عروبة الإخباري – قالت مصادر محلية في محافظة مأرب (شرق صنعاء) لـ”العرب” إن القوات التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا تمكنت من امتصاص صدمة الهجوم الذي شنه الحوثيون من عدة محاور بهدف التقدم صوب مدينة مأرب مركز المحافظة الغنية بالنفط والغاز، في الوقت الذي يسعى فيه المتمردون للعب ورقة مأرب في أيّ تسوية قادمة ودخول المفاوضات كممثلين عن الشمال.
وأشارت المصادر إلى وصول تعزيزات من خارج محافظة مأرب لإسناد القوات المدافعة عن المدينة، من بينها قوات تابعة للعمالقة الجنوبية المتمركزة في الساحل الغربي والتي تمكنت من الوصول إلى مأرب بعد يوم كامل من الانتظار على مشارف مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة، حيث يبدي الإخوان حتى الآن توجسا من أيّ قوات تحاول المشاركة في مواجهة الحوثيين في مأرب.
ووفقا للمصادر تواصل الميليشيات الحوثية هجومها باتجاه مدينة مأرب عبر موجات من المقاتلين، على الرغم من الخسائر الكبيرة في الأرواح التي تتكبدها نتيجة القصف الجوي لطيران التحالف، وكمائن الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، في مؤشر على إصرار الحوثيين على تحقيق أيّ اختراق عسكري في الفترة التي تسبق الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار وإطلاق جولة جديدة من المشاورات السياسية.
وتجاهل الحوثيون الدعوات التي أطلقتها الأمم المتحدة، والمجتمع الدولي لإيقاف هجومهم على محافظة مأرب التي تضم وفقا لتقديرات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا حوالي ثلاثة ملايين نازح من الفارين من الميليشيات الحوثية في مناطق سيطرتها.
واعتبرت مصادر سياسية يمنية لـ”العرب” أن الهجوم الحوثي على مأرب والتهديد الذي بات يمثله على المحافظة الحيوية التي تضم مخزنا بشريا من القبائل المناوئين للفكر الحوثي، إضافة إلى رمزية المحافظة التاريخية، وثرواتها النفطية والغازيّة، يأتي كحصاد لفشل الحكومة اليمنية خلال السنوات الست الماضية في بناء مؤسسة عسكرية مهنية، واعتمادها بشكل أكبر على المقاتلين القبليين أو بعض المتطوعين الذين ينخرطوا في قتال الحوثي بشكل غير منتظم.
كما أكدت المصادر أن حالة الفساد المستشرية في مفاصل الجيش الوطني اليمني وبروز الأجندات السياسية، كلها أمور تسببت قبل ذلك في سقوط منطقة نهم ومحافظة الجوف ونقلت المعركة إلى مناطق الشرعية بعد أن تحرر الحوثيون من الضغط الذي كانت تمثله الجبهات المتقدمة للجيش الوطني في نهم وصرواح والتي انهارت بشكل مفاجئ ولم يتم إجراء أيّ تحقيق عسكري في أسباب سقوطها.
وعن إمكانية سيطرة الحوثيين على مدينة مأرب، استبعدت مصادر “العرب” حدوث مثل ذلك، في ظل حالة الاستنفار العسكري والقبلي والإصرار على عدم تمكين الميليشيات الحوثية من إحراز مثل هذا النصر الذي سيكون بمثابة إسدال الستار على “الشرعية”، مشيرة إلى أن كل الخيارات مطروحة بما في ذلك خوض حرب شوارع داخل مدينة مأرب، قد تكبد الحوثيين كلفة باهظة تتجاوز قدرتهم على استيعابها أو تعويضها.
وكشفت مصادر “العرب” عن تقلص هامش المؤيدين للتقارب الحوثي – الإخواني في جناح تركيا الإخواني اليمني، بعد أن شعروا بخداع الضمانات القطرية التي كان يعتمد عليها هذا التيار في مهاجمة التحالف العربي والدعوة للتقارب مع الحوثي على قاعدة العداء للتحالف، غير أن الهجوم الحوثي على مأرب، كشف حقيقة الأجندة السياسية للدوحة وأنقرة المراهنة على الحوثيين بصفتهم الحليف اليمني المحتمل في مخطط استهداف دول التحالف بقيادة السعودية.
وانفردت “العرب” في وقت سابق بالكشف عن التحركات القطرية في الملف اليمني وسعي الدوحة لتقديم نفسها كوسيط محايد في الأزمة اليمنية، من باب علاقاتها المزدوجة بالحوثيين وجماعة الإخوان المهيمنة على قرار الشرعية في ذات الوقت.
واعتبرت مصادر خاصة أن ظهور القيادي الإخواني البارز المقيم في تركيا حميد الأحمر، وشنه هجوما على التحالف العربي وتحميله مسؤولية الفشل في أداء الشرعية بعد سنوات من الحرب ودعوته لتحويل التحالف العربي إلى تحالف إسلامي وإشراك أنقرة فيه، بأنها جزء من الترتيبات القطرية للمرحلة الانتقالية، ومحاولة لتصدير شخصيات تدين بالولاء للدوحة إلى واجهة المشهد، في الوقت الذي كان فيه الأحمر يفضل لعب دور من تحت الطاولة خلال السنوات الست الماضية والانشغال في أعماله التجارية التي يديرها من إسطنبول.
واستغل الحوثيون حالة الارتباك الدولي نتيجة المواقف الملتبسة للإدارة الأميركية الجديدة، وضعف الحكومة الشرعية، وانهماك المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث في التسويق لخطته المتعلقة بوقف إطلاق النار، من أجل إحراز انتصار عسكري خاطف يضاف إلى قائمة المكاسب التي حققها المتمردون الحوثيون في العامين الأخيرين لفرض واقع جديد في أيّ مشاورات مرتقبة للحل السياسي في اليمن.
ويعتبر مراقبون للشأن اليمني أن إصرار الحوثي على اجتياح مأرب بالرغم من الخسائر الهائلة التي يتكبدها، مؤشر على استراتيجيته القائمة على استكمال سيطرته على معظم محافظات الشمال، ودخول أيّ مشاورات قادمة بوصفه ممثلا لما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة، وهو الأمر الذي ينهي أيّ تأثير للقوى والمكونات الشمالية الأخرى المناوئة للحوثي في أيّ حوار وفي مقدمتها حزب الإصلاح، وتحويل الحوار إلى حوار شمالي جنوبي.
وربط مراقبون بين تجدد المواجهات العنيفة شمال محافظة الضالع بين القوات الجنوبية والحوثيين، وبين وصول تعزيزات من قوات المقاومة الجنوبية إلى مأرب للمشاركة في قتال الميليشيات الحوثية، التي تسعى للضغط على محافظة الضالع الجنوبية، في رسالة لتحييد الجنوبيين في معركة مأرب الحاسمة على المستويين العسكري والسياسي، وهو الأمر ذاته الذي من خلاله يمكن تفسير التصعيد الحوثي عبر استهداف الأراضي السعودية بشكل شبه يومي باستخدام الطائرات المسيّرة المفخخة، وهي رسالة تهدف لتحييد الطيران السعودي في معركة مأرب وجعل الرياض أكثر انحيازا لتوقيع “الاتفاق المشترك” الذي تدعمه الأمم المتحدة والمجتمع الدولي كصيغة لوقف إطلاق النار الشامل وللمرحلة الانتقالية في اليمن.