نمر في مرحلة حساسة جدا، وهي مرحلة توجب تخفيف الكلف، وطي الملفات، والتركيز على أولويات الأردن، وعدم البقاء في ذات الدوائر، بعد ان اتعبتنا كل هذه المساجلات الداخلية.
بين أيدينا تصريحات محامي الدكتور باسم عوض الله والتي جاءت ردا على سؤال عن احتمال استدعاء الأمير حمزة الى المحكمة بقوله أن هذا وارد، وهو يقصد هنا، انه مسموح به قانونيا اذا وافقت المحكمة، ولم يؤكد نيته او نية موكله طلب استدعاء الأمير حمزة شاهدا للدفاع في هذا الملف، وأثارت تصريحاته عاصفة من ردود الفعل، برغم توضيحه ان لا نية لديه او لدى موكله – حتى الان – طلب شهادة الأمير حمزة، في هذه المحاكمة التي قد تستغرق عدة شهور.
برغم ان وقوف الأمير حمزة امام المحكمة يحقق غاية قانونية مشروعة للمتهمين الموقوفين حاليا، الا ان الغاية السياسية للمتهمين الموقوفين هي الأخطر، اذ انها تتضمن إضافة للبحث عن مخارج نجاة ، غاية ثانية أي تأجيج هذه الازمة، وبحيث تضع الأردن، امام ظرف أسوأ.
الملك اعتبر قضية الأمير حمزة، داخلية، تخص العائلة الحاكمة، وتم فصل ملف الأمير حمزة، منذ البداية، عن بقية الملفات، وهذا يعني من باب التحليل، ان ذهاب الأمير حمزة للمحاكمة قد لا يكون ممكناً لعدة اعتبارات، وهذا الفصل في الملفات، كان مقصودا، فهو فصل لم يبرئ الأمير حمزة، لكنه ادار ملفه بطريقة داخلية مختلفة، بعيدا عن الوسائل التي قد يخضع لها بقية الفريق المتهم، وهذا يقول ان هناك اكثر من مسرب متواز في هذه القصة الحساسة.
الرغبة بتخفيض كلف الملف، رغبة واضحة، مع حصر الازمة بالمحركات الأساسية لكل هذه القضية، أي المتهمين الموقوفين، ، كما ان التسريبات الصوتية والمراسلات بحد ذاتها، تؤشر على دور الأمير حمزة في كل هذا الملف، حتى لو حاول البعض، التهوين من مغزى هذه المراسلات والتسجيلات، خصوصا، انها قد تكون مرتبطة بمعلومات لم يتم كشفها حتى الان.
هذا يعني ان طلب المتهمين لاحقا لشهادة الأمير حمزة، خطير، برغم انه جائز قانونيا، اذ قد يراد سياسيا هنا عبر البوابة القانونية، استدراج الأردن والعائلة الى مواجهة امام القضاء، ومس وحدة العائلة وبنيتها، في ظل ظروف حساسة تستوجب أساسا، تخفيض كلفة الملف، والخروج من هذه القصة، نحو مدارات اكثر أولوية، وإعادة ترتيب أوراق الداخل الأردني.
لقد قيل مبكرا ان منح المحاكمة صبغة سياسية مجردة، تحت عناوين قانونية، هو امر خطير، وعلى الرغم من ان المحاكمة تتعلق فعليا بشأن سياسي، يرتبط باستقرار الدولة، ومحاولة الأمير حمزة مع مجموعة توظيف ظروف مختلفة، من اجل غايات متعددة، الا انه يتوجب التنبه للإدارة السياسية على هامش المحاكمة، وهي إدارة قد تؤدي الى تأجيج القصة، بدلا من اختصارها، وخفض سقوفها، وإعادة هندسة أولويات الداخل الأردني، بدلا من التشاغل بأزمة يراد لها ان تنتهي وان لا تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات والسيناريوهات والتوقعات.
هناك من يرى ان ذهاب الأمير حمزة للمحكمة من اجل تبرئة نفسه، ضروري، وأصحاب هذا الرأي يتقصدون ان يقولوا ان القصة مفبركة، في الأساس، لكن اللغم السياسي المخفي في هذه المطالبات، يرتبط فعليا بالتخطيط لمس صورة العائلة الحاكمة علنا، بحيث تبقى القصة مفتوحة، وحاضرة، وتحت الجدل وسوء التأويلات، فوق ما فيها من حساسية نعرفها كلنا.
في كل الأحوال فإن ما خلف سطور هذا الكلام، محاولة لتأجيج الازمة مجددا، واخذ الأردن الى حافة المساجلات العلنية من جديد، وهي مساجلات حساسة تمس الأردن واستقراره السياسي، والعائلة، ونظرة العالم الى الأردن، امام قضية تستقطب الآراء، وليس ادل على ذلك من بدء تدفق صحفيين أجانب الى الأردن، من اجل تغطية المحاكمة، وجلساتها اذا كانت علنية، او لجمع المعلومات وتحليلها اذا كانت سرية، بما يعني اننا امام توقيت ثقيل سياسيا.
لقد تم فصل ملف الأمير حمزة منذ البداية، وهذا الفصل لم يأت عبثا، في الوقت الذي يبقى الأمير في جوهر الازمة، لكن دون ان تتم إدارة قصته، بذات طريقة بقية المتهمين.
والمعنى ان المطالبة المحتملة من المتهمين بحضوره شاهد دفاع، سياسية ومكلفة جدا.
السائرون نحو محكمة “الفتنة” / ماهر أبو طير
8
المقالة السابقة