنوياً والذي هو اليوم تحت الدراسة بما في ذلك دراسة الاثر البيئي ووضع خارطة مالية للتمويل وتحديد خطة استثمارية للمشروع.
كما تقوم الوزارة الآن بإنشاء وحدة لمراقبة الاستعمال لضبط الاستخدامات وتوجيه المستهلكين وعلى المستوى الدولي تتابع الوزارة اعمال الامم المتحدة ويشارك أمين عام الوزارة في وضع دليل دولي للمياه المياه المشتركة. كما تعمل الوزارة على تحديث الاتفاقيات بين الدول المشاركة في المياه.
وتعمل الوزارة الآن على ضمان امدادات المياه ومعالجة الفاقد وتأهيل الشبكات في اتجاه المملكة واجراء دراسات لإيجاد مصادر مياه جديدة وتعظيم الاستفادة من مياه الامطار بالتوسع في انشاء السدود والحفائر الصحراوية وتطوير واستغلال مياه الينابيع وتقليل الضخ الجائر من الاحواض المائية وتحديث النماذج الرياضية للمياه الجوفية. هذا اضافة الى وضع خارطة طريق تغطي الجوانب المالية من حيث نفقات التشغيل والاستدامة والمشاريع.