عروبة الإخباري – تعلمت الإدارة الأميركية الجديدة خلال فترة قصيرة جدا من عمرها درسا بليغا، مفاده أنه لا يمكن ترك الأمور على علاتها في الشرق الأوسط وتوقع أن تجد حلولها بنفسها. ورغم أن إدارة الرئيس جو بايدن تعد “مخضرمة” بحكم تولي بايدن منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، وأن الكثير من مسؤولي إدارته يعدّون خبراء في السياسة الخارجية، إلا أن الأيام الأولى للإدارة كشفت أن بعض المقاربات للأزمات في المنطقة أكثر من ساذجة وتحتاج إلى الكثير من إعادة النظر.
وبدأت إدارة بايدن حضورها السياسي في الشرق الأوسط بإثارة قضايا مثل العلاقة مع السعودية والتركيز على الحرب في اليمن، لكن المحور الأساسي بالنسبة إليها كان العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. وجاءت المواقف الأميركية المتسرعة التي فيها الكثير من الاستعراض للإيحاء بأن الشرق الأوسط ليس أولوية بالنسبة إليها الآن، وأن التحدي الحقيقي الذي تواجهه الولايات المتحدة هو الصين التي تزاحمها إستراتيجيًّا في كل شيء تقريبا.
لكنّ احتكاكا بدا هامشيا في حي من أحياء القدس كان كافيا لإطلاق حرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين تتصاعد بما يشبه حرب 2006 بين حزب الله وإسرائيل، حيث الدور الإيراني حاضر بقوة.
وتجد الإدارة الأميركية نفسها في وضع مرتبك حيث لا تستطيع أن تهمل تصاعد الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع عزم الإسرائيليين على تدمير أقصى ما يمكن من البنية التحتية الفلسطينية في غزة، وخصوصا البنية التحتية العسكرية من ترسانة صواريخ وأنفاق.
وأبرز اتصال بين وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني أن الولايات المتحدة لا تزال تبحث عن طريقة للتواصل والضغط على حماس، دون إستراتيجية واضحة.
ويشير بعض المحللين الغربيين إلى حجم الضربات التي وجهتها حماس إلى إسرائيل، حتى وإن تم التصدي لعدد كبير منها من قبل منظومة “القبة الحديدية” المضادة للصواريخ، الأمر الذي زاد من ضغط الرأي العام الإسرائيلي لكي يقوم الجيش بعملية واسعة النطاق لا تستثني التدخل البري داخل القطاع، لمنع تكرار القصف الصاروخي من حماس.
وقال المحلل السياسي لصحيفة الغارديان البريطانية بيتر بيمونت “ما يبدو تطورا في ما تملكه حماس من إمكانيات لتوجيه ضربات صاروخية مؤثرة، وما يعد قدرة ملموسة على تحمل الرد الإسرائيلي، هما الشيئان اللذان سيجعلان إسرائيل غير قادرة على التراجع هذه المرة وأنها ستتأكد من توجيه ضربة قاسية ومدمرة لحماس”.
وأوضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن العملية العسكرية ضد غزة لا تزال في بدايتها، وهو الأمر الذي يضع الإدارة الأميركية في موقف محرج بين السكوت وترك الإسرائيليين “ليتموا المهمة” أو التدخل لمنع تصاعد الموقف خارج السيطرة.
ورغم أن إدارة بايدن كانت في وضع المستفيد التلقائي من اتفاقات السلام بين إسرائيل ودول عربية ليست على خط المواجهة، وهي دول ما صار يعرف بـ”اتفاق أبراهام” للسلام مع إسرائيل، إلا أن هذه الدول وجهت انتقادات شديدة لرد الفعل الإسرائيلي على التصعيد رغم انتقادها لسياسات حماس، وهو الأمر الذي يزيد من إحراج الإدارة الأميركية التي كانت تراهن على ملف نائم للصراع العربي الإسرائيلي، وخطوات قادمة لتحريك الاتفاق النووي مع إيران، ومن ثم تفرغ واشنطن لمواجهة الخطر الصيني المتصاعد.
وقال السفير الفلسطيني السابق بركات الفرا إن “الموقف الأميركي إزاء ما يحدث في الأراضي الفلسطينية ملتبس حتى الآن، مع أن واشنطن هي الجهة الوحيدة في العالم التي تستطيع أن تمارس ضغطا على إسرائيل”.
وأضاف الفرا في تصريح لـ”العرب” أن “الاتصالات الأميركية متواصلة لوقف إطلاق النار على غزة، وهدفها في المقام الأول إقناع تل أبيب بأن وقف إطلاق النار يصب في صالحها أكثر من الفلسطينيين في ظل الخوف من تداعيات إطالة أمد الحرب على الداخل الإسرائيلي”.
