نجمع ولا نطرح… وتناقضنا الرئيسي مع الحركة الصهيونية

عروبة الإخباري – كتب منيب رشيد المصري      

قبل البدء في هذه المقالة لا بد لي أن أشكر أخي وصديقي الاستاذ الدكتور عماد أبو كشك، رئيس جامعة القدس، الذي الهمني هذا العنوان، عندما كنا نتحدث عن الواقع الفلسطيني، حيث قال بأن المطلوب هو أن يشارك الكل الفلسطيني وأن لا يتم استثناء احد لأن التحديات الماثلة أمام المشروع الوطني كبيرة وبحاجة إلى جهد الجميع.

نعم، انهزم الحلم الصهيوني بإقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، وسقط إعلان بلفور سقوطا مدويا، بعد أن أكد الشعب الفلسطيني، في فلسطين التاريخية وفي الشتات، وقبل ذلك حكم محكمة بداية نابلس بتجريم حكومة بريطانيا على اصدارها وعد بلفور الغاشم الذي سبب كل المشاكل للشعب الفلسطيني وقضيته، على حقيقة واحدة، لا يمكن لأحد أن ينفيها، بأن فلسطين للفلسطينيين “فإما نحن على هذه الأرض أو نحن” ولا مكان فيها للمستعمر المحتل مهما طال الزمن. هذه ليست كلمات عنصرية، أو فيها تحريض او معاداة للسامية لأننا نحن أبناء سام، ولا يمكن لنا أن نعادي أنفسنا، بل عداؤنا دوما للمحتل والمستعمر الغاصب.

أساس الصراع لم يبدأ من الشيخ جراح، أو من درجات باب العامود في مدينة القدس مع عدم التقليل من الهبه في الشيخ جراح وباب العامود، بل هذه الأحداث هي سلسلة من صراع طويل، نحن مؤمنون أننا سننتصر في نهايته، فلا شك بأن المقاومة التي لبت نداء للقدس، والقدس التي لبت نداء غزة، والضفة التي قالت بأنها ستبقى شوكة في حلق الاحتلال، والأهم الداخل الفلسطيني المحتل حيث ان شبابه من الجيل الحالي لم يعاصر النكبه ولكنه حضر الممارسات العنصرية الصهيونية الذي قال لنا جميعا بأن فلسطين من نهرها لبحرها هي فلسطين التي لم تعترف بنكبة العام 1948، ولا بهزيمة العام 1967، بل هي تقاوم وتقول بأعلى صوتها “كانت تسمى فلسطين وصارت تسمى فلسطين”، وأن الدم الفلسطيني واحد من النهر إلى البحر ومن رفح حتى الناقورة.

الآن وبعد معركة الاحدى عشر يوما أو “معركة الكرامة 2” بنسختها للعام 2021، كيف لنا أن نستثمر هذا النصر في هذه المعركة لنؤسس لنصرنا القادم في الحرب مع الحركة الصهيونية وكل من يقف خلفها ويدعمها؟، أعتقد بأن الوقت قد حان للاتفاق على برنامج سياسي ونضالي يجمع الكل الفلسطيني في فلسطين التاريخية وفي الشتات والمنافي، وأعتقد بأن هذه الهبة الجماهيرية التي عُمدت بدماء الأطفال والشيوخ والنساء والشباب الفلسطيني، أسست لنهج مختلف ركيزته الأساسية هي المواجهة، فهذا الاحتلال الاستعماري الاحلالي لا يفهم سوى لغة القوة، وعلينا أن نكون على قدر ما تفعله هذه الانتفاضة الجامعة، -التي لا زالت مستمرة تشتعل وتخبو بحسب المرحلة والظرف-، بأن نأخذ زمام المبادرة من الآن ونؤسس لمرحلة جديدة نكون نحن الفاعلون على الأرض وفي السياسة، وبخاصة أننا استطعنا أن نعيد وضع قضيتنا كقضية تحرر وطني على أجندة العالم أجمع، والأهم أننا، وبهمة الشابات والشباب الفاعلين على الأرض، استطعنا أن نعيد التضامن الشعبي والدولي مع قضيتنا.

