الأردن والعراق كلاهما «رئة اقتصادية يتنفس منها الآخر».. هذه حقيقة أزلية فرضتها أمور عديدة، تاريخية وجغرافية وسياسية واقتصادية، وعبر عقود مضت كان العراق داعما أساسيا يشكّل عمقا استراتيجيا للأردن،وكذلك الاردن بالنسبة للعراق. من هنا علينا أن ندرك أهمية زيارة الوفد الاقتصادي الاردني الى بغداد،والذي يضم وزيرة الصناعة والتجارة م. مها علي، ووزير الاشغال العامة والاسكان م. يحيى الكسبي، دون عزلها عن الزيارة التي قام بها مؤخرا وزير الصناعة والمعادن العراقي منهل الخباز الى الأردن، وضرورة ربطها بزيارة رئيس الوزراء د. بشر الخصاونة مؤخرا للعاصمة العراقية، ولا يمكن اغفال كل تلك التحركات بالتوجيهات الملكية السامية لضرورة تعزيز العلاقات الاردنية العراقية وفي مختلف المجالات.
أهمية التوقيت الان لا بد من الاشارة اليه وربطه بكل المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعالم، بدءا من جائحة كورونا التي تستوجب تكاتفا على صعيد العلاقات الثنائية بين الدول، ثم الاقليمية والعالمية، مرورا بتداعياتها على اقتصادات المنطقة التي تستوجب تكاملية وتشاركية ومشاريع واستثمارات قادرة على الصمود لاستدامة التنمية في الدول والاقليم، وليس انتهاء بالمشهد السياسي العالمي الذي اعاد الديمقراطيين بقيادة جو بايدن صاحب الرؤية المختلفة في المنطقة عما عاث به وافسد الجمهوريون برئاسة دونالد ترامب في الساحة العراقية والملف الايراني والعلاقات الخليجية وغيرها.
هذا المشهد من الضروري عدم اغفاله حين نتذكر بأن الاردن وقبل سنوات قليلة جدا راهن تماما على أن فتح «معبر طريبيل» مع العراق سيسهم في انقاذ اقتصاد البلدين من خلال مشاركة الاردن في مشاريع اعمار العراق، ومن خلال فتح طريق الصادرات والواردات بما فيها مشروع النفط العراقي ( البصرة – العقبة )، وكانت هناك زيارة تاريخية لجلالة الملك الى بغداد لتدعيم وتعزيز العلاقات، وزيارة لرئيس الوزراء السابق د. عمر الرزاز على رأس وفد اقتصادي رسمي وقطاع خاص واعلامي، وتم خلال الزيارة توافق لاقامة المنطقة الاقتصادية المشتركة بين البلدين وعلى تسريع مشروع نفط البصرة – العقبة وفتح السوق العراقية امام التجارة والصناعات الاردنية واتفاقية الكهرباء من الاردن الى العراق، وغيرها من الاتفاقيات او التوافقات والتفاهمات، لكن كل ذلك سار بطيئا جدا لظروف سياسية وامنية في المنطقة عانا منها العراق الشقيق في حربه المتواصلة ضد الارهاب، ولم تكن اجواء الاقليم السياسية تساعد على فتح بوابة التعاون الاقتصادي بين الاردن والعراق على مصراعيه كما كان مؤملا.
الآن الوضع اصبح مختلفا وهناك فرصة لاعادة تسريع خطوات التعاون الاقتصادي – ليس بين الاردن والعراق فحسب – بل بين (الاردن والعراق ومصر ) تساعد عليه الارادة السياسية العليا ممثلة بزعماء وقيادات الدول الثلاث وتواصل الحكومات شبه المنتظم وتسريع اللقاءات الثنائية والثلاثية وعلى كافة الصعد، الامر الذي يدعونا لنتفاءل بتحقيق انجازات ملموسة على ارض الواقع ليس فقط على صعيد الحكومات بل والقطاع الخاص في الدول الثلاث وانعكاس كل ذلك على مواطني تلك الدول، خصوصا وان الارقام الاقتصادية – على سبيل المثال لا الحصر – تقول إن:
– حجم التبادل التجاري بين الاردن والعراق 3ر448 مليون دينار خلال 11 شهرا مضت من العام 2020.
– 18 مليار دولار حجم الاستثمارات العراقية في الأردن.
– حجم الاستثمارات العراقية فى مصر نحو 490 مليون دولار من خلال 3329 شركة.
– الاستثمارات الأردنية في مصر تبلغ نحو 1.7 مليار دولار من خلال 1945 شركة.
– احتلت الأردن المركز الـ23 ضمن قائمة الدول المستثمرة في مصر والعراق في المرتبة 25.
– الاستثمارات المصرية في الأردن تزيد على مليار دولار من خلال 499 شركة.
كل هذه الارقام «المتواضعة» تؤكد بأن الانجازات لا تزال بعيدة عن حجم الطموحات وقوة ومتانة العلاقات!