وأشار إلى أن الأحداث الحالية يمكن أن تصب في صالح المشروع الأميركي لحل الدولتين الذي تتبناه إدارة جو بايدن وأعادت التذكير به أخيرا، لأن هناك قناعة لدى واشنطن بأن السلام لن يتحقق إلا بحصول الفلسطينيين على حقوقهم، خاصة مع ارتفاع مخاوف إسرائيل من موقف عرب 48، وهم يمثلون قنبلة موقوتة.
إلا أن مارتن إنديك المبعوث الأميركي السابق للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية يرى أن “الولايات المتحدة تحت قيادة بايدن تحولت من القيادة إلى الدعم في الشرق الأوسط”.
وقال إنديك مؤلف كتاب “سيد اللعبة: هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط” إن “بايدن لا يقود من الخلف، كما فعل باراك أوباما في ليبيا. إنه يدعم إسرائيل ويقود أماكن أخرى. وهذه هي الطريقة الوحيدة التي ستتمكن بها الولايات المتحدة من الحفاظ على محورها بعيدا عن المنطقة”.
وعبر إنديك في قراءة سياسية مفرطة في المبالغة عن اعتقاده بأن بايدن قد نجا من أول اختبار له في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن المستقبل كفيل بتوصل شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إلى فهم أدوارهم في نظام إقليمي تدعمه واشنطن، وليس بقيادة أميركية، وهذا سيسهل على بايدن تجنب الانزلاق مرة أخرى إلى مستنقع الشرق الأوسط.
وقال البيت الأبيض إن بايدن تحدث مع كل من نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس في ساعة متأخرة من مساء السبت وأطلعهما على الجهود الدبلوماسية الأميركية.
ومما يعقد الجهود الدبلوماسية عدم تواصل الولايات المتحدة ومعظم القوى الغربية مع حماس التي تعتبرها هذه الأطراف منظمة إرهابية. كما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي تتركز قاعدة نفوذه في الضفة الغربية، ليس له أي نفوذ على حماس في غزة.
وبعثت الولايات المتحدة رسالة شديدة اللهجة إلى حماس من خلال أطراف عربية، توضح أن الهجمات الصاروخية يجب أن تتوقف.
وقال مسؤول غربي مطلع على الأحداث “لا توجد لعبة تفاوض هنا”.
ولفت باتريك كوبرن المحلل السياسي البريطاني المختص في شؤون الشرق الأوسط إلى أن القوة العسكرية المفرطة للغاية لا تزال تستخدم لمحاولة حل المشاكل السياسية التي لم تنجح إلا في مفاقمتها، مشيرا إلى أن “كبح أي حل وسط من هذا القبيل بين إسرائيل والفلسطينيين هو بسبب أن ميزان القوى يبدو بأغلبية ساحقة لصالح الإسرائيليين. إنهم لا يشعرون بالحاجة إلى التنازل لأن لديهم تفوقا عسكريا كاملا ودعما من الولايات المتحدة والدول القوية الأخرى”.
وطالب السيناتور اليهودي بيرني ساندرز من ولاية فيرمونت بلاده بأن تلعب دورا رئيسيا في مساعدة الإسرائيليين والفلسطينيين على بناء المستقبل، إذا أرادت أن تصبح صوتا ذا مصداقية في مجال حقوق الإنسان على المسرح العالمي.
وأكد رئيس وحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط في القاهرة، طارق فهمي، أن الإدارة الأميركية تتعامل مع الأوضاع الفلسطينية كملف يخص الإقليم كله، قائلا “إن حديثها عن حل الدولتين لا يزال فكرة نظرية لا تتضمن أسسا أو أطرا واضحة ومحددة في ظل تحفظات إسرائيلية كثيرة حولها”.
وأوضح فهمي في تصريح لـ”العرب” أن “إدارة بايدن تسير في اتجاه إيقاف العمليات الإسرائيلية على غزة، لكنها لم تمارس ضغطا حقيقيا على أرض الواقع يمكّنها من التوصل إلى نتيجة ملموسة، فواشنطن تتعامل وفقا لمصلحة إسرائيل وموقفها يحمل قدرا من التواطؤ”.
وذكر أن الإدارة الأميركية أرسلت موفدها هادي عمرو الذي أجرى مفاوضات في القدس ورام الله، وبدت مقترحاتها تسعى إلى تخفيف عناصر الأزمة وليس حلها، فهي تؤكد أن الشراكة مع السلطة الفلسطينية ممتدة وترفض التصعيد من قبل فصائل المقاومة ولا تريد وقف العمليات الإسرائيلية في الوقت ذاته.