الشعب الفلسطيني بكل مكوناته أدرك وبعد أكثر من (27) عاما على توقيع اتفاق أوسلو بأن هذا النهج لم يثمر بشيء سوى بزيادة عدد المستعمرات والمستعمرين في القدس والضفة الغربية، وتحويل الضفة الغربية إلى مجرد معازل سكانية مفاتيحها بيد الاحتلال وحاصر قطاع غزة وحوله إلى أكبر سجن في العالم، -بعد الضفة الغربية، عدا عن أن أوسلو الذي طبقنا ما ورد فيه ولكن اسرائيل الغت كافة المبادي التي قام عليها معاهدة السلام لعدم احترامها نصوص الاتفاقية وما ورد فيها من تواريخ او اي من قرارات دوليه ومنها هيئة الامم المتحدة وهيئات حقوق الانسان-، وقسم الشعب الفلسطيني ليس فقط مناطقيا؛ بين ضفة وغزة وقدس وشتات وغيرها، لا بل أيضا خلق مجموعات مصالح ارتبط وجودها بوجود الاحتلال وهذا هو الأخطر على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الجامع الذي يلتف حوله كل الفلسطينيين المقدر عددهم بحوالي (14) مليون فلسطيني.

لقد آن الأوان وبعد (73) عاما على تشريد الشعب الفلسطيني أن نعيد ترتيب أوضاعنا الداخلية على أساس برنامج وخطة عمل، لنواجه المشروع الصهيوني الذي بني على خرافات دينية وتاريخية ليس لها أساس، هذا المشروع التي استطاعات الحركة الصهيونية أن تجند له، من خلال تحكمها بمفاصل المال والقرار الاقتصادي والسياسي، كل القوى الفاعلة في العالم.

الخطوة الأولى، لترتيب أوضاعنا الداخلية، تبدأ من توجيه تناقضاتنا الداخلية نحو الاحتلال، ولا يمكن لنا إنكار هذه التناقضات التي نرى تجلياتها السلبية على كل الحالة الفلسطينية، لا شك بأن كل “تجمع” فلسطيني له خصوصية وله تناقضاته الداخلية، ولا شك بأن كل “تجمع” فلسطيني له تناقضات مع تجمعات الشعب الفلسطيني في أماكن تواجده، وعلينا صهر هذه التناقضات لنتمكن من بناء مستقبل جامع للكل الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية.

علينا أن نزيل التناقضات داخل المجتمع الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 1948، وهذا يتطلب الاتفاق على أسس العمل السياسي والنضالي بين الكل الفلسطيني هناك، وعلينا أيضا إعادة صياغة العقد الاجتماعي بين أفراد هذا المجتمع للقضاء على الظواهر السلبية تمهيدا لصون السلم الأهلي، فعمود القضية الفلسطينية هم فلسطينيي الداخل المحتل.

وبالتوازي مع هذا إعادة ترتيب شكل وطبيعة العلاقة بين مكونات النظام السياسي الحالي، والذي يبدأ بإنهاء الانقسام، وإعادة صياغة العلاقة ما بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية التي هي أساسا ذراع لإدارة شؤون المواطنين في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة، أما فلسطينيي الشتات فهم بحاجة ماسة إلى إشراكهم بشكل فعلي في النضال الوطني بعد أن تم اهمالهم أو اقصائهم لسنوات طويلة، وعلينا أن نستثمر وجودهم في معظم دول العالم من أجل تجنيد الدعم السياسي الرسمي والشعبي للقضية الفلسطينية.

ما حصل بعد معركة الاحدى عشر يوما، واستمرار الهبة الجماهيرية أو الانتفاضة بشكلها الجديد، وضع بين يدي الفلسطينيين فرصة ذهبية لإعادة صياغة واقعهم بشكل يخدم نضالهم التحرري، ويعري في ذات الوقت الاحتلال الصهيوني الاستعماري، ويعيد القضية إلى أصلها الأول، وعلينا أن نستثمر هذه الفرصة بإعادة توحيد انفسنا على أساس برنامج وطني تحرري يستند إلى الميثاق الوطني الفلسطيني للعام 1964، فنحن أصحاب حق، وفلسطين هي من البحر إلى النهر ومن رفح وحتى الناقورة، وأن الأساس التي بنيت عليه “إسرائيل” هو أساس باطل مبني على خرافات دينية وتاريخية، ووعد ليس له أساس قانوني او غطاء أخلاقي أعطاه بلفور للحركة الصهيونية، وأثبتت محكمة بداية نابلس بطلانه، وأدانت حكومة بريطانيا وطلبت منها الاعتذار للشعب الفلسطيني، فوعدها باطل وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وحقوقه الطبيعية منذ تاريخ وعد بلفور في الثاني من تشرين الثاني من العام 1917، وحتى أيار 1948، هي جرائم حرب توجب المساءلة القانونية بموجب ميثاق روما 1998.

