قدم أهل القدس، ومن خلفهم الشعب الفلسطيني في عموم الوطن المحتل والمحاصر، ما عليهم، ووفروا لقيادتهم فرصة استثنائية، لتعزيز حضورها وتصليب مواقفها، في مواجهة ما يعترضها من تحديات جسام…وأعتقد جازماً، أن أهل القدس، ادلوا بأصواتهم في الانتخابات المقبلة، حتى قبل أن تبدأ الانتخابات ومرحلة الدعاية الانتخابية…المطلوب اليوم، استثمار هذا الموقف لترتيب البيت الفلسطيني وتعزيز جدران صموده.
أهل القدس، قدموا «دعوة فورية»، ممهورة بدمائهم، للفصائل والقوائم، أن تدافعوا للدفاع عن المدينة، وليس للجلوس على موائد «حوار الطرشان»، بعيداً عن الحسابات الأنانية والانتهازية، فالمعركة من أجل استرداد العاصمة وتطهيرها، بدأت بقوة، ويتعين المضي بها قدماً، وبسقوف تتخطى الانتخابات ومندرجاتها، إلى تكريس فلسطينية المدينة وعروبتها وإسلاميتها ومسيحيتها، في مواجهة عمليات «التهويد والضم الزاحفين»، وفي صدام مع مشاريع «الأسرلة» المنفلتة من كل عقال.
القدس مدينة الأنبياء، لن يمحو طابعها التاريخي والقانوني، لا «اتفاقات إبراهام»، ولا محورها «العاتي» الذي يبشر به البعض، بالتصريح و»التغريد والتلميح…القدس، درة المشروع الوطني الفلسطيني، وتاج المشروع القومي العربي، وعنوان وحدة المسلمين، وقبلة المسيحيين الشرفاء والأحرار في العالم، بعيداً عن تقلبات السياسة وتهافت بعض السياسيين.
كلما تسلل اليأس والإحباط إلى نفوسنا، تأتينا «النجدة» من الشعب الفلسطيني، ومن أهل القدس والأراضي المحتلة والمحاصرة…الشعب يتفوق على نفسه، والفلسطينيون سطروا بأجساد شبانهم العارية، ملحمة بطولة، تعجز الكلمات عن وصفها، وتتضاءل أمامها، بلاغة النص، نثراً وشعراً.
والذين رفعوا لواء القدس، فلسطينيتها وعروبتها، هم «جيل ما بعد أوسلو»، الذي ظنوا وظننا، أنه بات منهكاً بانقسام السلطة وترهلها وانحدار مشروعها الوطني…هؤلاء على ما يبدو، لهم قراءاتهم المستمدة من تجربة «المقاومة اليومية» للاحتلال، ومن راهن المواجهة المتصلة مع قطعان المستوطنين المدججين الكراهية والعنصرية، المحميين من الجيش والمستوى السياسي والقضائي في دولة الاحتلال والعنصرية.
شعبٌ يتوارث هذا الإصرار، وتتناسخ في أجساد أبنائه، روح التحدي والبسالة والصمود، لا يهزم…لقد أطاحوا بالأمس، بالفرضية الاستعمارية عن «العاصمة الأبدية الموحدة»، أمس خرجت القدس الشرقية عن بكرة أبيها…لقد أسقطوا نظرية «تقطيع أوصال الشعب الفلسطيني»، أمس خرج الفلسطينيون عن بكرة أبيهم، وفي عموم مدن الضفة والقطاع والعاصمة المحتلة، وداخل الخط الأخضر، في وقفة عز دفاعاً عن القدس والمقدسات، الوطن والهوية، الحرية والكرامة، العدالة والمساواة…أمس كان يوماً من أيام فلسطين المجيدة، أمس كان مبشراً ونذيرا…مبشراً للفلسطينيين واصدقائهم، بأن عجلة الكفاح لن تتوقف، ونذيراً لمن أصابهم الزهو والغرور وأخذتهم الغطرسة، بأن المستقبل، ما زال زاخراً بالمزيد من المواجهات، فالأمن أمن فلسطين أولاً، والسلام سلام فلسطين أولاً، والاستقرار استقرار فلسطين أولاً، ومن دون ذلك كله، لن ينعم أحدٌ بأمن وسلام واستقرار.
والأردن بدوره، مطالب بتوظيف اللحظة المقدسية بامتياز، من أجل تعزيز قواعد موقفه من القدس والأقصى والرعاية، سيما في ضوء التطورات المقلقة، التي تكشف عن مساعي «شقيقة» لمنافسته على هذا الدور، وأدوار مشبوهة في «بيوعات الأرض»، والسطو على أملاك الوقف الأرثوذوكسي، لصالح كنائس داعمة لصفقة القرن، ولإدارة ترامب، والثلاثي المتصهين: كوشنر، جرينبلات وفريدمان…آن أوان «كنس» الطفيليات التي تسعى للتسلق على جدران المدينة المقدسة، وأهل المدينة قالوا كلمتهم في ذلك، وما علينا سوى أن نبيني على منجزهم، المعمد بدماء أبنائهم وعذابات أسرهم.
يوم من أيام فلسطين عريب الرنتاوي
10
المقالة السابقة