لا تحتمل الحكومة، ولا النواب، أي بروز خاص، لأي شخصية في هذه البلاد، والكل أحيانا يريد إدانة من له مساحته الخاصة، أو هويته السياسية التي تعزز وجوده في الأردن.
بين أيدينا قصة النائب أسامة العجارمة، وهذا النائب، على ما يبدو، لن يكون نائبا عاديا، إذ استطاع خلال وقت قصير، أن يثير انتباه الأردنيين، وإذا كان النائب يتصف بسرعة الغضب أحيانا، والانفعال، فإن هذا لا يلغي صدقية نواياه، ولا انحيازه للناس، وربما تسببت عملية دخوله إلى أحد المصانع، قبل شهور، في سياق بحثه عن وظائف لأبناء دائرته الانتخابية، بسوء فهم لحق الرجل، في ظل تبادل الاتهامات، أو محاولة تشويه سمعته، أو حتى عدم قدرته على شرح ما جرى، مع الإقرار هنا، بأنه لا يجوز من حيث المبدأ اقتحام أي مؤسسة خاصة، ولا الاشتباك، مع أصحابها، أو من يعملون داخلها، فصلاحيات النائب معروفة.
لكن كل هذا لا يلغي ابدا، فرادة النائب، الذي سيكون وجها بارزا بحق، إذا واصل إدارة وجوده بطريقة صحيحة، وقد شهدنا كيف استطاع حشد أبناء الأردن، خلال يوم الجمعة الماضي، للذهاب والتظاهر امام السفارة الإسرائيلية في عمان، وكيف استطاع أن يكون رمزا في ذلك اليوم، من أجل فلسطين، مؤكدا موقف أبناء الأردن التاريخي من فلسطين، وهو موقف لا يخضع للاختبار أساسا، إذ أن الأردنيين الأقرب الى فلسطين من بين أمة المليار ونصف المليار.
كل هذا الظهور قد يتسبب بغيرة من آخرين، أو محاولة تكسير النائب، أو تحطيمه، بدرجات مختلفة، لأن المبدأ السائد اليوم، أنه لا أحد يحتمل ظهورا مميزا مختلفا لدى هذا أو ذاك.
لكن التحول الذي لم نحبه لرئيس مجلس النواب الفاضل، أن يقوم بإحالة النائب أسامة العجارمة إلى اللجنة القانونية في المجلس بسبب تلفظ النائب بكلمات غاضبة اعتبرها رئيس المجلس مساسا بسمعة النواب، وكرامتهم، ولا أحد فينا مع مس كرامة النواب، وكان الأفضل أن يتم حل القضية وديا، داخل مجلس النواب، دون إحالة للجنة القانونية، وهذا أمر ليس صعبا وقد شهدناه في ظروف متشابهة، كان بعض النواب سابقا، يضربون بعضهم بعضا، ويشتمون بعضهم بعضا، وتصل الأمور إلى حدود غير متوقعة، فلم تتم إحالتهم إلى لجان قانونية أو تأديبية، أو فصلهم من النواب، ولم يتم اتخاذ إجراءات سوى حل المشكلة بالتفاهم داخليا.
النائب أسامة العجارمة في الجلسة قبل الأخيرة للنواب، كان غاضبا عند حديثه عن انقطاع الكهرباء في الأردن، واعتبر أن القطع تم لتعطيل محطات الوقود، ولمنع السيارات المقبلة من المحافظات من الوصول إلى عمان يوم الجمعة، للتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية في عمان، وهو أيضا وجه أسئلة حول مصير الأردنيين المعتقلين الذين تسللوا إلى فلسطين المحتلة، ومن بينهم شاب من عشيرته الكريمة، وربما كان غاضبا يومها، والإنسان عند الغضب، تخرج منه كلمات كثيرة، لا يقولها في الأيام العادية، ولا يقصدها، خصوصا، حين يكون نائبا بين نواب زملاء له في مجلس النواب ذاته، والمفترض أن يبقى معهم أربع سنوات، مازلنا في بدايتها.
هذا الملف بات قابلا للتأويل بطرائق مختلفة، ويخضع لتوظيفات سياسية، ولهذا ننصح رئيس مجلس النواب، أن لا يسمح بتوظيف الملف، وأن يتم حل القضية وديا، وعدم التصعيد في الأمر، خصوصا، أن هناك من يتصيد ويريد أن يقول إن النائب سيدفع ثمن مواقفه المختلفة، وليس بسبب قصة غضبه وتلفظه بكلمات لا يقبلها هو أساسا، ولا نقبلها نحن أيضا.
ما يزال الوقت متاحا لإغلاق هذا الملف، ومن مصلحة الأردن الأولى والأخيرة، أن يكون بيننا نواب لديهم الجرأة والقدرة على المصارحة، وقول الحقيقة، حتى لو بلغوا سقفا غير متوقع، وكثيرا ما تكون هذه الإضاءة داخل البرلمانات، دليل حياة وعافية، وليس دليلا على الفوضى.
أما ترشيد غضب النائب، فيكون بالتعاون معه، أولا وأخيرا، وليس بطرائق بديلة.
لماذا لا يحتملون غضب النواب؟ ماهر ابو طير
6
المقالة السابقة