الخطوة الأولى في إعادة تشكيل وبناء البيت الداخلي الفلسطيني تبدأ من إعادة احياء منظمة التحرير الفلسطينية عَبر الانتخابات ودمقرطة مؤسساتها وتجديد الشرعية ، وهذا شيء ممكن في ظل تطور التكنولوجيا التي تضمن مشاركة الكل الفلسطيني في اختيار من يمثله خلال المرحلة القادمة التي جَبّت ما قبلها، وأسست لفجر ومستقبل جديد للكل الفلسطيني دون حواجز جغرافية وتسميات مناطقية هدفها الامعان في تقسيم الشعب الفلسطيني وتحويله إلى مجرد مجموعات متناثرة جغرافيا وسياسيا.

إن إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية جمعية هي بداية الطريق نحو الخلاص الجمعي، وأيضا هي البداية لاستثمار ما حصل في “حرب الأيام الاحدى عشر” التي وحدت الكل الفلسطيني، ففلسطين لكل الفلسطينيين ولا يجوز لأحد أن يستأثر بالقرار، فقد حان الوقت للاتفاق على برنامج كفاحي بشقة السياسي والنضالي، يؤسس لرؤية فلسطينية شاملة أساسها المصالح العليا للشعب الفلسطيني وليس مصالح فئوية أو إقليمية، حان الوقت لكي تكون القضية الفلسطينية هي المحور وليس ورقة في يد محور ما، نحن قادرون على ترتيب اوضاعنا سواء في الأرض المحتلة عام 1948، أو في الأرض المحتلة عام 1967، أو في الشتات الفلسطيني، ولتكن الكلمة الأولى والأخيرة في ترتيب أوضاعنا للمؤسسات المنتخبة داخل هياكل منظمة التحرير الفلسطينية التي تمثل الكل الفلسطيني.

أعتقد أن الحديث الآن عن تشكيل حكومة وحدة وطنية نطاقها الضفة الغربية وقطاع غزة، هو أمر يُقزم ما فرضته الانتفاضة من واقع جديد، لأن الأصل هي المنظمة وليس السلطة الفلسطينية المعتمد وجودها واستمرارها على اتفاق أوسلو، فليبدأ التجديد في هياكل منظمة التحرير ليكن لها بعد ذلك الكلمة الفصل في مستقبل السلطة الفلسطينية، من حيث مهامها وصلاحياتها، وحتى من جدوى وجودها في إطار ما فرض على الأرض من وقائع جديدة.

نحن لا نريد إعادة اختراع العجلة مرة أخرى، فالرجوع إلى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية (الميثاق الوطني الفلسطيني) وتكييفه مع الواقع الجديد سيسهل علينا الكثير في طريق إعادة الروح الجمعية للشعب الفلسطيني، فهذا وقت تطبيق معادلة “الجمع وليس الطرح” لنسخر كل طاقاتنا ونجمعها لينهض طائر العنقاء من جديد، ولا يمكن لنا أن نستثني أحدا من هذه المعادلة، فالكل مدعو لأن يكون رقما فيها، لأن تناقضنا مع الحركة الصهيونية وليس مع أتباع الديانة اليهودية، نعم أقول وأكرر فلسطين “إما لنا أو لنا”، ومن يريد أن يعيش ضمن هذا الواقع، -الذي سنترجمه حتما على الأرض-، فهلا وسهلا به، ومن لا يريد فليرحل من حيث أتى هو أو من حيث هاجر أباه أو أجداده.

وفي الختام… خلينا نجمع ولا نطرح

شاهد أيضاً

لمن المنابر؟* بشار جرار

عروبة الإخباري – يعاني البعض جراء سوء الحظ أو التقدير من ظاهرة اختطاف المنابر. لكن …